الصحابي أبو عبيدة بن الجراح رضي الله عنه، أمين الأمة، وأحد العشرة المبشرين بالجنة، ومن السابقين إلى الإسلام. قال عنه النبي صلى الله عليه وسلم ” إن لكل أمة أمينًا، وإن أميننا أيتها الأمة أبو عبيدة بن الجراح”. كان صحابي جليل زاهد ومتواضع، وقائد مسلم عظيم قاد الجيوش في فتوحات الشام وبيت المقدس.
نسب أبو عبيدة بن الجراح
اسمه: عامر بن عبد الله بن الجراح بن هلال بن أُهَيْب بن ضبَّة بن الحارث بن فهر بن مالك بن النضر. يجتمع نسبه مع النبي في فهر بن مالك.
أبوه: عبد الله بن الجراح، لم يذكره التاريخ بشيء، وتم نسب أبو عبيدة إلى جده في الغالب، ولم يذكر أبيه بعد اسمه إلا قليل، فقيل دائمًا ” أبو عبيدة بن الجراح”، ولم يشتهر بـ” أبو عبيدة عامر بن عبد الله”.
أمه: أُميمة بنت غَنْم بن جابر، وذكر ابن حجر أنها دخلت الإسلام.
ابناء أبو عبيدة بن الجراح
لم يذكر التاريخ الكثير عن زوجات أبو عبيدة بن الجراح وأبنائه وإخوته. قيل أنه تزوج من هند بنت جابر بن وهب وأنجب منها أولاده. لكن لم يذكر اسمها ضمن أسماء الصحابيات في كتب السيرة، ولا يوجد عنها أي معلومة تخص نسبها أو حياتها أو حتى تاريخ وفاتها.
قيل أن له ولدان: عمير ويزيد، لكن لم يُذكَر عنهم أي معلومة. لدرجة أن البعض قال أن أولاد أبي عبيدة ماتوا جميعًا وانقرضوا، حيث قال ابن الأثير ” وقد انقرض ولد أبي عبيدة”.
قصة أبو عبيدة بن الجراح
بالنظر إلى المصادر التاريخية، فلم تذكر شيئًا عن حياة أمين الأمة أبي عبيدة بن الجراح في عصر الجاهلية، وكل ما نقل إلينا كان عن حياته في الإسلام. ولد أبو عبيدة سنة 40 قبل الهجرة، وكان ممن دخلوا الإسلام باكرًا، فهو من السابقين. يقال أنه أسلم بعد أبي بكر مباشرة، وكان ممن أسلموا على يده. كما كان يجتمع مع النبي في دار الأرقم بن الأرقم. حفظ القرآن عن النبي من الوهلة الأولى، وتعرض للأذى من قومه، ورغم ذلك تمسك بدينه.
بسبب اضطهاد قريش له هاجر أبو عبيدة بن الجراح إلى الحبشة، ثم إلى المدينة المنورة. وبعد هجرة النبي آخى بين المهاجرين والأنصار، فآخى بينه وبين سعد بن معاذ، وقيل سالم مولى أبي حذيفة، وقيل أبي طلحة.
صفات أبو عبيدة بن الجراح رضي الله عنه
كان الصحابي أبو عبيدة بن الجراح،، طويلًا، نحيفًا، خفيف اللحية، معروق الوجه، وكان له عقيصتان. وكان معروفًا بحسن الخلق والتواضع، وتمنى عمر بن الخطاب أن يكون له بيتًا مليئًا برجال مثل أبي عبيدة بن الجراح.
وصفه رسول الله صلى الله عليه وسلم، بأنه أمين الأمة وخصه بهذه الصفة كما خص علي بالقضاء، وعثمان بالحياء. فعن أنس بن مالك رضي الله عنه، قال: قدم أهل اليمن إلى النبي، وقالوا ” ابعث معنا رجلًا يعلمنا السنة والإسلام” فأخذ النبي بيد أبي عبيدة وقال ” هذا أمين هذه الأمة”.
كان رضي الله عنه زاهدًا يضرب به المثل في الزهد، فعلى الرغم أنه كان من قادة الشام العظام، إلا أنه كان ينأى بنفسه عن متاع الدنيا. فقد روي أن عمر بن الخطاب عندما ذهب إلى الشام زار منزله، فلم يرى شيئًا، فقال له: أين متاعك فأنت أمير؟. وكان بيت أبي عبيدة بن الجراح فارغًا ليس فيه إلا وعاء طعام وقربة من جلد وصوف رديء. ثم قال له سيدنا عمر، هل عندك طعام؟ فقدم له كسيرات من الخبز، فبكى عمر وقال “غيَّرتنا الدنيا كلَّنا غيرَك يا أبا عبيدة”.
كما كان رضي الله عنه مدافعًا عن رسول الله ومحبًا له. ففي غزوة أحد عندما أصيب رسول الله ودخل الحديد في وجهه الشريف، وسال دمه، ذهب إليه أبو بكر مسرعًا وحاول مساعدته وإخراج الحديد من وجهه، لكنه لم يستطع. وإذ بأبي عبيدة يطير إلى النبي وينزع الحديد بفمه، وظل يفعل ذلك حتى سقطت أسنانه، فقال الصحابة “ما رأيناه أجمل من ذي قبل”.
أمين الأمة أبو عبيدة بن الجراح في حياة النبي
غزوة بدر
شارك سيدنا أبو عبيدة رضي الله عنه في غزوة بدر وأبلى بلاءً حسنًا وقتل كافرًا. قيل أن الذي قتله كان أبيه، لكن أغلب المفسرين والمؤرخين نفوا ذلك، مثل ابن عساكر، الذي نقل أن والد أبي عبيدة بن الجراح لم يدرك الإسلام ومات قبله.
غزوة أحد
شهد الصحابي أبو عبيدة رضي الله عنه، غزوة أحد وكان من الصحابة الذين ثبتوا في المعركة، عندما هجم عليهم المشركين. وكان ممن دافعوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسقطت أسنانه.
سرية ذات السلاسل
أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم، جيش ذات السلاسل في شهر جمادى الآخر سنة 8 هـ. وجعل عمرو بن العاص على الأعراب، وأبو عبيدة بن الجراح رضي الله عنه على المهاجرين، وقال لهما النبي ” تطاوعا”. فأغار عمرو بن العاص على قضاعة، ولم يغير على ديار بكر لأنهم أخواله، فانطلق المغيرة بن شعبة إلى أبي عبيدة فقال: إن رسول الله استعملك علينا وإن ابن فلان قد ارتبع أمر القوم، وليس لك معه أمر. فقال أبو عبيدة: إن رسول الله أمرنا أن نتطاوع، فأنا أطيع رسول الله وإن عصاه عمرو.
أبو عبيدة بن الجراح في خلافة أبو بكر الصديق
يذكر التاريخ بأن أبا عبيدة هو فاتح الديار الشامية. فعندما شعر أبو بكر بخطر الروم في الشام، سير الجيوش إليها، وأوكل المهمة لأربعة قادة من المسلمين: يزيد بن أبي سفيان، شرحبيل بن حسنة، أبو عبيدة بن الجراح، وعمرو بن العاص. وبعد أن أبلى هؤلاء القادة بلاءً حسنًا، وفتحوا الكثير من الأماكن داخل الشام، أرسل لهم أبو بكر خالد بن الوليد. وبقدوم خالد فتحوى بصرى، ثم توجه خالد وأبو عبيدة لحصار دمشق. ثم تجمع الروم ليقطعوا الطريق بين جيوش المسلمين في الشام، فعلم قادة الفتح بذلك والتقوا في معركة أجنادين. وكان جيش المسلمين يتكون من 30 ألف، بينما جيش الروم 100 ألف. ورغم ذلك انتصر المسلمين انتصارًا عظيمًا وأصبح الطريق مفتوحًا إلى أرض فلسطين.
أبو عبيدة بن الجراح في خلافة عمر بن الخطاب
كانت قيادة الجيوش في الشام لخالد بن الوليد في عهد الخليفة أبي بكر الصديق، وكان أبو عبيدة واحد من قادة جيشه. لكن بعد أن تولى عمر بن الخطاب الخلافة، سلم قيادة جيوش الشام إلى أبي عبيدة بن الجراح. تقبل خالد الأمر وسلم القيادة إلى أبي عبيدة وتحول إلى جندي في جيشه، وأكمل الاثنان الفتوحات الإسلامية في الشام، وخاضوا الكثير من المعارك أهمها معركة اليرموك. بعد انتصارهم في اليرموك انهار الحكم البيزنطي في الشام، وأصبح الطريق مفتوحًا أمامهم لفتوحات العراق ومصر.
أبو عبيدة بن الجراح وفتح القدس
بعد فتح شمال الشام، أصبح بيت المقدس آخر معقل للروم في المنطقة. وكان جيش عمرو بن العاص يحاصر فلسطين، وبعد أن انتهى سيدنا أبو عبيدة بن الجراح من فتوحات شمال الشام، انطلق بجيشه إلى القدس. وعندما اشتد الحصار على الروم، طلب أساقفة القدس من أبي عبيدة حضور أمير المؤمنين عمر بن الخطاب، وسوف يسلموا له المدينة بدون قتال. وافق الفاروق وحضر إلى بيت المقدس، وتم فتح القدس في شهر ربيع الأول سنة 16 هـ.
وفاة أبو عبيدة بن الجراح
مات أمين الأمة أبو عبيدة بن الجراح رضي الله عنه، في طاعون عمواس بالشام الذي حدث في خلافة عمر بن الخطاب، سنة 18 هـ. وعندما أصيب بالوباء وشعر بقرب الأجل، أوصى المسلمين بالحفاظ على الصلاة والزكاة والتراحم فيما بينهم والاستعداد إلى الموت ولقاء الله. وتوفي وهو في عمر الثامنة والخمسين.
المصادر:
ابن حزم الأندلسي: جمهرة أنساب العرب.
ابن الأثير: أسد الغابة في معرفة الصحابة.
الذهبي: سير أعلام النبلاء.
ابن سعد: الطبقات الكبرى.
ابن الأثير: الكامل في التاريخ.
الطبري: تاريخ الأمم والملوك.
التعليقات
لا توجد تعليقات حتى الآن. كن أول من يعلق!
اترك تعليق