يوجد الكثير من الروايات حول مقتل علي بن أبي طالب رضي الله عنه، والتي معظمها يعود إلى المذهب الشيعي الذي روجَّ لأخبار اتفق العلماء على عدم صحتها. ومهما كانت الروايات فاستشهاد علي كان إعلانًا لنهاية حقبة الخلافة الراشدة التي امتدت لثلاثين عامًا، إذا ما حسبنا الستة أشهر التي حكم خلالها الحسن بن علي. وكان اغتيال علي رضي الله عنه، نتيجة طبيعة لظهور الخوارج الذين تمردوا على حكمه، فقاتلهم في النهروان ثم قتلوه في النهاية.

 

بداية الفتنة والتمرد

بدأت الفتنة في عهد عثمان بن عفان رضي الله عنه، عندما اعترضت مجموعة من مصر والكوفة والبصرة على طريقة حكمه. وفي نهاية الأمر شكلوا مجموعة كبيرة وتجمعوا في المدينة المنورة وطالبوا بعزله من الخلافة. بعد ذلك حاوطوا منزله واقتحموه وقتلوه وهو صائم ويقرأ في المصحف يوم 18 من ذي الحجة سنة 35 من الهجرة.

بعد استشهاد عثمان تولى علي بن أبي طالب الخلافة، ورأى أن يؤخر القصاص من القتلة حتى تعود الأمور إلى نصابها ويهدأ الوضع في المدينة. لكن معاوية بن أبي سفيان والي الشام كان متمسكًا بثأر عثمان بن عفان، ولم يبايع علي حتى يقتص من القتلة.

وعلى الرغم من مبايعة الزبير بن العوام وطلحة بن عبيد الله لعلي، لكن بعد 4 أشهر من خلافته بدأوا يطالبون أيضًا بالقصاص. والتقوا بالسيدة عائشة في مكة ثم توجهوا إلى البصرة، لجمع الناس والتغلب على قتلة عثمان. لكن أصحاب الفتنة لعبوا دورًا في نشوب القتال، فيما عرف بموقعة الجمل سنة 36 من الهجرة. ولم يكن علي أو السيدة عائشة وطلحة والزبير هدفهم القتال من الأساس.

بعد ذلك توجه علي إلى معاوية في الشام، ولم يكن هدفه القتال، بل التلويح والتهديد بقتالهم حتى يضم أهل الشام إلى الدولة الإسلامية ويعيد الأمور إلى نصابها الصحيح. لذلك طلب منهم البيعة أولًا، ثم هدد بقتالهم دون العزم على ذلك. وكان القتال أخر خطوة اتخذها ومع ذلك أمر جيشه ألا يبدأ القتال. واستمرت معركة صفين أيامًا استشهد خلالها 70 ألف شهيد من الجانبين، في صفر سنة 37 من الهجرة.

وعندما وصل الأمر إلى حالة صعبة، توصل عمرو بن العاص إلى فكرة رفع المصاحف على أسنة الرماح حتى يتوقف القتال حقنًا لدماء المسلمين. وكانت هذه الحركة تعني اللجوء إلى كتاب الله للتحكيم بين علي ومعاوية. وتم الاتفاق على التحكيم وتأجليه إلى شهر رمضان من نفس العام. على أن يكون الحكمان أبا موسى الأشعري في طرف علي، وعمرو بن العاص في طرف معاوية.

 

ظهور الخوارج

كان الأشعث بن قيس من قرأ الكتاب على جيش علي. فخرج له رجل يدعى عروة بن جرير من بني تميم، وقال له “أتحكمون الرجال في دين الله؟”. ثم ظهرت طائفة تتبع ما قاله ورأت أنه ليس من الصواب أن يتم التحكيم بين أمير المؤمنين ومعاوية الذي يجب قتاله لخروجه على الخليفة. وكانت هذه الطائفة من القراء والحفاظ ، الذين يقيمون الليل ويكثرون من النوافل، ووصل عددهم إلى 12 ألف رجل. وكان أكثر رجال الطائفة من قرية يقال لها “حروراء”. ثم عُرِفوا بعد ذلك بالخوارج لخروجهم عن طاعة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب. وقد تنبأ النبي صلى الله عليه وسلم، بظهور هذه الطائفة. حيث قال “تَمْرُقُ مَارِقَةٌ عِنْدَ فُرْقَةٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ يَقْتُلُهَا أَوْلَى الطَّائِفَتَيْنِ بِالْحَقِّ”.

ذهب على بن أبي طالب إليهم، ليحاورهم ويعيدهم إلى الصواب. لكنهم رأوا أنه أخطأ عندما أوقف قتال معاوية، وعندما رضى بتحكيم الرجال في أمر الله، وعندما تنازل عن لقب أمير المؤمنين خلال كتابة الوثيقة. ودارت بينه وبينهم محاورة، استشهد خلالها علي بكتاب الله ومواقف رسول الله يوم صلح الحديبية، لكنهم لم يتراجعوا عن موقفهم.

حاول علي معهم مرة ثانية، فأرسل إليهم عبد الله بن عباس وظل يحاورهم ثلاثة أيام، حتى اقتنع منهم 4 آلاف رجل وتابوا. أما البقية فظلوا على موقفهم، ووصل بهم الأمر إلى سب علي وتكفيره.

 

قتال علي للخوارج في النهروان

ترك الخوارج الكوفة وتجمعوا في النهروان، وبدأوا في سفك دماء المسلمين، فقتلوا الخباب بن الأرت وزوجته الحامل و3 نساء من قبيلة طيء بطريقة وحشية. حتى أن بعضهم اعترضوا على ذلك وقالوا “ويلكم ما على هذا فارقنا عليًّا”.

أرسل إليهم علي بن أبي طالب كي يسلموا القتلة لتنفيذ القصاص عليهم، لكنهم رفضوا وازدادوا عنادًا واستكبارًا. وهنا خرج إليهم بجيشه في شهر محرم سنة 38 من الهجر. وقبل قتالهم أعطاهم الفرصة وأرسل إليهم الرسل لمراجعتهم وتسليم القتلة للقصاص منهم، لكن دون جدوى. واشتبك علي معهم  يوم 9 صفر، فسقط كل الخوارج، وقضى عليهم.

كان علي رضي الله عنه، قد أعطى الأمان قبل المعركة لمن يستسلم، فاستسلم عدد من الخوارج. لكنهم لم يرجعوا عن اقتناع أو توبة، بل بسبب خوفهم أو تقية، أو كي يخططوا لقتال جديد. ورغم عفوه عنهم ظلوا كل فترة يخرجون عليه ويقولون “لا حكم إلا لله”.

 

التخطيط لـ (مقتل علي بن أبي طالب)

كان جيش علي رضي الله عنه، دائم الاعتراض والانقلاب، فلم تكن الأمور سهلة عليه. كما كان الخوارج يخرجون عليه كل فترة فيقتل منهم أعدادًا جديدة. بعكس جيش الشام الذي كان يصطف خلف معاوية ويطيعه في كل شيء. كما نجح معاوية في ضم مصر إلى الشام بعد أن هزم عمرو بن العاص والي علي عليها، وكان محمد بن أبي بكر.

كان الخوارج مقهورين على من قتل منهم، فكانوا يقولون “ماذا نفعل بالبقاء بعدهم، إنهم والله كانوا لا يخافون في الله لومة لائم”. كما كانوا يكفرون علي ومعاوية وعمرو بن العاص، بسبب رفضهم التحكيم. لذلك أخذوا يخططون للقضاء على الثلاثة. وفي يوم اجتمع ثلاثة خوارج وهم: عبد الرحمن بن ملجم الكندي، والبرك بن عبد الله التميمي، وعمرو بن بكر التميمي. فقال عبد الرحمن: أنا أقتل علي، وقال البرك: أنا أقتل معاوية، وقال عمرو بن بكر: أنا أقتل عمرو بن العاص.

اتفق الثلاثة على تنفيذ هذا الوعد على أن يكون موعد الاغتيال يوم 17 من شهر رمضان الكريم، وكتموا الأمر عن الناس. بعد ذلك ظل عبد الرحمن بن ملجم بالكوفة من أجل مقتل علي بن أبي طالب، وتوجه البرك إلى دمشق لمعاوية، وتوجه عمرو بن بكر إلى عمرو بن العاص في مصر.

 

اغتيال علي بن أبي طالب

وفي يوم الجمعة 17 رمضان توجه علي رضي الله عنه إلى مسجد الكوفة لأداء صلاة الفجر. وبينما كان يدخل المسجد ضربه شبيب بن نجدة، فوقع على الأرض لكنه لم يمت. ثم أمسكه بن ملجم وضربه على رأسه بسيفه المسموم، فسالت الدماء على لحيته، تمامًا كما وصف النبي صلى الله عليه وسلم.

حمل الناس علي إلى بيته، وقبضوا على عبد الرحمن بن ملجم، فقال رضي الله عنه “إن مت فاقتلوه، وإن عشت فأنا أدرى ماذا أفعل به”. ثم قال جندب بن عبد الله: يا أمير المؤمنين، إن مت نبايع الحسن؟، فقال: لا أمركم ولا أنهاكم.

وتوفي رضي الله عنه بعد يومين أو ثلاثة متأثرًا بجراحه، وغسله الحسن والحسين وعبد الله بن جعفر بن أبي طالب. وبعد دفنه قتلوا عبد الرحمن بن ملجم بسيفه المسموم.

أما معاوية بن أبي سفيان فقد نجا من محاولة اغتياله، وأخذ الضربة في فخذه فشفي ولم يمت. وفي مصر لم يخرج عمرو بن العاص لصلاة الفجر في هذا اليوم لمرضه، وخرج مكانه نائبه، فقتله عمرو بن بكر ظنًا منه أنه عمرو.

 

 

 

المصادر:

ابن الأثير: أسد الغابة في معرفة الصحابة.

البلاذري: أنساب الأشراف.

الطبري: تاريخ الرسل والملوك.

ابن كثير: البداية والنهاية.

ابن حجر العسقلاني: فتح الباري.

عباس العقاد: معاوية بن أبي سفيان.

محمد عادل عبد العزيز: الإسلام والتطور السياسي.

موقع قصة الإسلام: مقتل الإمام علي وعام الجماعة.

 

 

 

 

الوسوم :

التعليقات

لا توجد تعليقات حتى الآن. كن أول من يعلق!

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات مشابهة

عرض جميع المقالات