كانت موقعة أو معركة الجمل سنة 36 من الهجرة، في خلافة علي بن أبي طالب رضي الله عنه. حيث كانت فترة ولايته مليئة بالفتن والدسائس، ولعب أصحاب الفتنة دورًا في إشعال الحرب بين المسلمين فتوقفت حركة الفتوحات وانشغل الخليفة بإعادة الأمن والاستقرار إلى الدولة.

 

سبب معركة الجمل

بعد مقتل عثمان بن عفان على يد الثوار والمتمردين، أخذ علي بن أبي طالب البيعة من أهل الحل والعقد في المدينة المنورة وأيده أيضًا أصحاب الفتنة. ومن هنا بدأ انقسام المسلمين، فعلي وأتباعه يرون تأخير القصاص حتى يستتب الأمن بعد فتنة مقتل عثمان، وعندما يأتي الوقت المناسب سينفذ القصاص على كل من اشترك في مقتله. وذلك لأن هؤلاء القتلة والمتمردون كانوا قد سيطروا على الأمور في المدينة المنورة، وشكلوا جبهة مسلحة ليس من السهل القضاء عليها.

أما بني أمية وعلى رأسهم معاوية بن أبي سفيان والي الشام فتمسكوا بالقصاص لعثمان أولًا قبل مبايعة علي بالخلافة. وكان هناك عدد من الصحابة بايعوا علي، لكنهم يرون ضرورة الاستعجال في القصاص مثل الزبير بن العوام وطلحة بن عبيد الله رضي الله عنهما. وبعد مرور حوالي 4 شهور على خلافة علي، خرج الزبير وطلحة إلى مكة. وفي الطريق التقوا بالسيدة عائشة رضي الله عنها، وهي عائدة من الحج. لذلك اتفق الثلاثة على الذهاب إلى البصرة لجمع الرجال من أجل تنفيذ القصاص على القتلة وليس للقتال مع علي بن أبي طالب.

ومن هنا يتضح أنه لم يكن هناك أي اعتراض من أي طرف على خلافة علي رضي الله عنه. فقد كان هو الخليفة الشرعي باختيار الجميع، لكن معاوية وبني أمية أرادوا القصاص ثم إعطاء البيعة. ومن هنا بدأت الفتنة الكبرى بين المسلمين ولعب أصحاب الفتن والمتمردين دورًا في إشعالها.

 

الخروج إلى البصرة

اختار الزبير وطلحة وعائشة البصرة للاجتماع وجمع الرجال، حتى يكونوا بعيدًا عن المدينة المنورة التي كانت مليئة بالمتمردين والقتلة. وكان كل هدفهم الاتفاق مع علي على طريقة تنفيذ القصاص، لكن كان في البصرة أيضًا أصحاب فتن ولما سمعوا بالأمر حرضوا الناس على أصحاب الجمل. لذلك قرر والي البصرة عثمان بن حنيف الذي عينه علي، منع دخولهم إلى المدينة وأرسل إليهم حكيم بن جبلة العبدي.

قام طلحة والزبير يخطبان في الناس، فثبت معهم أصحاب الجمل، ورفضهما حكيم ومن معه. ثم قامت السيدة عائشة تخطب فيهم، فانقسم أصحاب عثمان بن حنيف إلى فرقتين، فرقة انحازت إلى عائشة وفرقة ظلت معادية برفقة حكيم بن جبلة.

بدأ التراشق بالكلام بين الطرفين، ثم ألقوا بعض بالحجارة، فأجج بن جبلة نار الغضب وسب السيدة عائشة ودعا إلى القتال، وقتل كل من وقف ضده. لكن أصحاب الجمل دعوا إلى وقف القتال، فلما لم يستجب لهم بن جبلة اضطروا إلى الاشتباك معه وقتلوه. بعد ذلك اصطلح أصحاب الجمل مع عثمان بن حنيف، على أن تكون له دار الإمارة وبيت مال المسلمين والمسجد الجامع، وهم لهم حق النزول في أي مكان في البصرة.

 

وصول علي إلى البصرة

كان علي رضي الله عنه قد طلب البيعة من معاوية فلم يبايعه. ثم قام علي بعزله من ولاية الشام لكن لم يتركها أيضًا لأنه لم يبايعه وقراره غير شرعي بالنسبة له. لذلك جهز علي جيشَا وكان ينوي الذهاب إلى الشام لقتال معاوية، لكنه غير وجهته إلى البصرة ليحل مشكلة عائشة والزبير وطلحة أولًا.

ترك علي قثم بن العباس على المدينة المنورة، وقيل على مكة، وجعل أخاه تمام بن العباس على المدينة. ثم خرج إلى البصرة وأخذ معه المتمردون ضمن جيشه ولم يتركهم في المدينة. وبعد وصوله مكث 3 أيام يرسل خلالهم الرسل إلى عائشة وطلحة والزبير. وكان القعقاع بن عمرو أحد الرسل الذين سعوا لتحقيق الصلح بين الطرفين. ذهب القعقاع فقال لعائشة ” أي أماه، ما أقدمك هذا البلد؟”، فقالت: “أي بني الإصلاح بين الناس”.

وصل الفريقان إلى الصلح وترك القتال، واتفقا على بدء التشاور في كيفية القصاص من قتلة عثمان. وكان علي رضي الله عنه ينوي الرحيل عن البصرة في اليوم التالي، وقرر ترك أصحاب الفتنة وعدم أخذهم معه.  وقد خطب علي خطبة جليلة ذكر فيها الجميع الجاهلية وشقائها والإسلام وسعادته. ثم قال: “ألا إني مرتحل غدا فارتحلوا، ولا يرتحل معي أحد أعان على قتل عثمان بشيء من أمور الناس”.

 

اجتماع رؤوس الفتنة

لما علم القتلة ورؤوس الشر بالاتفاق،  وكان على رأسهم الأشتر النخعي وعبد الله بن سبأ وشريح بن أوفى، شعروا بالخوف من تنفيذ القصاص عليهم. لذلك قرروا بث الفتنة من جديد وتجديد الاشتباك بين الطرفين، حتى ينشغلوا عنهم وينجوا بفعلتهم. فقال الأشتر: “قد عرفنا رأي طلحة والزبير فينا، وأما رأي علي فلم نعرفه إلا اليوم، فإن كان قد اصطلح معهم، فإنما اصطلح على دمائنا”. ثم قال ابن السوداء وهو عبد الله بن سبأ “يا قوم إن عيركم في خلطة الناس، فإذا التقى الناس فانشبوا الحرب والقتال بين الناس، ولا تدعوهم يجتمعون”.

 

بدء القتال

بعد الاتفاق على الصلح ومغادرة المدينة بات الطرفين فرحين بذلك. لكنها كانت ليلة مختلفة على أصحاب الفتنة، ومع طلوع فجر اليوم التالي نفذوا خطتهم. فجمعوا ألفي رجل ومسكوا السيوف وهجموا على الناس، فتقاتل الجميع ونشبت الحرب. ثم اجتمع حول علي 20 ألف، وحول عائشة والزبير وطلحة 30 ألف.

كان منادي علي بن أبي طالب ينادي في الناس ويقول لهم “ألا كفوا عن القتال”، لكن لم يسمع أحد.  وكان طلحة بن عبيد الله  يحاول إيقاف القتال أيضًا، وظل ينادي “أيها الناس أنصتوا” لكن لم ينصت إليه أحد.

وعندما رأى علي ما سُفِك من دماء المسلمين قال “اللهم ليس هذا ما أردت”. وعن ابنه الحسن قال “لقد رأيته حين اشتد القتال يلوذ بي ويقول: يا حسن، لوددت أني مت قبل هذا بعشرين حجة أو سنة”.

 

نتائج معركة الجمل

أصيب طلحة بسهم في رجله وظل ينزف حتى مات، وقيل أصابه السهم في حلقه، ودفن بالبصرة. وعندما رآه علي قال “عزيز عليّ أبا محمد أن أراك مجندلًا تحت نجوم السماء”. ثم قال “إلى الله أشكو عُجري وبُجري وبكى عليه هو وأصحابه”. كما قُتِل في معركة الجمل 5 آلاف من جيش علي، و5 آلاف من جيش عائشة وطلحة والزبير.

وعندما رأى علي السيدة عائشة قال لها “غفر الله لك”، فقالت له “ولك، ما أردت إلا الإصلاح”. ثم أنزلها أعظم دار بالبصرة وهي دار عبد الله بن خلف، ورحب بها فبايعته رضي الله عنها. بعد ذلك ردها إلى المدينة المنورة تنفيذًا لوصية رسول الله. فقد قال لعلي “سيكون بينك وبين عائشة أمر، قال عليّ فأنا أشقاهم يا رسول الله، قال: لا ولكن إذا كان ذلك فاردها إلى مأمنها”.

 

 

 

 

المصادر:

البلاذري: أنساب الأشراف.

ابن عساكر: تاريخ دمشق.

ابن كثير: البداية والنهاية.

الطبري: تاريخ الرسل والملوك.

موقع قصة الإسلام: موقعة الجمل.

الوسوم :

التعليقات

لا توجد تعليقات حتى الآن. كن أول من يعلق!

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات مشابهة

عرض جميع المقالات