بعد نهاية الحرب العالمية الأولى عام 1918، ومع انهيار الدولة العثمانية، دخلت قوات “الجيش العربي” إلى دمشق بقيادة الأمير فيصل بن الشريف حسين، ورفعت راية الثورة العربية الكبرى على دار البلدية في ساحة المرجة بدلا من العلم العثماني، في لحظة احتفى بها أهل الشام باعتبارها إعلانا لتحرر بلادهم، ومع هذا المشهد، بدأت مرحلة جديدة حملت في طياتها آمالا كبيرة لكنها سرعان ما تبخرت.
في 7 آذار 1920، أعلن فيصل بن الحسين نفسه ملكا على “سوريا الكبرى” التي كانت تشمل سوريا ولبنان وفلسطين وشرقي الأردن، لكن هذه المملكة الوليدة لم تعمّر أكثر من أربعة أشهر، إذ اصطدمت بأطماع القوى الاستعمارية الكبرى، خاصة فرنسا وبريطانيا، اللتين سبق أن تقاسمتا النفوذ في المنطقة بموجب اتفاقية سايكس-بيكو عام 1916، والتي نصّت على منح سوريا ولبنان للفرنسيين، بينما تكون فلسطين والعراق من نصيب البريطانيين.
وبينما كانت آلاف الجنود الفرنسيين يتمركزون في بيروت استعدادا للهجوم، أرسل الجنرال الفرنسي “هنري غورو” في 14 تموز 1920 إنذارا إلى فيصل، عُرف باسم “إنذار غورو”، تضمن خمسة شروط مهينة، أبرزها: القبول بالانتداب الفرنسي، تسريح الجيش السوري، والسماح بدخول القوات الفرنسية إلى المنشآت الحيوية. أُعطي فيصل مهلة أربعة أيام للموافقة، وإلا فإن قوات غورو ستتقدم نحو دمشق.
في المجلس المصغر الذي دعا إليه الملك لمناقشة الإنذار، بدا واضحا ميل معظم الوزراء للقبول به، تجنبا للمواجهة، لكن وزير الحربية يوسف العظمة اتخذ موقفا مختلفا تماما، ورفض الخضوع.
قبل الملك فيصل بشروط الإنذار، وبدأ بتسريح الجيش السوري، ظنا منه أن التنازل سيحفظ له مُلكه، لكن برقية القبول وصلت إلى غورو بعد انتهاء المهلة (أو هذا ما ادعى الفرنسيون)، فتحرك جيشهم نحو دمشق.
ورغم أن المنطق العسكري يقول إن لا فرصة لمقاومة جيش فرنسي حديث، فإن يوسف العظمة رفض أن تُحتل دمشق دون قتال، فجمع ما تبقى من الجنود والمتطوعين، وخرج لملاقاة الفرنسيين في معركة ميسلون يوم 24 تموز 1920.
وقعت المعركة غرب دمشق، وسُجل فيها أعظم مشهد للفداء؛ إذ استُشهد يوسف العظمة، ودخل الفرنسيون دمشق في اليوم التالي، بينما حرص الجنرال غورو على زيارة قبر صلاح الدين الأيوبي، ووقف أمامه قائلًا: “ها نحن عدنا يا صلاح الدين”.
لكن الاحتلال لم يكن هادئًا. فعلى مدى 26 عامًا، انطلقت الثورات والمقاومة الشعبية ضد الاحتلال الفرنسي، حتى تحقق الاستقلال في عام 1946، وعادت دمشق عاصمةً لدولة عربية مستقلة، حرة، وذات سيادة.
المراجع:
محمد عزة دروزة، الوحدة العربية
هاشم عثمان، تاريخ سوريا الحديث
أمين سعيد، الثورة العربية الكبرى
التعليقات
لا توجد تعليقات حتى الآن. كن أول من يعلق!
اترك تعليق
لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *