الحلقة 17 | دولة أسقطت بالزهد والفساد | عبد الله الثاني الأغلبي وزيادة الله الثالث الأغلبي
دامت دولة الأغالبة نحو قرنٍ من الزمان، كانت فيها من أبرز القوى في المغرب الإسلامي، امتد نفوذها من تونس الحالية إلى صقلية ومالطا وسردينيا، وتميزت بالاستقرار السياسي والاقتصادي، وازدهرت فيها العلوم والعمران، فصارت مدنها مراكز تجارية وعلمية مؤثرة.
لكن هذا المجد بدأ يتهاوى سريعاً بعد وفاة الأمير إبراهيم الثاني، آخر عظماء الأسرة الأغلبيّة، والذي بلغت الدولة في عهده أوج قوتها.
تولى الحكم بعده ابنه أبو العباس عبد الله سنة 902م، وكان رجلا زاهدا متقشفا، اعتزل القصور وعاش في بيت من الطين، منشغلا بمجالسة العلماء وممارسة العدل، غير مهتم بالتحولات الخطيرة من حوله، وعلى رأسها ثورة أبي عبد الله الشيعي التي بدأت تتصاعد.
حين علم أبو العباس أن ابنه زيادة الله يخطط للانقلاب عليه، عزله ووضعه قيد الإقامة الجبرية، لكن سرعان ما قُتل أبو العباس في ظروف غامضة عام 903م، ويُعتقد أن مقتله كان بتدبير من ولده، تولّى زيادة الله الثالث العرش بعده، وكانت تلك بداية النهاية.
فقد افتتح زيادة الله عهده بإراقة الدماء، وقتل أقرباءه من الأسرة الحاكمة وقادة جيشه، وانغمس في حياة اللهو والشراب. بهذه السياسات الطائشة، انهار ما تبقى من هيبة الدولة، وضعفت أركانها.
في هذه الأثناء، كان نجم أبي عبد الله الشيعي يسطع، إذ توسعت سيطرته في مدن الأغالبة: سطيف، قسنطينة، القصرين وقفصة، وعندما اقترب جيشه من القيروان، عاصمة الدولة، سعى زيادة الله لطلب العون من العباسيين والادارسة، لكن دون جدوى، فما كان منه إلا أن فرّ إلى مصر، تاركا القيروان تسقط بلا مقاومة تُذكر.
دخل أبو عبد الله الشيعي المدينة عام 908م، وأعلن منها قيام الدولة الفاطمية، التي ستبسط نفوذها لقرون في المغرب والمشرق. وهكذا انتهت دولة الأغالبة على يد حاكمين متناقضين: أحدهما زاهدٌ أهمل، والآخر مستهترٌ أهلك، فضاع المُلك بين الزهد غير الواعي والبطش غير الرشيد.
المصادر:
الاستقصار لأخبار دول المغرب الأقصى، لـ أحمد بن خالد الناصري.
كتاب نزهة الحادي بأخبار ملوك القرن الحادي، لـ محمد الصغير الإفراني.
كتاب الأعلام للزركلي، لـ خير الدين الزركلي.
التعليقات
لا توجد تعليقات حتى الآن. كن أول من يعلق!
اترك تعليق
لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *