في الخامس عشر من أيار/مايو كل عام، تعود الذاكرة الفلسطينية والعربية والإسلامية والعالمية إلى جرحٍ ما زال مفتوحًا منذ عام 1948؛ إنه جرح النكبة، التي لم تكن مجرد هزيمة عسكرية أو خسارة سياسية، بل كانت جريمة تطهير عرقي متكاملة الأركان.

النكبة ليست حدثًا عابرًا… بل مأساة مستمرة

في عام 1948، وبدعم استعماري مباشر، أُعلن قيام ما يُسمّى “دولة إسرائيل” فوق أرض فلسطين التاريخية. لم يكن هذا الإعلان مجرد تغيير على الخارطة الجيوسياسية، بل كان إعلانًا عن بدء أكبر عملية تطهير عرقي في القرن العشرين بحق الشعب الفلسطيني.

فقد هجّرت العصابات الصهيونية، وعلى رأسها “لهاجاناه” و”شتيرن” و”الأرغون”، أكثر من 750,000 فلسطيني من قراهم ومدنهم، مستخدمةً كل وسائل الإرهاب المنظم: مذابح جماعية، اغتصاب، تفجير منازل، حرق حقول، وتجويع حصاري. وكان الهدف واضحًا: تفريغ الأرض من سكانها الأصليين، لبناء كيان على أنقاضهم.

دير ياسين… شاهدٌ لا يموت

من أبشع الجرائم التي ارتكبت في تلك الفترة مذبحة دير ياسين في نيسان/أبريل 1948، والتي قُتل فيها أكثر من 250 فلسطينيًا من المدنيين العزّل، بينهم نساء وأطفال. لم تكن هذه المجزرة حدثًا استثنائيًا، بل كانت جزءًا من استراتيجية مرسومة لبثّ الرعب في نفوس الفلسطينيين ودفعهم للفرار.

التطهير العرقي… سياسة ممنهجة

لم يكن التهجير مجرد نتيجة “جانبية” للحرب، كما يحاول البعض تصويره، بل كان عملية ممنهجة ومدروسة، مدعومة من الحركة الصهيونية ومخططاتها المسبقة، مثل “خطة دالِت” (Plan Dalet) التي وضعت لتطهير المناطق الفلسطينية وطرد سكانها قبل انسحاب الانتداب البريطاني.

وقد تم تدمير أكثر من 500 قرية فلسطينية بالكامل، وأزيلت من الوجود، ليُعاد رسم خريطة الأرض دون أثر لأهلها الأصليين.

ولكن… الفلسطيني لا ينسى

رغم مرور أكثر من سبعة عقود على النكبة، لم يتخلّ الشعب الفلسطيني عن حقه، ولم يقبل بالمساومة على أرضه وهويته. ملايين اللاجئين، في الشتات وفي المخيمات، ما زالوا يحتفظون بمفاتيح بيوتهم، وصور قراهم، وحنين لا يموت.

النكبة لم تُنس، واللاجئون لم يذوبوا، وحق العودة لم يسقط بالتقادم.

فلسطين ليست قصة انتهت

إن ذكرى النكبة لا تعني مجرد إحياء لحزن قديم، بل تذكير للعالم بأن ما بُني على الظلم لا يمكن أن يستقر، وأن الحقوق لا تموت ما دام أصحابها يطالبون بها.

الشعب الفلسطيني اليوم، رغم الاحتلال والحصار والشتات، يكتب سطورًا جديدة في صموده ونضاله، ويؤكد أن هذه الأرض لا يمكن أن تكون إلا لأصحابها، مهما طال الزمان أو تكالبت قوى الاستعمار والاستيطان.

النكبة ليست ذكرى، بل قضية حية… و”النكبة” لن تنتهي إلا بالعودة والحرية والعدالة

 

 

اقرأ أيضًا: فتح بيت المقدس في عهد عمر بن الخطاب

الوسوم :

التعليقات

لا توجد تعليقات حتى الآن. كن أول من يعلق!

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات مشابهة

عرض جميع المقالات