في قصة بطولية من أعماق التاريخ الإسلامي، انطلقت سفينة من جزيرة سيلان (سريلانكا حاليًا) تقل تجارًا ونسوة مسلمات قصدن الحج، فتعرضت لهجوم من قراصنة قرب مدينة “الديبل” غرب الهند، فاستنجدت النسوة بالحجاج بن يوسف الثقفي، فلبّى نداءهنّ. كتب الحجاج إلى ملك السند “داهر” يطالبه بإعادة النساء والبضائع، فرد بأن المهاجمين قُطّاع طرق خارجون عن سلطته، فعزم الحجاج على فتح بلاد السند.
أرسل الحجاج جيشين فاستشهدا، فحزن وأقسم على الأخذ بالثأر، وطلب من الخليفة الوليد بن عبد الملك الإذن بإرسال جيش بقيادة الفتى محمد بن القاسم الثقفي، وكان عمره 17 عامًا. جهز جيشًا من نخبة الشام، وسلّحه بالمنجنيقات، أبرزها “العروس” التي يُشغّلها 500 رجل. نزل محمد بن القاسم بسواد الديبل، وضرب معبد الأصنام بالمنجنيق حتى دمّره، فانهارت المدينة واستسلم أهلها، وحرر الأسرى المسلمين.
تابع ابن القاسم فتوحاته، ففتح نيرون (حيدر آباد)، ثم سيوستان، فمدينة مهران حيث قتل الملك داهر. واصل زحفه إلى برهمناباد، فالراور، ثم ملتان، وفتح الكيرج وسرست والبيلمان. وبعد أن خضع له وادي السند، شرع في تنظيم البلاد تمهيدًا للتوسع نحو قنّوج، لكن وافته الأخبار بوفاة الحجاج والوليد، فتوقفت العمليات بأمر الخليفة الجديد سليمان.
كل هذا المجد تحقق على يد شاب لم يتجاوز السابعة عشرة، فأصبح فتح السند من أبرز ملاحم الفتوحات الإسلامية، وواحدًا من أعظم إنجازات الإسلام في شبه القارة الهندية.
المصادر:
البداية والنهاية لابن كثير.
تاريخ الأمم والملوك للطبري.
تاريخ بغداد للخطيب البغدادي.
الهند قبل الفتح الإسلامي وفي أيامه لمحمود شيت خطاب.
التعليقات
لا توجد تعليقات حتى الآن. كن أول من يعلق!
اترك تعليق
لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *