حادثة الإفك هي القصة التي اتهم فيها المنافقون السيدة عائشة في عرضها، حتى يؤذوا النبي. ومعنى الإفك هو الكذب، الذي كان سبيل المنافقين للنيل من الإسلام والمسلمين. كان هدف عبد الله بن أبي سلول وأتباعه إحداث الفوضى والاضطراب داخل المدينة والوقيعة بين المهاجرين والأنصار، من خلال إحياء النعرات الجاهلية. عندما فشل مخططهم لجأوا إلى الخوض في عرض رسول الله.

 

متى وقعت حادثة الإفك؟

وقعت حادثة الإفك سنة 6 من الهجرة، خلال عودة المسلمين من غزوة بني المصطلق. حيث كان النبي صلى الله عليه وسلم، يقترع بين زوجاته في الغزوات، وأيهما خرج سهمها أخذها معه. وفي غزوة بني المصطلق وقعت القرعة على أم المؤمنين السيدة عائشة رضي الله عنها.

 

ملخص حادثة الإفك

ذُكِر حديث الإفك في صحيح البخاري ومسلم، وملخص الحادثة ترويها عائشة رضي الله عنها. لقد استغل المنافقون الموقف الذي تعرضت له، للتشهير بها والخوض في عرضها. فبعد انتهاء  النبي من غزوة بني المصطلق وانتصر المسلمون عاودوا الرجوع إلى المدينة.

خلال عودة الجيش كانت السيدة عائشة تركب في هودج خاص بها، لنزول آيات الحجاب. وعندما توقف الجيش في مكان لأخذ قسط من الراحة، ذهبت لقضاء حاجتها. وبعد عودتها للهودج، لم تجد عقدها فعادت مرة ثانية تبحث عنه. في هذه اللحظات تحرك الجيش وحمل الجنود هودجها، ولم يشعروا بعدم وجودها لخفة وزنها، واعتقدوا أنها بداخله.

عندما عادت السيدة عائشة لمكان الجيش وجدتهم قد رحلوا، فجلست مكانها تنتظر أن يعود إليها أحد ويأخذها، وخلال انتظارها غلبها النوم فنامت مكانها. كان الصحابي الجليل صفوان بن المعطل متأخرًا أيضًا عن الجيش، وكانت مهمته تفقد الطريق بعد رحيلهم، والبقاء مكانه حتى الصباح. وخلال سيره وجد السيدة عائشة رضي الله عنها، فحملها على بعيره حتى وصل بها إلى النبي.

استغل المنافقون ركوب عائشة بنت أبي بكر على بعير الصحابي الجليل صفوان بن المعطل، وأطلقوا الإشاعات في المدينة. وتولى كبير المنافقين عبد الله بن أبي سلول نشر الشائعة، فخاض في الأمر حسان بن ثابت، ومسطح بن أثاثة، وحمنة بنت جحش. وبدأ الناس يتحدثون في أرجاء المدينة، حتى سمع رسول الله بالأمر، وآذوه إيذاءً شديدًا.

كانت السيدة عائشة رضي الله عنها، في بيتها مريضة، لا تعلم بأي شيء. ولما أخبرتها أم مسطح بما يدور من شائعات في المدينة، بكت بكاءً شديدًا وحزت وزاد مرضها.

 

موقف الرسول في حادثة الإفك

في الوقت الذي ظل المنافقون يتحدثون في الأمر، انقطع الوحي عن النبي، وكان صلى الله عليه وسلم يقول “إني لا أعلم عنها إلا خيرًا”. ظل النبي صامتًا شهرًا كاملًا، لكنه استشار أصحابه والمقربين منه في أمر عائشة، فقال الجميع لا نعلم عليها من سوء.

وكانت السيدة زينب بنت جحش ممن سألهم النبي في أمر عائشة فقالت له  “يا رسول الله أحمي سمعي وبصري ما علمت إلا خيرًا”. تقول عائشة عن زينب “وهي التي كانت تساميني من أزواج رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فعصمها الله بالورع، وطفقت أختها حمنة تحارب لها فهلكت فيمن هلك من أصحاب الإفك”.

ورغم حزن النبي قال لزوجته “يا عائشة؛ أما إنه بلغني كذا و كذا، فإن كنت بريئة فسيبرئك الله، وإن كنت ألممت بذنب فاستغفري الله”. فقالت السيدة عائشة رضي الله عنها، لا أقول إلا كما قال يوسف  (فَصَبرٌ جَميلٌ وَاللَّـهُ المُستَعانُ عَلى ما تَصِفونَ). ثم استأذنت النبي في الذهاب إلى بيت أبيها أبي بكر الصديق فأذن لها.

 

آيات حادثة الإفك

بعد شهر من الألم الذي اعتصر قلب النبي وزوجته عائشة، أنزل الله سبحانه وتعالى براءتها من فوق سبع سموات. وكانت آيات سورة النور شافية كافية لبراءة أم المؤمنين، وجبرًا لخاطرها وتعويضًا على المحنة العظيمة التي تعرضت لها.

قال تعالى ﴿إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لاَ تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُم مَا اكْتَسَبَ مِنَ الإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ * لَوْلاَ إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُّبِينٌ * لَوْلاَ جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُولَئِكَ عِنْدَ اللهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ﴾.

إلى قوله تعالى ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالآَخِرَةِ وَاللهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ * وَلَوْلاَ فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللهَ رَءُوفٌ رَّحِيم ﴾.

عندما نزلت هذه الآيات، فرح النبي وذهب لعائشة وهو يضحك، وقال: “يا عائشة، أما الله – عز وجل – فقد برأك”. فقالت لها والدتها: قومي إليه، فقالت عائشة: لا والله لا أقوم إليه ولا أحمد إلا الله عز وجل.

 

موقف أبو بكر الصديق في حادثة الإفك

ظل أبو بكر الصديق رضي الله عنه صامتًا مثل النبي صلى الله عليه وسلم. ولما نزلت آيات براءة ابنته فَرِح وكان ينفق على مسطح بن أثاثة، لفقره وقرابته منه. وبعدما خاض مسطح في أمر عائشة، قال: “والله لا أنفق عليه بعد الذي قال لعائشة”. فأنزل الله سبحانه وتعالى قوله تعالى ﴿وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾.

بعد نزول الآية رجع أبو بكر عن موقفه، وأرسل لمسطح النفقة التي كان ينفقها عليها، وقال “بلى، والله إني أحب أن يغفر الله لي، والله لا أنزعها منه أبدًا”.

 

نقاط مهمة في حادثة الإفك

ارتفاع مكانة السيدة عائشة رضي الله عنها، وبرأها الله من فوق سبع سموات في قرآن محفوظ إلى يوم الدين. تقول رضي الله عنها “ما كنت أظن أن الله منزل في شأني وحيًا يُتلى”. لذلك من يتحدث عنها بسوء فهو غير مصدق لكلام الله، والمكذب لله كافر.

أكدت لنا هذه المحنة وجوب التثبت والتيقن قبل نشر الشائعات، وعدم الخوض في أعراض المحصنات المؤمنات. وكانت هذه الحادثة سببًا في نزول آيات حد القذف، قال تعالى (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَـئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ).

طاعة الله سبحانه وتعالى، وعدم الانقطاع عن فعل الخيرات بسبب السوء، مثلما حدث مع أبي بكر الصديق ومسطح بن أثاثة.

تعد هذه الحادثة عبرة وعظة للمسلمين إلى يوم الدين، وكان فيها الكثير من الخير رغم ظاهر السوء، قال تعالى (لا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ).

ومن فوائد حادثة الإفك أنها مواساة لكل مؤمنة ومحصنة تعرضت للافتراء والقذف في كل زمان ومكان. فزوجة رسول الله وخاتم النبيين أم المؤمنين عائشة خاض المنافقون في عرضها.

وأهم فائدة من هذه الحادثة هي ضبط النفس والتزام الصمت حتى تضح الأمور، كما التزم النبي الصمت ولم يصدق على زوجته وانتظر نزول الوحي. وهذا درس لكل رجل في هذا العصر سواء كان زوج أو أب أو أخ أو ابن.

 

المصادر:

ابن الأثير: أسد الغابة في معرفة الصحابة.

ابن سعد: الطبقات الكبرى.

البلاذري: أنساب الأشراف.

ابن كثير: البداية والنهاية.

الذهبي: سير أعلام النبلاء.

الطبري: تاريخ الأمم والملوك.

سيرة ابن هشام.

إسلام ويب: تفاصيل قصة الإفك.

موقع موضوع: حادثة الإفك كاملة.

الوسوم :

التعليقات

لا توجد تعليقات حتى الآن. كن أول من يعلق!

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات مشابهة

عرض جميع المقالات