كانت ذات النطاقين أسماء بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنهما، من الصحابيات السابقين الأولين في الإسلام. ولدت قبل الهجرة بـ 27 سنة، وهي أخت السيدة عائشة زوجة رسول الله صلى الله عليه وسلم، من أبيها، وزوجة الزبير بن العوام، وأم عبد الله بن الزبير. عُرِفت رضي الله عنها بقوة شخصيتها وتحملها وصبرها، وكان لها دور مهم خلال الهجرة النبوية.
نسب أسماء بنت أبي بكر
اسمها: أسماء بنت أبي بكر الصديق بن أبي قحافة عثمان بن عامر بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك القرشية التيمية.
لقبها: ذات النطاقين.
أبوها: أبو بكر الصديق أول خليفة لرسول الله.
أمها: قتيلة بنت عبد العزى بن أسعد بن جابر بن مالك..
إخوتها: عبد الله، عبد الرحمن، محمد، السيدة عائشة، أم كلثوم.
أبناؤها: عبد الله بن الزبير، عروة بن الزبير، المنذر بن الزبير، عاصم بن الزبير، المهاجر بن الزبير، خديجة الكبرى، أم الحسن، عائشة.
دور أسماء بنت أبي بكر خلال الهجرة.
هاجر النبي صلى الله عليه سلم، وبرفقته أبي بكر الصديق ليلة 27 صفر سنة 14 من الهجرة. وأخذ أبو بكر كل ماله، ولم يترك في بيته شيئًا، وكان ماله تقريبًا 6 آلاف. وعندما علمت قريش بخروج النبي، ذهبوا إلى بيت أبي بكر، فقابلتهم السيدة أسماء. وعندما سألها أبو جهل عن أبيها ولم تجبه، ضربها.
وتحكي ذات النطاقين هذه القصة قائلة: “ولما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأبو بكر، أتانا نفر من قريش فيهم أبو جهل بن هشام، فوقفوا على باب أبي بكر، فخرجتُ إليهم فقالوا: “أين أبوك يا ابنة أبي بكر؟”. قلت: “لا أدري والله أين أبي”. فرفع أبو جهل يده وكان فاحشًا خبيثًا، فلطم خدي لطمة طرح منها قرطي ثم انصرفوا”.
وكانت رضي الله عنها، إذا دخل الليل، تذهب إليهم سرًا في غار ثور محملة بالطعام والماء، دون خوف من ظلمة الليل والجبال، لشدة إيمانها بالله. وعندما أراد أبو بكر ربط الطعام من أجل السفر، لم يجد شيء يربط به، فقامت السيدة أسماء بشق نطاقها إلى نصفين، فربطت بنصفه الطعام، لذلك سميت بذات النطاقين. وقال لها النبي صلى الله عليه وسلم، “أبدلك الله بنطاقك هذا نطاقين في الجنة”.
ورغم رغبتها في مرافقة أبيها إلى المدينة والهجرة معه، لكنها ظلت مع زوجها الزبير بن العوام في مكة. ولم تهاجر إلا في شوال سنة 1 من الهجرة، وقيل سنة 2 من الهجرة. وكانت حامل في آخر أيامها بابنها عبد الله، فولدته في قباء قبل دخولها المدينة، وبذلك كان أول مولود للمهاجرين في المدينة. وقد استبشر المسلمون بولادة عبد الله بن الزبير، لأنه كان لا يولد لهم مولود منذ فترة طويلة، حتى قال بعضهم أنه أصابهم سحر اليهود. أخذت السيدة أسماء ابنها إلى النبي فباركه وحنكه بتمرة، وسماه عبد الله على اسم جده أبي بكر.
زواجها من الزبير بن العوام
تزوجت أسماء بنت أبي بكر الصديق من الزبير بن العوام، قبل هجرة أبيها برفقة رسول الله إلى المدينة المنورة. وكان الزبير معروفًا بغيرته الشديدة عليها، فكانت تشكوا لأبيها، فيقول لها “يَا بُنَيَّةُ اصْبِرِي فَإِنَّ الْمَرْأَةَ إِذَا كَانَ لَهَا زَوْجٌ صَالِحٌ ثُمَّ مَاتَ عَنْهَا فَلَمْ تَزَوَّجْ بَعْدَهُ جُمِعَ بَيْنَهُمَا فِي الْجَنَّةِ”.
وكان أيضًا فقيرًا لا يملك شيء سوى فرسه، أما السيدة أسماء فنشأت في عزٍ وكان عندها من يخدمها في بيت أبيها. لذلك تقول رضي الله عنها، أنها لم تكن تعرف صنع الخبز، فكان نساء الأنصار يصنعوه لها. وكانت تتولى أيضًا كل أمور البيت، فكانت تعجن، وتسقي الفرس وتعلفه، وتحمل النوى على رأسها.
وذات يوم رآها رسول الله وكان معه نفر من الأنصار، وهي تسير حاملة النوى، فأشفق عليها وأراد أن يحملها خلفه، لكنها استحييت منه ورفضت. ولما عادت ذكرت للزبير ما حدث، فقالت “لقيني رسول الله صلى الله ليه وسلم، وعلى رأسي النوى، ومعه نفر من أصحابه، فأناخ لأركب، فاستحييت منه وعرفت غيرتك. فقال الزبير: والله لحملك النوى كان أشد علي من ركوبك معه”. ثم أرسل لها أبو بكر خادمًا لمساعدتها ويقوم على أمر الفرس، فكأنه أعتقها حسب وصفها.
بعد إنجابها ابنها الصغير عروة، تطلقت السيدة أسماء بنت أبي بكر من زوجها الزبير. واختلف العلماء في سبب طلاقها، فقال البعض أن الزبير ضربها، فاستغاثت بابنها عبد الله، فأقبل عليها. فقال أبوه: “أمك طالق إن دخلت، فقال عبد الله: أتجعل أمي عرضة ليمينك، فدخل وخلصها منه”. وقيل أن عبد الله قال لأبوه مثلي لا توطأ أمه”، فطلقها.
موقفها من خلافة ابنها
بعد وفاة يزيد بن معاوية سنة 64 من الهجرة، بويع عبد الله بن الزبير بالخلافة، وبايعته معظم الدولة الإسلامية باستثناء بعض مناطق الشام، وجعل مكة عاصمة دولته. ثم دخل في حروب طويلة مع الدولة الأموية، واستولوا على كل ملكه، حتى حاصروه في مكة. وضرب الحجاج بن يوسف الثقفي مكة المكرمة بالمنجنيق بأمر من عبد الملك بن مروان.
ومع الوقت وشدة الحصار والتعرض لمجاعة قاتلة، انصرف الناس عنه، وخذله أصحابه. فدخل على أمه أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها، وقال “يا أماه قد خذلني الناس حتى ولدي وأهلي ولم يبق معي إلا اليسير ومن ليس عنده أكثر من صبر ساعة، والقوم يعطونني ما أردت من الدنيا، فما رأيك؟”. فقالت رضي الله عنها: “أنت أعلم بنفسك، إن كنت تعلم أنك على حق وإليه تدعو فامض له فقد قتل عليه أصحابك، ولا تمكن من رقبتك يتلعب بها غلمان بني أمية. وإن كنت إنما أردت الدنيا فبئس العبد أنت أهلكت نفسك ومن قتل معك. وإن قلت كنت على حق فلما وهن أصحابي ضعفت فهذا ليس فعل الأحرار ولا أهل الدين، كم خلودك في الدنيا! القتل أحسن!”.
مقتل عبد الله بن الزبير
قبَّل عبد الله رأس أمه، ثم انصرف إلى القتال، وظل يقاتل حتى قُتِل في 17 جمادى الأول سنة 73 من الهجرة. ثم أرسل الحجاج إلى السيدة أسماء كي تذهب إليه فأبت، فأرسل إليها قائلًا: “لتأتيني أو لأبعثن إليك من يسحبك بقرونك”. فلما رفضت أيضًا، ذهب هو إليها فقال “كيف رأيتني صنعت بعدو الله”. فقالت رضي الله عنها “رأيتك أفسدت عليه دنياه وأفسد عليك آخرتك… أما إن رسول الله صلى الله عليه وسلم، حدثنا أن في ثقيف كذابًا ومبيرًا. فأما الكذاب فرأيناه، وأما المبير فلا إخالك إلا إياه”. فقام الحجاج وذهب ولم يرد عليها.
ولما علم عبد الملك بن مروان بما فعله الحجاج معها، أرسل إليه قائلًا: “مالك وابنة الرجل الصالح؟”. ثم أمره أن ينزل جثة عبد الله بن الزبير المصلوبة، فأخذته وغسلته ودفنته.
وفاة أسماء بنت أبي بكر
عاشت ذات النطاقين رضي الله عنها، عمرًا طويلًا بلغ المائة عامًا. وهناك من قال بأنها فقدت بصرها في آخر حياتها، لكن أنكره آخرون وقالوا بأنها لم تفقد لا بصرها ولا حتى سن لها. توفيت رضي الله عنها بعد دفنها لابنها بأيام قليلة، وكانت آخر من مات من المهاجرات والمهاجرين.
المصادر:
ابن كثير: البداية والنهاية.
ابن سعد: الطبقات الكبرى.
الذهبي: سير أعلام النبلاء.
صحيح البخاري، كتاب النكاح، باب الغيرة.
صحيح مسلم، كتاب فضائل الصحابة، باب ذكر كذاب ثقيف ومبيرها.
موقع إسلام ويب: أسماء بنت أبي بكر.
التعليقات
لا توجد تعليقات حتى الآن. كن أول من يعلق!
اترك تعليق
لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *