الصحابي الجليل خباب بن الأرت رضي الله عنه، من السابقين في الإسلام. وقد تعرض في سبيل إسلامه إلى تعذيب واضطهاد قريش، حيث كان من المستضعفين الذين مارس عليهم زعماء مكة كل أشكال العنف والتعذيب، حتى يعودوا عن دينهم الجديد. ورغم كل ذلك وقف كالجبل ورفض كل إغراءات وتهديدات سيدته أم أنمار الخزاعية.
حياته في الجاهلية
كان اسمه خباب بن الأَرَتّ بن جندلة بن سعد التميمي. وقيل أنه من خزاعة. تعرض للسبي في الجاهلية، وتم بيعه في سوق العبيد حتى وصل إلى مكة. اشترته أم أنمار الخزاعية، وجعلته يمتهن صناعة السيوف، فاشتهر في مكة وجنت من ورائه الأموال. وقد أقبل عليه الجميع بسبب مهارته وأمانته وصدقه.
إسلام خباب بن الأرت
بعد أن سمع سيدنا خباب بالدين الجديد الذي يدعوا إليه محمد بن عبد الله، انطلق إليه. لما سمع من النبي، نطق بالشهادة قبل أن يدخل صلى الله عليه وسلم دار الأرقم بن أبي الأرقم. وكان رضي الله عنه سادس شخص يدخل الإسلام.
قال مجاهد: أول من أظهر إسلامه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأبو بكر وخباب وصهيب وبلال وعمار وسمية أم عمار. فأما رسول الله، فمنعه الله بعمه أبي طالب، وأما أبو بكر فمنعه قومه، وأما الآخرون فألبسوهم أدراع الحديد، ثم صهروهم في الشمس، فبلغ منهم الجهد ما شاء الله أن يبلغ من حر الحديد والشمس.
لم يكتم خباب بن الأرت إسلامه، وعندما سمعت بذلك سيدته أم أنمار الخزاعية غضبت غضبًا شديدًا. ثم ذهبت إليه برفقة أخيها “سباع بن عبد العزى” ونفر من خزاعة ومضر. وعندما سألوه عن إسلامه لم ينكر ذلك، ونطق أمامهم بالشهادة. انهال عليه الجميع يضربونه ويركلونه حتى نزف الدم وسقط على الأرض فاقدًا الوعي.
ظل رضي الله عنه، ثابتًا على موقفه رغم تعذيب كفار مكة، ورغم أيضًا إغراءاتهم. فقد قال: كنت قَيْنًا بمكة، فعملت للعاص بن وائل السهمي سيفًا، فجئت أتقاضاه، فقال: لا أعطيك حتى تكفر بمحمد. قلت: لا أكفر بمحمد حتى يميتك الله ثم يحييك. قال: إذا أماتني الله ثم بعثني ولي مال وولد. فأنزل الله: {أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآَيَاتِنَا وَقَالَ لأُوتَيَنَّ مَالاً وَوَلَدًا* أَطَّلَعَ الْغَيْبَ أَمِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا}.
الخباب وعمر بن الخطاب
خرج عمر بن الخطاب يومًا، وكان عازمًا على قتل النبي صلى الله عليه وسلم. فصادفه رجل في الطريق وأخبره أن أخته أسلمت، فأسرع إليها غاضبًا. وعندما دخل من باب بيتها سمعها تقرأ آيات من سورة طه. وكان سيدنا خباب بن الأرت هو من يقرأ عليهم القرآن. ولما دخل عمر ضرب أخته وزوجها، واختبأ خباب.
لكن رَّق قلب عمر بعدما رأى الدم قد سال من أخته، وطلب منها ما كانت تقرأه، فأمرته أن يتوضأ أولًا. اغتسل الفاروق رضي الله عنه وبدأ يقرأ في سورة طه، حتى تغلغل الإيمان في خلايا قلبه، وقال ما أحسن هذا الكلام وأكرمه.
فلما سمع الخباب ذلك، خرج وقال: والله يا عمر، إني لأرجو أن يكون الله قد خصك بدعوة نبيه. إني سمعته وهو يقول: “اللهم أيد الإسلام بأبي الحكم بن هشام أو بعمر بن الخطاب”، فاللهَ الله يا عمر. فقال عند ذلك: فدلني يا خباب على محمدٍ حتى آتيه فأسلم. فقال له خباب: هو في بيتٍ عند الصفا. فلما رآه النبي أمسك به وطلب منه أن يسلم، فنطق عمر بالشهادة وأعلن إسلامه.
روايته للحديث
روي الصحابي خباب بن الأرت الحديث عن رسول الله، وله 32 حديثًا في مسند بقي بن مخلد. واتفق البخاري ومسلم على ثلاثة أحاديث، وانفرد البخاري بحديثين، ومسلم بحديث واحد.
وقد روى عنه عدد من الصحابة والتابعين مثل، أبو أمامة الباهلي، مسروق بن الأجدع، عامر الشعبي، وغيرهم.
وفاة الخباب بن الأرت
بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، انتقل سيدنا الخباب من المدينة إلى الكوفة حتى مات فيها. وكانت وفاته سنة 73 من الهجرة، وعمره 73 عامًا، وقد صلى عليه أمير المؤمنين علي بن أبي طالب. ونعاه سيدنا علي قائلًا: “رحم الله خبّابًا أسلم راغبًا، وهاجر طائعًا، وعاش مجاهدًا، وابتلي في جسمه أحوالاً، ولن يضيع الله أجره”.
المصادر:
ابن سعد: الطبقات الكبرى.
ابن الأثير: أسد الغابة في معرفة الصحابة.
الذهبي: سير أعلام النبلاء.
ابن حجر: الإصابة في تمييز الصحابة.
التعليقات
لا توجد تعليقات حتى الآن. كن أول من يعلق!
اترك تعليق