لم يكن حصار القسطنطينية في عهد سليمان بن عبد الملك هو الحصار الأول لهذه المدينة. فقد كانت هناك محاولتان قبل ذلك خلال عهد مؤسس الدولة الأموية معاوية بن أبي سفيان. كانت القسطنطينية هدفًا لحكام المسلمين، لأن النبي صلى الله عليه وسلم بشر بفتحها، وأثنى على من يفتحها في الحديث الشريف “لَتُفْتَحَنَّ الْقُسْطَنْطِينَيةُ، وَلَنِعْمَ الأَمِيرُ أَمِيرُهَا، وَلَنِعْمَ الْجَيْشُ ذَلِكَ الْجَيْشُ”.

وفي عهد سليمان بن عبد الملك، كانت حدود الدولة الأموية امتدت حتى الأندلس غربًا والصين شرقًا، ووصلت إلى بلاد ما وراء النهر، وبلاد الروم. لذلك كانت الأنظار متوجهة نحو القسطنطينية، ورغم الإصرار، لكن باءت المحاولة بالفشل لأسباب كثيرة.

 

التجهيز للحصار

خطط سليمان بن عبد الملك لغزو القسطنطينية، فبدأ في استشارة من حوله. وقيل أنه استشار موسى بن نصير في الأمر، فاقترح عليه أن يفتح أولًا المدن والحصون التي تقع على الطريق إلى هذه المدينة، حتى تضعف ويسهل فتحها. ثم استشار أخيه مسلمة بن عبد الملك، فاقترح عليه حصار القسطنطينية أولًا، فإذا أتم الله فتحها، فكل المدن ستفتح تباعًا.

أخذ سليمان برأي أخيه مسلمة، ثم بدأ يجهز الجيش فجمع 120 ألف مقاتل من الشام وسوريا والموصل. وأرسل أهل مصر وأفريقية ألف مركب عليهم عمر بن هبيرة. وخرج الجيش وعلى رأسه مسلمة بن عبد الملك، ومعه داوود بن سليمان بن عبد الملك، وكان ذلك عام 97 هـ.

ثم خرج سليمان ونزل في مرج دابق قرب حلب، فاجتمع الناس حوله، وجاءه المتطوعون بأعداد لا حصر لها.

 

حصار القسطنطينية

وصل مسلمة بالجيش الإسلامي إلى القسطنطينية وفرض عليها الحصار. ثم وصل الأسطول الإسلامي وعبر مضيق الدردنيل، وكان ذلك خلال فصل الصيف. نجح مسلمة في عزل القسطنطينية تمامًا عن المدن والبلاد المحيطة. واعتمد على الأسطول البحري في غلق مضيق البسفور، وقطع أي صلة بين العاصمة البيزنطية والبحر الأسود. لكن قيل أن الأسطول انحرف من مكانه بسبب الرياح، ثم هاجمه البيزنطيون بالنار الإغريقية. وذُكِر أيضًا أن البيزنطيين استخدموا سلسلة كبيرة بين المدينة وغلطة لغلق مدخل القرن الذهبي.

وبالنسبة للجيش البري، فقد كان مجهزًا بشكل جيد، حتى تراكمت الإمدادات داخله. ونصب مسلمة بن عبد الملك المنجنيق على المدينة، لكن أسوار القسطنطينية صمدت بفضل قوتها ومناعتها.

 

فشل الحصار

مع دخول فصل الشتاء انقلبت الأمور، وغطت الثلوج الأرض لأكثر من 3 أشهر. ومع الوقت نقصت الإمدادات، وتعرض الجنود لمجاعة جعلتهم يأكلون الخيول والجمال وحتى أوراق الشجر. ومات في هذه المجاعة أعداد مهولة من الجنود، وتبالغ المصادر الغربية في الرقم، فبعضها قال هلك 300 ألف جندي مسلم.

ولم يستطيع الأسطول تطويق الجهة الشمالية للعاصمة، لذلك عبرت إليها المساعدات والمؤن من البحر الأسود.  ثم تعرض مسلمة للخديعة، حيث اتفق الإمبراطور الرومي ليو الثالث الإيساوري مع البلغار. فأرسل البلغار إلى مسلمة يعرضون عليه المساعدة وتقديم المؤون. أرسل مسلمة من يتسلم هذه المؤون، لكنه كان كمينًا، وقُتِل فيه عدد كبير من الجنود، وصل إلى 15 ألف جندي، حسب المصادر اليونانية.

أرسل مسلمة إلى أخيه سليمان وأخبره بالأمر، فأرسل له جيشًا بقيادة شرحبيل بن عبيدة. عبر هذا الجيش إلى بلاد البرجان أولًا، واقتصوا من ملكهم وقتلوا منهم أعدادًا كبيرة، وخلصوا أسرى المسلمين. كما وصلت الإمدادات من مصر وإفريقية، لكن كل ذلك لم يغير مجريات الأمور. وظلت أسوار القسطنطينية عصية على الغزاة والفاتحين لقرون طويلة، وتراجع المسلمون.

لما مات سليمان بن عبد الملك، تولى عمر بن عبد العزيز الخلافة، وأرسل كتابًا إلى مسلمة يأمره بالعودة. عاد الجيش الإسلامي إلى دمشق في ذي الحجة عام 99 من الهجرة.

انتهى العصر الأموي، ولم تكن هناك محاولة رابعة لغزو القسطنطينية. لكن بعد 7 قرون يأتي العثمانيون ويفتحون هذه المدينة على يد السلطان محمد الفاتح عام 857 هـ.

 

 

 

 

 

 

المصادر:

علي الصلابي: الدولة الأموية، عوامل الازدهار وتداعيات الانهيار.

الطبري: تاريخ الرسل والملوك.

ابن كثير: البداية والنهاية.

موقع قصة الإسلام: حصار القسطنطينية في عصر الدولة الأموية.

 

 

 

 

الوسوم :

التعليقات

لا توجد تعليقات حتى الآن. كن أول من يعلق!

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات مشابهة

عرض جميع المقالات