الصحابي الجليل أبو ذر الغفاري رضي الله عنه، كان من السابقين إلى الإسلام. ورغم أنه كان في الجاهلية موحدًا لا يعبد الأصنام، لكنه كان يتكسب من قطع الطريق. ثم أسلم واختلفت شخصيته وأصبح من كبار الصحابة الأفاضل الذين لهم دورًا كبيرًا في نشر الدعوة والفتوحات الإسلامية.

 

نسب أبو ذر الغفاري

اسمه: جندب بن جنادة، وقيل جندب بن السكن، وقيل برير بن جنادة، وقيل جندب بن عبد الله. وقيل غير ذلك أيضًا، حيث تضاربت أقوال العلماء حول اسمه الحقيقي.

نسبه: جندب بن جنادة بن سفيان بن عبيد بن حرام بن غفار بن مليل بن ضمرة بن بكر بن عبد مناة بن كنانة. وقيل غير ذلك، لكن المشهور أنه ” جندب بن جنادة”.

أمه: رملة بنت الوقيعة الغفارية.

إخوته: أنيس بن جنادة ( أخوه لأبيه)، وعمرو بن عنبسة ( أخوه لأمه).

 

صفاته

كان الصحابي الجليل أبو ذر الغفاري، رجلًا ضخمًا طويلًا، لديه شعر ولحية بيضاء. لكن ذكر بعض العلماء أنه كان نحيفًا وليس ضخمًا.

وكان رضي الله عنه رجلًا عابدًا زاهدًا محبًا للفقراء، فإذا أخذ عطاؤه من بيت مال المسلمين، وزع أغلبه على الفقراء. كما كان حاد الطباع لا يخشى في الله لومة لائم.

 

إسلام أبي ذر الغفاري

كان أبو ذر رجلًا قويًا وشجاعًا، وكان في الجاهلية يهاجم الطرق بمفرده في منتصف النهار دون خوف. ورغم أنه كان يتكسب من قطع الطرق، لكنه لم يعبد الأصنام، وكان موحدًا. وذكر أبو بكر البغدادي، أنه كان ممن حرموا الخمر والأزلام في الجاهلية.

عندما بدأ النبي في إعلان دعوته، وصله الخبر، فسارع إليه وأعلن إسلامه. حتى قيل أنه كان رابع أو خامس من أسلم.  وقد ورد في قصة إسلامه، أنه لما سمع بالنبي أرسل أخاه إلى مكة ليقف على حقيقية الأمر، فلما عاد أخوه قال له “رأيته يأمر بمكارم الأخلاق، ويقول كلامًا ما هو بالشعر”. لكنه أراد التيقن أكثر، فذهب بنفسه إلى مكة، فلما دخل عليه الليل رآه علي بن أبي طالب، وعلم أنه غريب، فاستضافه 3 أيام.

سأله سيدنا علي عن سبب قدومه، فأخبره، وطلب منه أن يكلمه عن النبي. ثم أخذه إلى رسول الله، فسمع منه، وعلى الفور أعلن إسلامه. قال له النبي “ارجع إلى قومك فأخبرهم حتى يأتيك أمري”، فقال أبو ذر “والذي نفسي بيده لأصرخنَّ بها بين ظهرانيهم”. ثم خرج حتى وصل المسجد فنادى بأعلى صوته “أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا عبده ورسوله”. فقام عليه أهل مكة وضربوه، حتى أنقذه العباس عم النبي، وقال لهم “ويلكم، ألستم تعلمون أنه من غِفار! وأنه من طريق تجارتكم إلى الشام؟”، فأنقذه منهم.

 

إسلام قوم أبي ذر الغفاري

امتثل أبو ذر الغفاري رضي الله عنه، لأوامر رسول الله، فذهب إلى قومه ودعاهم إلى الإسلام. فأسلم نصف قبيلته، وظل النصف الآخر على شركه، حتى الهجرة النبوية الشريفة. حيث أسلموا جميعًا، وأسلمت بعدهم قبيلة “أسلم”، ووفدوا على النبي في المدينة المنورة.

ذكر العلماء أن أبا ذر لم يذهب إلى المدينة وظل في قومه، حتى أسلموا جميعًا وجاء بهم. فكان دخوله المدينة بعد غزوة أحد، بينما قال البعض أنه لم يحضر ( بدر، أحد، الخندق )، لأن قومه أسلموا بعد هذه الغزوات كلها.

 

دوره في حياة النبي

بعدما وصل إلى المدينة المنورة، آخى النبي بينه وبين المنذر بن عمرو. وقيل أن النبي صلى الله عليه وسلم، استعمله على المدينة عندما خرج لغزوة ذات الرقاع، وغزوة بني المصطلق. بينما ذكر آخرون أن النبي استعمل غيره. وكان رضي الله عنه من حمل راية قومه غفار في يوم حنين.

وفي غزوة تبوك، عندما تجمع النفير لقتال الروم، تخلف البعض فتتبعهم المسلمون. وكانوا يقولون للنبي “تخلف فلان وفلان”، حتى قالوا “يا رسول الله تخلف أبو ذر”. لكنه رضي الله عنه، كان بعيره قد أبطأ، فنزل من فوقه وتتبع الجيش ماشيًا فتأخر. ولما نظر أحد المسلمين قال “إن هذا لرجل يمشي على الطريق”، فقال النبي صلى الله عليه وسلم “كن أبا ذر”. فلما اقترب قالوا “هو والله أبو ذر”. فقال النبي “رحم الله أبا ذر، يمشي وحده، ويموت وحده، ويُبعث وحده”.

وظل أبو ذر يعيش في المدينة ويخدم النبي، ثم ينام في المسجد. وفي يوم سأل رسول الله الإمارة، فقال صلى الله عليه وسلم “إنك ضعيف، وإنها خزي وندامة، إلا من أخذها بحقها، وأدى الذي عليه فيها”.

 

حياته بعد وفاة النبي

كان الصحابي الجليل أبو ذر الغفاري ممن شاركوا في فتوحات الشام، فحضر فتح بيت المقدس في عهد عمر بن الخطاب. ثم عاش في الشام، وكان يفتي ويعلم الناس في أمور دينهم، ويأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر. لكن كان يفعل ذلك بشيء من الحدة، فاصطدم مع والي الشام معاوية بن أبي سفيان، فاشتكاه إلى عثمان بن عفان.

وعندما عاد أبو ذر إلى المدينة ظل على حدته، حتى أنه ضرب رجلًا لاختلافه معه في تفسير أيه. وهنا قال له خليفة المسلمين عثمان بن عفان “إن شئت تنحَّيتَ، فكنتَ قريبًا”، فخرج إلى الربذة، وذكر البعض أن عثمان نفاه إليها.

 

علمه ومكانته

كان الصحابي الجليل أبو ذر الغفاري عالمًا وفقيهًا، وموازيًا لعبد الله بن مسعود في علمه، بسبب كثرة سؤاله للنبي. وكان ممن يفتون في عهد أبو بكر وعمر وعثمان، حتى أن عمر فرض له مثل أهل بدر، رغم أنه لم يحضرها.

وقال عنه علي بن أبي طالب رضي الله عنه “أبو ذر وعاء مُلئ علمًا، أوْكى عليه، فلم يَخرج منه شيء حتى قُبض”. وقال أيضًا “لم يبق أحد لا يبالي في الله لومة لائم، غير أبي ذر”.

وكان النبي صلى الله عليه وسلم، يحبه ويتفقده إذا غاب، حتى أنه جعله يركب خلفه على حماره. وقد ورد أن النبي قال “إِنَّ اللَّهَ أَمَرَنِي بِحُبِّ أَرْبَعَةٍ، وَأَخْبَرَنِي أَنَّهُ يُحِبُّهُمْ. قِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ سَمِّهِمْ لَنَا، قَالَ: عَلِيٌّ مِنْهُمْ، يَقُولُ ذَلِكَ ثَلاَثًا وَأَبُو ذَرٍّ، وَالمِقْدَادُ، وَسَلْمَانُ أَمَرَنِي بِحُبِّهِمْ، وَأَخْبَرَنِي أَنَّهُ يُحِبُّهُمْ”. وقال أيضًا صلى الله عليه وسلم، “ما أقلت الغبراء، ولا أظلت الخضراء من رجل أصدق لهجة من أبي ذر”.

كما كان رضي الله عنه من رواة الحديث عن رسول الله، فاتفق البخاري ومسلم على 12 حديث له. وفي مسند بقي بن مخلد 281 حديث.

 

أبو ذر الغفاري يموت وحيدًا

مات أبو ذر وحيدًا في الربذة سنة 31 أو 32 من الهجرة. وقد ورد في قصة وفاته أكثر من رواية، ومنها أنه قال لزوجته وغلامه عندما شعر باحتضاره “إذا مت فاغسلاني وكفناني، وضعاني على الطريق، فأول ركب يمرون بكم فقولا: هذا أبو ذر. وبعدما فعلوا ذلك، جاء ركب من الكوفة، وكان فيهم عبد الله بن مسعود. فلما رأى بن مسعود الجنازة، سأل لمن تكون، وعلم أنها لأبي ذر، فبكى وتذكر حديث النبي صلى الله عليه وسلم، عندما ذكر أنه سيموت وحيدًا.

كان لأبي ذر ولدًا واحدًا اسمه ذر، وبنتًا أخذها عثمان بن عفان بعد وفاته وضمها لبيته.

 

 

 

المصادر:

موقع قصة الإسلام: أبو ذر الغفاري.

العسقلاني: الإصابة في تمييز الصحابة.

الذهبي: سير أعلام النبلاء.

ابن سعد: الطبقات الكبرى.

ابن الأثير، أسد الغابة في معرفة الصحابة.

 

الوسوم :

التعليقات

لا توجد تعليقات حتى الآن. كن أول من يعلق!

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات مشابهة

عرض جميع المقالات