كانت معركة صفين بين أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ومعاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما. ومع أن الصحابة غير معصومين عن الوقوع في الخطأ، لكن كتب التاريخ امتلأت بالأخبار المكذوبة والمدسوسة. لم يكن هدف علي أو معاوية السلطة أو الحكم ولم يكن لأي منهما هدف شخصي، لكن كل طرف اعتقد أنه على صواب. كما طالت الاتهامات سيدنا عمرو بن العاص رضي الله عنه، وأنه قام بخديعة علي انتصارًا لمعاوية ورغبة في الحكم. والحقيقة أن عمرو كان قد تخطى الثمانين من عمره، فأي رغبة في السلطة في هذا العمر وهو على مشارف الموت.

 

سبب معركة صفين

كان معاوية بن أبي سفيان والي الشام متمسكًا بثأر عثمان بن عفان، ولم يبايع علي بن أبي طالب حتى يقتص من القتلة. بينما علي كان يريد تهدئة الوضع في المدينة المنورة والدولة الإسلامية، ثم أخذ الثأر من قتلة عثمان. ومن هنا حدث الشقاق بين الطرفين وزادت حدة الخلاف.

وقبل أن يتوجه علي بن أبي طالب إلى الشام، ذهب إلى البصرة ليلتقي بالسيدة عائشة وطلحة بن عبيد الله والزبير بن العوام. ورغم محاولة الطرفين حل الموضوع بشكل سلمي، لكن تدخل رؤوس الفتنة وحولوا الأمر إلى معركة كبيرة  قُتِل فيها 10 آلاف مسلم، عرفت بموقعة الجمل.

وبعدما أرسل علي السيدة عائشة إلى المدينة المنورة بطريقة تليق بها، قرر التوجه إلى الشام. لم يكن هدف علي قتال أهل الشام، بل التلويح والتهديد بقتالهم حتى يضمهم إلى الدولة الإسلامية ويعيد الأمور إلى نصابها الصحيح. لذلك طلب منهم البيعة أولًا، ثم هدد بقتالهم دون العزم على ذلك. وكان القتال أخر خطوة اتخذها ومع ذلك أمر جيشه ألا يبدأ القتال.

 

خروج الجيشين إلى صفين

استشار علي بن أبي طالب الناس، فأشاروا عليه بالخروج على رأس جيشه إلى صفين. وكان الحسن بن علي ممن يعارضون ذلك، ورأى أن قتال أهل الشام سيؤدي إلى فتنة عظيمة. لكن علي تمسك بقمع الفتنة وحسم الأمور قبل عودته إلى المدينة المنورة.

ولما وصلت أخبار علي إلى معاوية استشار من حوله، فأشاروا عليه أن يجهز الجيش ويخرج هو أيضًا على رأسه لمواجهة علي خارج الشام. كان زياد بن النضر على مقدمة جيش علي، وأبو الأعور السلمي على مقدمة جيش معاوية.

وقال علي بن أبي طالب رضى الله عنه، للمقاتلين في جيشه “ادعوهم إلى البيعة مرة بعد مرة، فإن امتنعوا، فلا تقاتلوهم حتى يقاتلوكم، ولا يقرب منهم أحد قرب من يريد الحرب، ولا يبتعد عنهم أحد بعد من يهاب الرجال”.

لم يستجب جيش معاوية لعرض البيعة، وبدأ القتال بين الطرفين في 1 صفر سنة 37 من الهجرة. وكان عدد جيش علي 120 ألف مقاتل. وجيش معاوية 100 ألف تقريبًا، وهذا أكبر من كل معارك الفتوحات العظيمة مثل اليرموك والقادسية.

كان معاوية يسيطر على نهر هو مصدر الماء الوحيد في منطقة القتال، حتى كاد جيش علي يموت من العطش. وكان يمكن استخدام هذه الوسيلة لإخضاع علي. ورغم نصيحة بعض كبار جيش معاوية بمنع وصول علي وجيشه إلى الماء، لكنه أبى ذلك. فكانوا يتقاتلون طوال النهار، ثم يشربون جميعًا من الماء في المساء دون قتال.

 

أحداث المعركة

استمرت المعركة 9 أيام، وخلال اليوم الأول والثاني وقع شهداء من كلا الطرفين. وفي اليوم الثالث استشهد عدد أيضًا من المسلمين على رأسهم عمار بن ياسر وكان في صفوف علي.  واستمر الوضع على نفس المنوال كل يوم تخرج مجموعة من كلا الطرفين لتواجه الأخرى، وينتهي اليوم بعدم تحقيق النصر لأيٍ منهما.

وكان علي ومعاوية يخرجان كل يوم مجموعة على رأسها أحد القادة، لعل أحدهم يحقق النصر دون إلحاق ضرر كبير بالتقاء الجيشين. فرغم رغبة النصر، لكنهما كان يشعران بالقهر على الدماء المسفوكة. وكانوا خلال الليل يقرأون القرآن وتتعالى أصواتهم من كلا المعسكرين، يدعون الله ويرجون النصر منه. وكان في كلا الطرفين كبار الصحابة، فعبد الله بن عباس وعمار بن ياسر مع علي. بينما عمرو بن العاص، وعبد الله بن عمرو بن العاص مع معاوية. وقد كان عبد الله بن عمرو كارهًا للقتال ولم يكن يرغب في الانضمام لأي طرف، ورغم مشاركته لكنه لم يرفع سيفه في وجه أحد من المسلمين.

 

اليوم الثامن والتاسع من المعركة

يوم 8 صفر خرج معاوية بن أبي سفيان على رأس جيشه، وخرج أيضًا علي بن أبي طالب على رأس جيشه. وكان هذا اليوم عنيفَا لم يحدث من قبل، وثبت الفريقان في مواجهة بعضهما البعض ولم يفر أحد. لكن في نهاية اليوم لم ينتصر أي طرف، وسقط الكثير من الشهداء.

وفي اليوم التاسع بدأ القتال بعد صلاة الصبح، فجعل علي عبد الله بن عباس على ميسرته، وعبد الله بن بديل على ميمنته. فهجمت ميمنة علي على ميسرة معاوية وكان عليها حبيب بن مسلمة الفهري. وضغط جيش علي حتى بدأ يحقق بعض التقدم، لكن لاحقًا انكشف جيش علي حتى وصل إليه أهل الشام. ثم نجح الأشتر النخعي وهو من رؤوس الفتنة في إنقاذ الجانب الأيمن من الجيش، بفضل قوة بأسه وكلمته المسموعة بين قومه. وقاتل علي رضي الله عنه قتالًا شديدًا، وسقط عدد كبير من الشهداء منهم عبد الله بن بديل.

 

نتائج معركة صفين

استمر القتال لأيام وسقط عدد كبير من الشهداء وصل إلى 70 ألف مسلم. كان منهم 45 ألف شهيد في جيش معاوية، و25 ألف شهيد في جيش علي. وهنا دعا سيدنا عمرو بن العاص إلى وقف القتال ولجأ إلى حيلة ذكية لحدوث ذلك، حيث حثَّ جيش معاوية على رفع المصاحف على أسنة الرماح. وتعني هذه الحركة اللجوء إلى كتاب الله من أجل الحكم بينهما. ويردد البعض أنها خدعة من عمرو كي يكسب الحرب، ورموه باتهامات باطلة. وكان رضي الله عنه بريء منها، فقد كان يعتقد بأن معاوية وأهل الشام على حق في عدم مبايعة علي لعدم أخذه بثأر عثمان.

ولما حمل أهل الشام المصاحف، طالب جزء كبير من جيش على بوقف القتال وتحكيم كتاب الله. ثم  نادوا علي باسمه لا بإمرة المؤمنين، فقالوا “يا علي، أجب القوم إلى كتاب الله إذا دُعيت، وإلاّ قتلناك كما قتلنا ابن عفّان، فوالله لنفعلنّها إن لم تجبهم”.

أمام هذا الموقف كان الأمر صعبًا على علي، فلو استمر في القتال سوف يقف في وجه جزء كبير من جيشه غير جيش معاوية. وهنا اختار خيارًا أقل ضرر وقبل بالتحكيم وتعاهد الطرفان بوقف القتال والعودة، فعاد معاوية إلى الشام وعلي إلى المدينة المنورة. وكان التحكيم في شهر رمضان من نفس العام 37 من الهجرة في دومة الجندل.

 

 

 

المصادر:

ابن كثير:  البداية والنهاية – الجزء السابع فصل في وقعة صفين بين أهل العراق وبين أهل الشام.

ابن الأثير: الكامل في التاريخ، ج3.

الطبري: تاريخ الأمم والملوك.

ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة،ج2،ص241.

 

 

الوسوم :

التعليقات

لا توجد تعليقات حتى الآن. كن أول من يعلق!

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات مشابهة

عرض جميع المقالات