شكلت الخلافة العباسية واحدة من أطول وأعظم الدول الإسلامية عمرًا، حيث امتد حكمها من عام 132هـ/750م حتى عام 656هـ/1258م في بغداد، ثم استمرت بشكل رمزي في القاهرة حتى عام 923هـ/1517م. وتمثل دراسة آخر خلفاء الدولة العباسية أهمية تاريخية كبرى، إذ ترمز إلى نهاية حقبة مزدهرة من الحضارة الإسلامية. سنتناول في هذا المقال التفصيلي قصة آخر خلفاء العباسيين في بغداد ثم القاهرة، مع تحليل للأحداث السياسية والعسكرية التي أدت إلى زوالهم.

 

آخر خلفاء الدولة العباسية في بغداد

قبيل الغزو المغولي لبغداد، كانت الخلافة العباسية تعاني من ضعف شديد في السلطة الفعلية، حيث أصبحت تحت سيطرة القوى المحلية المختلفة. كان الخليفة المستعصم بالله (حكم 640-656هـ/1242-1258م) آخر الخلفاء العباسيين في بغداد، وقد تولى الحكم في وقت كانت فيه الدولة تعاني من انقسامات داخلية وتحديات خارجية خطيرة.

وفي عام 656هـ/1258م، قام الجيش المغولي بقيادة هولاكو بحصار مدينة بغداد الذي استمر من 29 يناير حتى 10 فبراير 1258م. وفقًا للمؤرخين مثل ابن الأثير في كتابه “الكامل في التاريخ”، فإن الدمار الذي حل بالمدينة كان هائلًا. حيث قُتل الخليفة المستعصم بالله مع معظم أفراد أسرته، وتم تدمير المكتبات العظيمة في بغداد بما فيها دار الحكمة، مما مثل ضربة قاصمة للحضارة الإسلامية.

 

إعادة إحياء الخلافة العباسية في القاهرة

بعد ثلاث سنوات من سقوط بغداد، قام السلطان المملوكي الظاهر بيبرس بإحياء الخلافة العباسية بشكل رمزي في القاهرة عام 659هـ/1261م. كان أول الخلفاء في هذه المرحلة هو المستنصر بالله الثاني، الذي جاء من بقايا الأسرة العباسية التي نجت من المذبحة المغولية. لكن هذه الخلافة الجديدة لم تكن تملك أي سلطة فعلية، بل كانت مجرد رمز ديني وسياسي يضفي الشرعية على حكم المماليك. وخلال العصر المملوكي، كان الخلفاء العباسيون في القاهرة يقتصر دورهم على:

منح الشرعية الدينية لسلاطين المماليك.

المشاركة في المراسم الرسمية.

إصدار الفرمانات والمنشورات باسمهم.

منح الألقاب للسلاطين والأمراء.

 

آخر خلفاء الدولة العباسية في القاهرة

قبل الوصول إلى آخر الخلفاء في القاهرة، يجب ذكر الخليفة المستمسك بالله (حكم 903-914هـ/1497-1508م) الذي عاصر نهاية العصر المملوكي. في عهده، بدأت تظهر بوادر الضعف في الدولة المملوكية، بينما كانت الدولة العثمانية تزداد قوة في الأناضول.

وكان المتوكل على الله الثالث (توفي 949هـ/1543م)، آخر الخلفاء العباسيين المعترف بهم رسميًا. تولى الخلافة عام 914هـ/1508م بعد خلع المستمسك بالله بأمر من السلطان المملوكي قنصوه الغوري.

 

دخول العثمانيين القاهرة وانتهاء الخلافة العباسية

شهدت بداية القرن العاشر الهجري (السادس عشر الميلادي) تصاعد التوتر بين الدولة العثمانية الصاعدة والدولة المملوكية الآفلة. كان السلطان سليم الأول العثماني (حكم 918-926هـ/1512-1520م) يطمح إلى توسيع نفوذه في المنطقة العربية.

كانت معركة مرج دابق في أغسطس 1516م لحظة حاسمة غيرت مسار التاريخ الإسلامي. وقعت المعركة الفاصلة شمال حلب بين الجيش العثماني بقيادة السلطان سليم الأول والجيش المملوكي بقيادة السلطان قانصوه الغوري. تميز العثمانيون بتفوقهم في الأسلحة النارية والتنظيم العسكري الحديث، بينما اعتمد المماليك على التكتيكات التقليدية التي عفا عليها الزمن.

انتهت المعركة بنصر ساحق للعثمانيين ومقتل السلطان الغوري. كانت الهزيمة نتيجة عوامل متعددة شملت التفوق العسكري العثماني، وخيانة بعض قادة المماليك مثل خاير بك، وضعف البنية التنظيمية للدولة المملوكية.

بلغ الصراع ذروته في معركة الريدانية قرب القاهرة في يناير 1517م. واجه العثمانيون جيش طومان باي للمرة الأخيرة، حيث كرروا تفوقهم العسكري وهزموا المماليك نهائيًا. دخل سليم الأول القاهرة منتصرًا، وأعدم طومان باي شنقًا على باب زويلة، منهيًا بذلك حكم المماليك الذي استمر أكثر من 260 عامًا.

أما الخليفة العباسي المتوكل على الله الثالث، الذي كان يحكم اسميًا تحت حماية المماليك، فقد نُقل إلى إسطنبول حيث تنازل عن الخلافة للعثمانيين وفق بعض الروايات، بينما تشير مصادر أخرى إلى أن العثمانيين استولوا عليها دون تنازل رسمي.

توفي آخر الخلفاء العباسيين في القاهرة عام 949هـ/1543م، بعد أن عاد من الأسر في إسطنبول. مع وفاته، انتهى رسميًا وجود الخلافة العباسية التي استمرت بشكل أو بآخر لأكثر من ثمانية قرون.

كانت نتائج هذه الأحداث عميقة الأثر، حيث تحولت مصر والشام إلى ولايات عثمانية، وانتقل مركز الثقل الإسلامي من القاهرة إلى إسطنبول. كما أسست هذه الأحداث لمرحلة جديدة في التاريخ الإسلامي تحت الحكم العثماني الذي استمر أربعة قرون.

 

اقرأ أيضًا: محمد بن القاسم الثقفي

 

 

المصادر:

ابن الأثير: الكامل في التاريخ.

ابن تغري بردي: النجوم الزاهرة.

المقريزي: السلوك لمعرفة دول المماليك.

ابن إياس: بدائع الزهور في وقائع الدهور.

حسين مؤنس: تاريخ الخلافة العباسية.

 

الوسوم :

التعليقات

لا توجد تعليقات حتى الآن. كن أول من يعلق!

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات مشابهة

عرض جميع المقالات