الصراع على فلسطين أو القضية الفلسطينية واحدة من أعقد النزاعات في التاريخ الحديث. حيث بدأ الاحتلال الصهيوني عبر مراحل مدروسة شملت التخطيط الدقيق والدعم الغربي لاستلاب أرض فلسطين من أصحابها الأصليين. ومع الترويج لمزاعم دينية وتاريخية، استغل الصهاينة الظرف الاستعماري العالمي لتحقيق أهدافهم، مما أدى إلى إعلان قيام دولة إسرائيل عام 1948م.
الجذور التاريخية للصراع
روجت المنظمة الصهيونية لفكرة “أرض بلا شعب لشعب بلا أرض”، من أجل تنفيذ المخطط وقيام دولة يهودية على أرض فلسطين. واستندوا إلى تفسيرات توراتية تشير إلى وعد الله لهم بأرض فلسطين. لكن الحقائق التاريخية تثبت أن القدس أُسست من قبل العرب اليبوسيين منذ الألف الرابع قبل الميلاد، أي قبل ظهور اليهودية بأكثر من 27 قرنًا. حتى وجود اليهود في القدس لم يستمر إلا لفترة قصيرة نسبيًا خلال حكم النبي داوود وابنه سليمان عليهما السلام.
في القرن التاسع عشر، بدأ اليهود الأوروبيون يتوافدون على فلسطين بتمويل ودعم من القوى الاستعمارية مثل بريطانيا. كانت الدولة العثمانية تضع قيودًا صعبة على شراء اليهود للأراضي، لكنهم تحايلوا على الوضع ولجأوا إلى شراء الأراضي من خلال وسطاء أجانب أو تأسيس مؤسسات “إنسانية” تُحوّل لاحقًا إلى مستوطنات. ومع ذلك، واجههم السلطان عبد الحميد الثاني بقوة، رافضًا عروضًا مالية ضخمة للسماح بالاستيطان اليهودي.
المخططات الصهيونية ودور القوى الغربية
في عام 1897م، عُقد المؤتمر الصهيوني الأول في بازل بسويسرا بقيادة تيودور هرتزل، الذي وضع خطة لجعل فلسطين وطنًا قوميًّا لليهود. اختار المؤتمر فلسطين، رغم وجود خيارات أخرى مثل أوغندا، وبدأت المنظمة الصهيونية في حشد الموارد وتنفيذ المشروع.
بعد قيام الحرب العالمية الأولى عام 1914، سعت الدول الأوروبية إلى إعادة تشكيل مناطق النفوذ. ووقعت بريطانيا وفرنسا اتفاقية سايكس بيكو عام 1916 لتقسيم أراضي الدولة العثمانية بعد سقوطها. ومع انتهاء الحرب وهزيمة العثمانيين، بدأت بريطانيا تنفيذ خططها الاستعمارية.
الانتداب البريطاني على فلسطين
كما لعبت دورًا حاسمًا في دعم المشروع الصهيوني، بدءًا من وعد بلفور عام 1917م، الذي تعهدت فيه بتأسيس وطن قومي لليهود في فلسطين. ثم عُقد مؤتمر سان ريمو بإيطاليا في أبريل 1920، حيث قرر الحلفاء فرض نظام الانتداب على المناطق التي كانت تحت سيطرة العثمانيين. ومُنحت بريطانيا تفويضًا لإدارة فلسطين، بشرط تنفيذ وعد بلفور ودعم تأسيس وطن قومي لليهود. وكانت بريطانيا ملتزمة بدعم المشروع الصهيوني، ما أدى إلى تعزيز الهجرة اليهودية واستيطان الأراضي الفلسطينية.
وتم تنفيذ الانتداب رسميًا بعد تصديق عصبة الأمم عليه عام 1922. ومن أبرز معالمه:
إدارة مباشرة: حكمت بريطانيا فلسطين مباشرة من خلال مفوض سامٍ.
الهجرة اليهودية: سمحت بريطانيا بتسهيل دخول اليهود إلى فلسطين، رغم معارضة السكان العرب.
إقامة مؤسسات يهودية: دعمت بريطانيا تأسيس الوكالة اليهودية والمنظمات الصهيونية الأخرى. وازداد شراء اليهود للأراضي الفلسطينية تحت إشراف بريطاني.
وكانت الهجرة اليهودية المنظمة إلى فلسطين قد بدأت في أواخر القرن التاسع عشر، وبلغت ذروتها بين 1933م و1948م، حيث وصل عدد اليهود إلى حوالي 650 ألف شخص، مما جعلهم يشكلون حوالي 29.5% من السكان. وفي الوقت الذي دعمت بريطانيا هذه الهجرات وتمكين اليهود من امتلاك الأراضي وبناء المستوطنات، كانت تضيق الخناق على الفلسطينيين.
المقاومة الفلسطينية والتصدي للاحتلال
مع تطبيق الانتداب البريطاني عام 1922، ازداد التوتر بين السكان الفلسطينيين، الذين رأوا في السياسات البريطانية تهديدًا لهويتهم ووجودهم، خاصة مع تصاعد الهجرة اليهودية والاستيلاء على الأراضي. لذلك قاموا بعدد من الثورات:
ثورة 1920
كانت أول ثورة كبرى بعد بداية الانتداب البريطاني، وحدثت في مدينة القدس خلال احتفالات موسم النبي موسى. حيث تظاهر الفلسطينيون ضد الوجود البريطاني والمشروع الصهيوني، مما أدى إلى اشتباكات عنيفة أسفرت عن مقتل عدد من الفلسطينيين واليهود. وتم قمع التظاهرات بقوة من قبل القوات البريطانية وتشديد الإجراءات الأمنية.
ثورة البراق 1929
اندلعت بعد محاولة اليهود السيطرة على حائط البراق، الذي يعد جزءًا من المسجد الأقصى. وشهدت الثورة مظاهرات واشتباكات عنيفة امتدت إلى عدة مدن فلسطينية. وقتل فيها مئات الفلسطينيين واليهود، وتم تشكيل لجنة تحقيق دولية أدانت بعض التصرفات اليهودية.
ثورة القسام 1935
قادها الشيخ عز الدين القسام، أحد أبرز رموز النضال الفلسطيني والذي استشهد خلالها. وشكلت الثورة تحولًا نحو المقاومة المسلحة ضد الانتداب البريطاني والاستعمار الصهيوني. حيث حدثت مواجهات مسلحة بين مجموعات القسام والقوات البريطانية.
الثورة الفلسطينية الكبرى 1936-1939
تُعد أهم وأطول الثورات الفلسطينية. بدأت بإضراب عام دام ستة أشهر، ثم تطورت إلى مواجهات مسلحة واسعة النطاق شملت المدن والريف. وتشكلت لجان قومية قادت الإضراب وتنظيم المقاومة. وحدثت اشتباكات عنيفة بين الفلسطينيين والقوات البريطانية، التي استعانت بالجيش والشرطة لقمع الثورة.
وقُتِل في الثورة آلاف الفلسطينيين واعتقل عدد من القادة، وتم تدمير عدد من القرى. وكان من أهم نتائجها إصدار الكتاب الأبيض عام 1939، الذي حاول الحد من الهجرة اليهودية، لكنه لم يوقف المشروع الصهيوني.
المجازر الصهيونية
في سياق تهجير الفلسطينيين قسرًا، ارتكب الصهاينة عدة مجازر، ونُفذت بهدف نشر الذعر بين السكان الفلسطينيين ودفعهم للهجرة. وأشهر هذه المجازر مجزرة دير ياسين 9 إبريل عام 1948.
مجزرة دير ياسين هي واحدة من أبشع الجرائم التي نفذتها الجماعات الصهيونية المسلحة في فلسطين، تحديدًا في قرية دير ياسين الواقعة غرب القدس. ففي ساعات الفجر، هاجمت عصابتا “الأرجون” و”شتيرن” القرية الصغيرة التي كان يقطنها نحو 750 شخصًا.
ورغم اتفاق سابق بين أهالي القرية والجماعات اليهودية المجاورة على الحياد، إلا أن المهاجمين شنوا هجومًا مفاجئًا باستخدام الأسلحة الثقيلة والقنابل، مما أدى إلى تدمير المنازل وسقوط عدد كبير من القتلى.
أظهرت تقارير لاحقة أن القوات المهاجمة لجأت لقتل المدنيين بوحشية، بما في ذلك النساء والأطفال. وقد أُزهقت أرواح نحو 250 شخصًا، بينما تعرضت بعض النساء للاعتداءات قبل قتلهن.
ونجحت المجزرة في تهجير مئات الآلاف من الفلسطينيين لاحقًا. بالإضافة إلى السيطرة على القدس، حيث شكلت دير ياسين موقعًا استراتيجيًا على طريق القدس-تل أبيب، ما جعلها هدفًا رئيسيًا للصهاينة.
ورغم فظاعة المجزرة، لم تحظَ بإدانة دولية كافية، مما شجع الصهاينة على ارتكاب مجازر أخرى.
إعلان دولة إسرائيل
في 14 مايو 1948م، انسحبت بريطانيا رسميًا من فلسطين، ما فتح الباب أمام إعلان قيام دولة إسرائيل على يد ديفيد بن غوريون. جاء هذا الإعلان تتويجًا لجهود الصهاينة والدعم الغربي، وسط رفض عربي واسع.
وأُعلن عن وضع القدس تحت الوصاية الدولية وفق خطة التقسيم التي أقرتها الأمم المتحدة. لكن السيطرة الفعلية على القدس أصبحت محط صراع مستمر بين الإسرائيليين والفلسطينيين.
أسباب الدعم الغربي لإسرائيل
- المصالح الاستعمارية
رأت بريطانيا في دعم المشروع الصهيوني فرصة لتحقيق مكاسب استراتيجية، مثل كسب تأييد يهود أوروبا خلال الحرب العالمية الأولى. لاحقًا، لعبت الولايات المتحدة دورًا أكبر في دعم إسرائيل بسبب النفوذ القوي للمنظمات الصهيونية العالمية.
- السيطرة الاقتصادية والسياسية
استغلت المنظمات الصهيونية العالمية نفوذها المالي في التأثير على قرارات الحكومات الغربية، مما جعل إسرائيل تحظى بدعم سياسي وعسكري غير مشروط من دول مثل الولايات المتحدة.
اقرأ أيضًا: فتح القدس على يد صلاح الدين الأيوبي
المصادر:
تقرير اليوم السابع: تعرف على أشهر الثورات الفلسطينية ضد الانتداب البريطاني.. في ذكرى ثورة البراق.
تقرير بي بي سي: تسلسل للتاريخ الفلسطيني منذ الحرب العالمية الأولى.
يورو نيوز: بالأرقام.. أبرز المجازر التي اتُهمت إسرائيل بارتكابها في فلسطين والدول المجاورة.
تقرير الجزيرة: من وعد بلفور إلى إعلان إسرائيل.. الانتداب البريطاني في فلسطين.
التعليقات
لا توجد تعليقات حتى الآن. كن أول من يعلق!
اترك تعليق
لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *