في عام 847م، ومع احتضار الخليفة العباسي الواثق بالله، طُلب منه أن يُوصي بالخلافة لابنه محمد، لكنه رفض قائلاً: “لا أتقلد أمركم حيّا ولا ميتا”.
وبعد وفاته، اجتمع وجهاء الدولة وتداولوا فيمن يليه، وبويع جعفر بن المعتصم، الذي لقب المتوكل على الله، ليصبح الخليفة العباسي العاشر.
بدأ المتوكل عهده بإحياء السنة النبوية ومحاربة المعتزلة، وأفرج عن الإمام أحمد بن حنبل وردّ له اعتباره، فارتفعت مكانته في قلوب المسلمين.
بل وُضع في مصاف كبار الخلفاء كأبي بكر الصديق وعمر بن عبد العزيز، وقيل: “الخلفاء ثلاثة: أبو بكر يوم الردة، وعمر بن عبد العزيز في ردة المظالم، والمتوكل في إحياء السنة.”
كما أدرك المتوكل خطر تغوّل الأتراك في أجهزة الدولة، حيث استبدوا بالسلطة وتحكموا بالمناصب، فقرر تقليص نفوذهم، فسجن بعض قادتهم وقتل البعض الآخر، مما أيقظ نوازع الانتقام لدى قادة الجند الأتراك، الذين ترقّبوا الفرصة للانتقام.
لكن الخطأ الفادح الذي ارتكبه المتوكل، هو توزيع الخلافة بين أبنائه الثلاثة: المنتصر بالله أولًا، المعتز بالله ثانيًا، والمؤيد ثالثًا.
وقد تسبب هذا القرار في إثارة غيرة المنتصر من أخيه المعتز، خاصة بعد أن أمر المتوكل المعتز بإلقاء خطبة الجمعة بدلا عنه، خشي المنتصر أن يُغيّر والده رأيه ويقدّم المعتز عليه، فانضم لقادة الأتراك في مؤامرة قتل والده.
وفي ليلة 10 ديسمبر/كانون الأول 861م، اقتحم الجنود قصر المتوكل وقتلوه بسيوفهم، وقتلوا صديقه ومستشاره المقرب الفتح بن خاقان، ثم أشاعوا كذبا أن الفتح هو من قتل المتوكل، وأنهم عاقبوه بالقصاص، بعد ذلك، بويع المنتصر خليفة، لكن لم تدم خلافته سوى ستة أشهر، حتى قُتل هو الآخر.
توالت بعده سلسلة من الانقلابات والاغتيالات، إذ لقي خلفاؤه: المستعين، المعتز، والمهتدي، المصير نفسه، وأصبحت هذه الحادثة علامة فارقة في تاريخ الدولة العباسية، إذ بدأت معها مرحلة مظلمة ضاعت فيها هيبة الخلافة العباسية، وتحولت إلى لعبة بيد القادة الأتراك، ثم البويهيين والسلاجقة، الذين أصبحوا يعزلون الخلفاء ويقتلونهم وفقا لمصالحهم.
المصادر:
كتاب تاريخ ابن الوردي، لـ زين الدين أبو حفص عمر ابن الوردي
كتاب المختصر في أخبار البشر، لـ أبو الفداء.
كتاب نزهة الأنام فى تاريخ الإسلام، لـ صارم الدين ابن دقماق، صارم الدين.
كتاب تاريخ الإسلام، لـ شمس الدين الذهبي.
البداية والنهاية، لـ إبن كثير.
كتاب النجوم الزاهرة فى ملوك مصر والقاهرة، ابن تغري بردي.
التعليقات
لا توجد تعليقات حتى الآن. كن أول من يعلق!
اترك تعليق
لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *