دراسة تاريخ فلسطين القديم ضروري اليوم، لكي نعرف أول من سكن القدس، وتاريخ بني إسرائيل في المنطقة، وكم من الزمن عاشوا فيها؟ وهل لهم حق في أرض فلسطين كما يزعمون، أم أن للأرض أصحاب يتم محو هويتهم بشكل ممنهج منذ 80 عامًا.
أول من سكن القدس
كان الكنعانيون أول من سكن أرض فلسطين، منذ حوالي الألف الرابع قبل الميلاد. ويُعتبرون من أوائل الشعوب التي استقرت في هذه المنطقة، لذلك عرفت بأرض كنعان نسبة لهم.
أما أول من سكن القدس فهم اليبوسيون، وهم إحدى القبائل الكنعانية القديمة، وكانت القدس تُعرف آنذاك باسم “يبوس” نسبة لهم. واختاروا المدينة بسبب موقعها الجغرافي المنيع ووفرة مصادر المياه.
بداية ظهور بني إسرائيل في المنطقة
في تاريخ فلسطين القديم، بدأ ظهور بني إسرائيل بعد النبي إبراهيم عليه السلام، الذي وُلد في مدينة أور (جنوب العراق حاليًا). دعا سيدنا إبراهيم لعبادة الله الواحد، وهاجر بأمر من الله إلى أرض كنعان (فلسطين). وُلد له إسماعيل، الذي أصبح أبًا للعرب، ثم إسحاق، الذي جاء من نسله يعقوب (إسرائيل) عليه السلام. كان يعقوب لديه 12 ابنًا، ومنهم جاءت أسباط بني إسرائيل.
أنجب سيدنا يعقوب عليه السلام نبي الله يوسف، الذي ألقى به أخوته في البئر واشتراه عزيز مصر. وبعد أن أصبح ليوسف شأن عظيم دعا أباه وأخوته للعيش معه، فترك إسرائيل وأبناؤه أرض فلسطين وانتقلوا إلى مصر وعاشوا في عزة وكرامة. وهذا يعني أن فترة وجودهم في فلسطين لا تذكر، ويعتبروا مهاجرين إليها وليسوا من السكان الأصليين مثل الكنعانيين الذين سبقوهم إليها من قرون طويلة.
ومع الوقت تغيرت معاملة المصريين لبني إسرائيل فاضطهدوهم وجعلوهم عبيدًا وكانوا يقتلون أبنائهم الذكور، فأرسل الله لهم نبي الله موسى عليه السلام، الذي خرج بهم من مصر قاصدًا فلسطين، فشق الله لهم البحر فعبروا ثم أغرق فرعون وجنوده. ورغم معجزات موسى عليه السلام لكنهم لما رأوا قومًا يعبدون الأوثان طلبوا من موسى أن يجعل لهم إلهًا مثله، وعندما ذهب موسى إلى جبل الطور ليناجي ربه عبدوا العجل. ولما وصلوا فلسطين امتنعوا عن دخول القدس خوفًا من العماليق {قَالُواْ يَا مُوسَى إِنَّا لَن نَّدْخُلَهَا أَبَدًا مَّا دَامُواْ فِيهَا فَاذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ}. فعاقبهم الله بالتيه في صحراء سيناء لمدة 40 سنة بسبب عصيانهم وعدم التزامهم بأوامر الله.
مملكة بني إسرائيل الموحدة
وبعد التيه، دخل بنو إسرائيل أرض كنعان بقيادة يوشع بن نون، حيث استقروا وأقاموا حياة زراعية. وبعد وفاة يوشع بن نون تفرقوا وتشتتوا وتسلط عليهم العماليق وحكمهم جالوت وأخذ مقدساتهم، وأهمها التابوت الذي يحتوي على عصا موسى والألواح التي أنزلت عليه.
ثم ذهب بنو إسرائيل لنبي لهم وقالوا له اختر لنا ملكًا نقاتل تحت إمرته، فبعث الله لهم طالوت ملكًا لكنهم اعترضوا عليه، وبعد عصيان رضوا به وقاتلوا معه. وكان داوود عليه السلام في جيش طالوت وهو الذي قتل جالوت.
وأسس نبي الله داوود أول مملكة لبني إسرائيل في القدس واستمرت حوالي 100عام، وكان ذلك عام 995 قبل الميلاد، أي بعد 1600 عام تقريبًا من وصول الكنعانيين واليوبسيون إليها.
وفي زمن نبي الله سليمان بن داوود عليه السلام جدد المسجد الأقصى، أما اليهود فيزعمون أنه قام ببناء الهيكل الذي لم يذكر أي مصدر تابع لهم مكانه. وحسب المصادر اليهودية، فبعد وفاة سليمان انقسم بني إسرائيل وتقاتلوا فيما بينهم، وأنشأوا مملكتين:
مملكة إسرائيل (في الشمال): ضمت 10 أسباط.
مملكة يهوذا (في الجنوب): ضمت سبطي يهوذا وبنيامين، وعاصمتها القدس.
ولم تبقى مملكة بني إسرائيل طويلًا، حيث غزاهم الأشوريين ودمروا مملكتهم. ثم غزاهم البابليون بقيادة نبوخذ نصر، وحسب المصادر اليهودية قام بتدمير هيكل سليمان المزعوم، وأسروا 40 ألف منهم وأخذوهم إلى بابل وجعلوهم عبيدًا. وبذلك يكون انتهى وجود بني إسرائيل القصير في فلسطين، بسبب عصيانهم المتكرر لأوامر الله، وفق النصوص الدينية والتاريخية.
غزو الفرس لفلسطين
في عام 539 ق.م، سيطر الفرس بقيادة الملك كورش العظيم على الإمبراطورية البابلية، التي كانت تحكم فلسطين في ذلك الوقت. أتاح كورش لليهود المنفيين العودة إلى القدس، وسمح بإعادة بناء الهيكل المزعوم حسب المصادر اليهودية. واتسمت هذه الفترة بالاستقرار النسبي، مع ازدهار الزراعة والتجارة. وكانت السلطة الدينية في القدس تحت قيادة الكهنة اليهود.
غزو الإغريق لفلسطين
في عام 332 ق.م، غزا الإسكندر الأكبر فلسطين خلال حملته ضد الفرس. ورحبت بعض المدن الفلسطينية بالإسكندر لتجنب التدمير. وبعد وفاته، انقسمت امبراطوريته، وأصبحت فلسطين منطقة نزاع بين البطالمة في مصر والسلوقيين في سوريا.
وفي عام 198 ق.م، سيطر السلوقيون بقيادة الملك أنطيوخوس الثالث على فلسطين، وتعرض اليهود لمحاولات لطمس دينهم، مما أدى إلى ثورة المكابيين عام 167 ق.م.
لكن في سنة 164 ق.م، أصدر الامبراطور الإغريقي قراره بإيقاف اضطهاد اليهود والسماح لهم بممارسة عباداتهم والدخول إلى القدس، فدخلوا وبأيديهم الشموع، وعرف هذا اليوم بعيد الأنوار أو حانوكا الذي يحتفلون به إلى اليوم.
وأدخل الإغريق تغييرات ثقافية كبيرة في فلسطين، مثل استخدام اللغة اليونانية والتأثيرات الفنية والعمرانية، التي امتزجت مع الطابع المحلي.
غزو البيزنطيين لفلسطين
سنة 63 قبل الميلاد، بدأ الرومان يتوسعون على حساب الإغريق وسيطروا على الأراضي التابعة لهم ومنها فلسطين. وفي سنة 334 ميلاديًا اعتنق الامبراطور البيزنطي قسطنطين المسيحية، وإليه تعود معظم التحريفات في الدين المسيحي. ثم اعتنقت والدته المسيحية أيضًا وزارت القدس وأمرت ببناء كنيسة القيامة، في المكان الذي يعتقد المسيحيون أن المسيح صلب فيه. لكن حسب المعتقد الإسلامي فالذي صلب هو رجل يشبه عيسى عليه السلام، أما هو فرفعه الله إليه.
وفي عام 395م، انقسمت الامبراطورية الرومانية إلى الامبراطورية البيزنطية في الشرق وعاصمتها القسطنطينية، والامبراطورية الرمانية في الغرب وعاصمتها روما.
وواجهت فلسطين تحديات من الثورات المحلية، بالإضافة إلى الغزوات الفارسية المتكررة في القرن السابع الميلادي. وانتهى الحكم البيزنطي بفقدان فلسطين لصالح المسلمين في عهد عمر بن الخطاب عام 636 م، بعد معركة اليرموك. وظلت فلسطين والقدس تحت حكم الدولة الإسلامية، فحكمها الأمويون، والعباسيون، والفاطميون.
فلسطين في العصور الوسطى والحديثة
ظلت فلسطين تحت الحكم الإسلامي حتى احتلها الصليبيون عام 1099م، وأنشأوا مملكة القدس اللاتينية. وفي عام 1187م، هزم صلاح الدين الأيوبي الصليبين في معركة حطين وحرر القدس. وأصبحت تحت حكم الأيوبيين ثم المماليك، وأخيرًا العثمانيين.
وخلال آخر قرن من الدول العثمانية حاول اليهود استخدام ماضيهم في فلسطين ليأسسوا لهم دولة بعد الشتات الذي عانوا منه. ويجب أن نذكر هنا أن يهود إسرائيل اليوم ليسوا هم بنو إسرائيل الحقيقيين، الذين يعود نسبهم إلى يعقوب عليه السلام. فكما ذكرنا تشتتوا في الأرض وتم سبيهم واختلطت أنسابهم. أما يهود إسرائيل فهم من كل الأجناس والأنساب، تمامًا مثلما يوجد مسلمين عرب وأتراك وماليزيين وهنود، فهم يهود أوروبا والمغرب الذين لم تربطهم بأرض فلسطين أي صلة.
ونجح الصهاينة في الحصول على وعد بلفور سنة 1917م الخاص بإنشاء وطن لليهود في فلسطين. ثم بدأ اليهود يهاجرون بأعداد كبيرة من أوروبا وشمال أفريقيا إلى فلسطين بدعم من المنظمة الصهيونية.
وفي عام 1918م، احتلت القوات البريطانية بقيادة الجنرال اللنبي فلسطين، وتم بناء مستوطنات يهودية واستقبال اليهود بأعداد كبيرة على حساب السكان الأصليين للأرض العرب، الذين تعرضوا للقتل والاضطهاد. وفي عام 1948 انتهى الانتداب البريطاني وأعلن قيام دولة إسرائيل.
المصادر:
ابن الأثير: الكامل في التاريخ.
موقع سويدان: تاريخ فلسطين القديم من النشأة حتى الإسلام.
هشام أبو حاكمة: تاريخ فلسطين قبل الميلاد، 2005م.
عبد الفتاح مقلد غنيمي: الكنعانيون وتاريخ فلسطين القديم.
التعليقات
لا توجد تعليقات حتى الآن. كن أول من يعلق!
اترك تعليق
لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *