مع انتصار صلاح الدين الأيوبي في معركة حطين عام 1187م، بدا أن المشروع الصليبي قد تلقى ضربة قاضية، فقد استعاد المسلمون القدس، وسقطت أمامهم معظم المدن الساحلية واحدة تلو الأخرى، لكن هذا الانتصار العظيم أخفى خلفه خطأ استراتيجيا كبيرا سيكون له ثمن باهظ.
حيث أطلق صلاح الدين سراح ملك بيت المقدس الأسير “جاي لوزجنان” ومعه عدد من كبار قادة الصليبيين، وفاء بوعده للملكة سيبل، زوجة لوزجنان.
رغم تعهّد الملك الأسير بعدم مقاتلة المسلمين مجددا، إلا أنه سرعان ما نكث العهد، فتوجه إلى مدينة صور ثم طرابلس الشام، حيث أعاد تنظيم القوات الصليبية بمساعدة الفرسان المشردين.
وبعيدا عن أنظار المسلمين، تحركوا بحرا نحو مدينة عكا الساحلية، مستغلين انشغال صلاح الدين في معارك شمالية بمنطقة الشقيف أرنون قرب الجولان.
في عام 1189، بدأت “جاي لوزجنان” بحصار عكا، فشلت قوات صلاح الدين في رفع الحصار عنها، وسرعان ما وصلت الجيوش الصليبية قادمة من أوروبا، فأحكم الحصار على عكا البر والبحر، ومع مرور الوقت، ومع نفاد الطعام والذخيرة، انهار الدفاع، وسقطت عكا في يوليو 1191م.
ما إن دخل الصليبيون المدينة حتى ارتكبوا مجازر بشعة، خاصة بأمر من ريتشارد قلب الأسد، الذي أمر بإعدام نحو 3 آلاف من أهل المدينة، بمن فيهم النساء والأطفال والأسرى المسلمين، كانت المذبحة صادمة للمسلمين، وأذلت صلاح الدين نفسيا، إذ لم يكن يتوقع هذا القدر من الغدر والوحشية.
هذه الحادثة تؤكد أن النصر لا يُستكمل دون إدارة استراتيجية واعية لما بعد المعركة، وأن الرحمة في غير موضعها السياسي قد تكون مدمّرة. فصلاح الدين، رغم شجاعته، دفع ثمن تسامحه مع بقايا العدو وعدم اجتثاثهم مبكرًا، فكانت عكا الثغرة التي عاد منها الصليب للمنطقة.
المصادر:
سيرة صلاح الدين الأيوبي، للباحث: أبو المحاسن بهاء الدين بن شداد
صلاح الدين الأيوبي، للباحث: علي محمد الصلابي
التعليقات
لا توجد تعليقات حتى الآن. كن أول من يعلق!
اترك تعليق
لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *