الصحابي الجليل أبو موسى الأشعري، واحد من كبار الصحابة الذين لعبوا دورًا مهمًا في الدولة الإسلامية. وكان النبي صلى الله عليه وسلم يحبه ويقدره ويحب قراءته للقرآن، فقد روي أنه قال عنه “لقد أوتي أبو موسى مزمارًا من مزامير آل داود”. وكان رضي الله عنه فقيهَا وقاضيًا حصيفًا ذكيًا، وعده العلماء من فقهاء وقضاة الأمة، فقال الشعبي “قضاة هذه الأمة أربعة: عمر وعلي وأبو موسى وزيد بن ثابت”.

 

نسبه

اسمه: عبد الله بن قيس بن سليم بن حضار بن حرب بن عامر بن عنز بن بكر بن عامر بن عذر بن وائل بن ناجية بن الجماهر بن الأشعر.

قبيلته: الأشعريين القحطانية.

موطنه الأصلي: اليمن.

كنيته: أبو موسى.

لقبه: الأشعري.

أمه: ظبية بنت وهب العكيّة.

زوجته:  أم كلثوم بنت الفضل بن العباس بن عبد المطلب.

أولاده: أبو بردة بن أبي موسى الأشعري، وأبو بكر بن أبي موسى الأشعري.

عمه: الصحابي أبو عامر الأشعري.

 

إسلام أبو موسى الأشعري

قدم أبو موسى رضي الله عنه إلى مكة قبل ظهور الإسلام، وحالف أبا أحيحة سعيد بن العاص بن أمية بن عبد شمس. أسلم في مكة ورحل إلى قبيلته في اليمن، ثم قدم إلى المدينة وقت غزوة خيبر. حيث خرج من اليمن هو وأكثر من 50 رجلًا من قبيلته، ومعه أخويه أبو بردة، وأبو رهم، وأمه ظبية، وركبوا سفينة لكنها جرفتهم إلى الحبشة. وكان هناك صحابة النبي على رأسهم جعفر بن أبي طالب، فركبوا جميعًا في سفينتين وعادوا إلى المدينة المنورة.

وقال النبي لأصحابه “يقدم عليكم غدًا قوم هم أرقُّ قلوبًا للإسلام منكم”. فقدِمَ الأشعريون ومعهم أبو موسى الأشعري، فلما اقتربوا من المدينـة جعلوا يقولـون: “غدًا نلقى الأحبّـة، محمّـدًا وحِزبه”.

ولما دخلوا المدينة وجدوا النبي صلى الله عليه وسلم عائدًا من غزوة خيبر. فأسهم لهم مثلهم مثل من حضر الفتح، وقال “لكم الهجرة مرتين. هاجرتم إلى النجاشي، وهاجرتم إليّ”.

وقد شارك أبو موسى في سرية أوطاس التي بعثها النبي بعد غزوة حنين بقيادة أبي عامر الأشعري لقتال فلول هوازن بقيادة دريد بن الصمة. قُتِل أبو عامر خلال السرية، وقتل أبو موسى قاتله، فدعا لهما النبي صلى الله عليه وسلم، فقال “اللهم اغفر لعبيد أبي عامر، اللهم اجعله يوم القيامة فوق كثير من خلقك”. ثم قال “اللهم اغفر لعبد الله بن قيس ذنبه، وأدخله يوم القيامة مُدخلاً كريمًا”.

وبعد ذلك استعمله النبي على مدينة زبيد وعدن باليمن مع معاذ بن جبل رضي الله عنه.

 

ولايته على البصرة والكوفة

بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم عاد من اليمن، وشارك في الفتوحات الإسلامية. ثم ولاه عمر بن الخطاب البصرة سنة 17 من الهجرة، بعدما عزل المغيرة بن شعبة. وخطب في الناس قائلًا “إن أمير المؤمنين عمر بعثني إليكم، أعلمكم كتاب ربكم، وسنة نبيكم، وأنظف لكم طرقكم”.

وكان أبو موسى يقرئ أهل البصرة ويفقههم في الدين. فقال عنه الحسن بن علي “ما أتى البصرة راكب خير لأهلها منه”. وظل أبو موسى والي البصرة حتى وفاة عمر رضي الله عنه.

ثم ولاه عثمان بن عفان رضي الله عنه، على الكوفة، فقال الأسود بن يزيد “لم أرَ بالكوفة من أصحاب النبي أعلم من عليّ بن أبي طالب والأشعري”.

 

دوره في الفتوحات

شارك أبو موسى الأِشعري في فتوحات بلاد فارس خلال خلافة عمر بن الخطاب. وحاصر مدينة أصبهان بجيشه فصالحه أهلها على الجزية. لكنهم كانوا يضمرون الشر ويخططون للهجوم على المسلمين، ففهم أبو موسى نواياهم، وعندما هموا بالهجوم، وجدوا جيش المسلمين متأهبًا وانتصر عليهم.

وفي فتح تستر سنة 20 من الهجرة، لعب أبو موسى دورًا بطوليًا. فقد تحصن الهرمزان داخل حصن وحاصره المسلمون دون جدوى. فلجأ أبو موسى لحيلة ذكية وأرسل 200 فارس مع عميل فارسي أغراه حتى يفتح لهم أبواب المدينة. وبالفعل نجحوا في فتحها واقتحم الجنود الحصن وانقضوا عليه. واستولى على المدينة خلال ساعات واستسلم قائد الفرس الهرمزان وأرسلوه إلى عمر في المدينة المنورة.

 

فضل أبي موسى الأشعري ومكانته

كان أبو موسى من حفظة القرآن وكان فقهيًا، فقال رضي الله عنه، “اتبعوا القرآن ولا تطمعوا في أن يتبعكم القرآن”. وكان صوته خلال القراءة يهز نفوس من يسمعه، فقال عنه النبي “لقد أوتي أبو موسى مزمارًا من مزامير آل داود”

وكان رضي الله عنه عابدًا يكثر الصيام خلال الأيام القائظة الحارة، وكان يقول “لعل ظمأ الهواجر يكون لنا ريّا يوم القيامة”.

وقال صفوان بن سليم “لم يكن يفتي في المسجد زمن رسول الله غير هؤلاء عمر وعلي ومعاذ وأبي موسى”.

كما روى رضي الله عنه الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فله في الصحيحين 49 حديثًا، وفي مسند بقي بن مخلد 163 حديث. كما روى عن أبو بكر وعمر وعلي وعثمان وابن عباس وغيرهم.

 

التحكيم بين علي ومعاوية

بعدما استشهد 70 ألف شهيد يوم صفين، لجأ جيش معاوية إلى رفع المصاحف على أسنة الرماح حتى تتوقف الحرب. وكانت هذه الحركة تعني اللجوء إلى كتاب الله للتحكيم بين علي ومعاوية. واتفق الفريقان على التحكيم واختار كل طرف من سيقوم بهذه المهمة. كان الصحابي الجليل عمرو بن العاص اختيار معاوية. أما علي بن أبي طالب رضي الله عنه، فاختار أبي موسى الأشعري وكان قاضي الكوفة ولم يشارك في القتال يوم صفين.

اتفق أبو موسى الأشعري وعمرو بن العاص على إيجاد حل لهذا الخلاف الكبير. لذلك كتبوا كتابًا بشكل مبدئي يتضمن أسس التحكيم. وبدأ أبو موسى يملي الكتَّاب، وعندما قال: اكتب “هذا ما قضى عليه علي بن أبي طالب أمير المؤمنين”، اعترض عمرو على ذلك، وقال: “اكتب اسمه واسم أبيه، هو أميركم، وليس أميرنا”. وكان اعتراضه لأنه لم يبايع علي بالخلافة من الأساس وإلا لما خرج عليه وقاتله. اعترض الأحنف بن قيس وتمسك بكتابة “أمير المؤمنين”، لكن علي رضي الله عنه وافق لرغبته في التوصل لحل وحقن دماء المسلمين.

أخذ الحكمان موافقة الجميع على بنود الوثيقة، وتم الاتفاق على أن تكون جلسة التحكيم في شهر رمضان من نفس العام. أي بعد صفين تقريبًا بـ 6 شهور، حتى تهدأ النفوس. وبالفعل اجتمعوا في رمضان ، وكان يحضر التحكيم عدد من الصحابة مثل عبد الله بن عمر، عبد الله بن الزبير، عبد الله بن عباس، الأحنف بن قيس، المغيرة بن شعبة، وغيرهم.

كان أبو موسى صحابي تقي وشجاع قاد المسلمين في معارك الفرس وتولى البصرة والكوفة. وهذا يعني أنه كان شخص ذو عقل حكيم ورأي سديد، ولا يستطيع أحد التلاعب به. عكس ما تم تداوله بأن عمرو بن العاص خدعه خلال التحكيم، وجعله يخلع علي وثبت هو معاوية، فهذه كلها روايات شيعية تم نقلها عن أبو مخنف لوط بن يحي، الذي وصفه العلماء بأنه كاذب يفتري على الصحابة ولا يؤخذ عنه.

 

وفاة أبو موسى الأشعري

اختلفت العلماء في تاريخ وفاة أبي موسى، فقيل مات سنة 42 هـ، وقيل سنة 44 هـ، وقيل سنة 50 هـ، وقيل سنة 53 هـ. لكن الراجح أن وفاته كانت في ذي الحجة سنة 44 هـ. واختلفوا أيضًا في مكان وفاته فقيل بالكوفة وقيل بمكة.

 

 

المصادر:

ابن سعد: الطبقات الكبرى.

ابن عساكر: تاريخ دمشق.

الذهبي: سير أعلام النبلاء.

ابن كثير البداية والنهاية.

موقع قصة الإسلام: أبو موسى الأشعري.

 

الوسوم :

التعليقات

لا توجد تعليقات حتى الآن. كن أول من يعلق!

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات مشابهة

عرض جميع المقالات