الصحابي الجليل أنس بن مالك رضي الله عنه، خادم الرسول صلى الله عليه وسلم، ومن أكثر الصحابة رواية للحديث. حيث روى عن النبي 2286 حديث، ونقل لنا كثير من أفعاله وأقواله الشريفة، بفضل ملازمته له في الحضر والسفر. لهذا يحظى رضي الله عنه بقيمة ومكانة رفيعة لدى المسلمين.

 

من هو أنس بن مالك؟

ولد سيدنا أنس بن مالك النجاري الأنصاري في يثرب قبل هجرة النبي إليها بـ 10 سنوات. فقامت أمه “أم سليم” بتقديمه للنبي ليكون خادمه، وكان وقتها ابن عشر سنوات. وقالت له “يا رسول الله. هذا أُنيس ابني غلام لبيب كاتب، أتيتك به يخدمك، فادع الله له”، فقبله رسول الله صلى الله عليه وسلم، ودعا له قائلاً ” اللهم أكثر ماله وولده وأطل عمره واغفر ذنبه”.

خدم الصحابي الجليل أنس بن مالك النبي محمد مدة 10 سنوات، وهي فترة عيش النبي بالمدينة. كان النبي يحبه ويعامله مثل ولده، وكان يناديه قائلًا: “يا بني”، وكناه بأبي حمزة. من شدة حب النبي لابن مالك خصه ببعض الأحاديث، ولم يعنفه أو يضربه قط.

 

نسب أنس بن مالك

اسمه: أنس بن مالك بن النضر بن ضمضم بن زيد بن حرام بن جندب بن عامر بن غنم بن عدي بن النجار. يلتقي نسبه مع النبي في عامر بن غنم بن عدي النجار.

كنيته: أبو حمزة، أو أبو ثمامة.

قبيلته: بني النجار وهي واحدة من بطون قبيلة الخزرج.

أبوه: مالك بن النضر، قُتِل في الجاهلية.

أمه: أم سليم مليكة بنت ملحان النجارية.

أخوته: البراء بن مالك، أبو عمير بن أبي طلحة، وعبد الله بن أبي طلحة الأنصاري.

عمه: أنس بن النضر.

زوجته: زينب بنت نبيط.

أبناؤه: موسى، أبو بكر، النضر.

 

أبناء أنس بن مالك

دعا النبي صلى الله عليه وسلم لسيدنا أنس بن مالك بالبركة في المال والولد، وقد تحقق بالفعل. فقد كان نسله كثير جدًا، تجاوز المائة في حياته، لكن مات منهم عدد كبير. قيل مات من أبنائه وأحفاده 129 ولدًا، منهم أكثر من 70 فردًا في الطاعون الذي أصاب البصرة سنة 96 هـ.

اشتهر أبناء سيدنا أنس براوية الحديث أيضًا، مثل النضر بن أنس بن مالك، وأبو بكر بن أنس بن مالك، وعبيد الله بن أنس بن مالك. كما اشتهر أحفاده أيضًا بذلك مثل، حفص بن عبيد الله بن أنس بن مالك، وثمامة بن عبد الله بن أنس بن مالك.

بارك الله له في ماله أيضًا، بفضل دعوة النبي، فترك بعد وفاته بستانًا كان يثمر مرتين في العام. وبئرًا من أعذب آبار المدينة، كانت تمسى “البرود” في الجاهلية.

 

أنس بن مالك في حياة النبي

لم يكتف الصحابي أنس بن مالك رضي الله عنه بكونه خادمًا لرسول الله، لكنه أيضًا شهد معه المشاهد كلها. في غزوة بدر كان غلام صغير لا يصلح للقتال، لكنه خرج للمشاركة في خدمة النبي والمقاتلين. بعد بدر شارك في كل الغزوات والأحداث الهامة مثل: أحد، خيبر، حنين، الطائف، صلح الحديبية، بيعة الرضوان، عمرة القضاء، فتح مكة، وحجة الوداع. وظل رضي الله عنه مصاحبًا للنبي وظلًا له، يرافقه ويحسن خدمته.

 

حياته في عهد الخلفاء الراشدين

بعد وفاة النبي تولى أبو بكر الصديق أمور المسلمين، وبدأ عهده بحروب الردة، وهم الذين امتنعوا عن دفع الزكاة أو تركوا الإسلام. فشارك خادم رسول الله، سيدنا أنس رضي الله عنه في تلك الحروب، وعلى رأسها معركة اليمامة، وكان أحد الرماة الماهرين. بعد أن هدأ وضع الدولة الإسلامية أرسله خليفة رسول الله أبو بكر الصديق إلى البحرين، ليكون مسؤولًا عن الزكاة وجباية الأموال. استشار أبو بكر سيدنا عمر في اختياره لأنس، فقاله له عمر “ابعثه فإنه، لبيب كاتب”. ظل ابن مالك في بلاد البحرين ولم يرجع إلى المدينة إلا بعد وفاة أبي بكر، فبايع أمير المؤمنين عمر بن الخطاب، وسلمه الأموال، ثم عاد مرة ثانية إلى البحرين.

كان للصحابي الجليل أنس بن مالك رضي الله عنه، دور أيضًا في الفتوحات الإسلامية في الشام والعراق. فشهد فتح فارس والعراق وتستر، وحضر معركة القادسية. بعد الانتصار تولى ابن مالك مهمة أخذ الهرمزان أسيرًا والذهاب به إلى أمير المؤمنين في المدينة المنورة. بعد انتهاء الفتوحات عاش أنس بن مالك في البصرة، وأخذ يحدث أهلها بما حفظ من أحاديثٍ عن رسول الله.

 

أنس بن مالك والحجاج

تعرض الصحابي الجليل أنس بن مالك رضي الله عنه، لمحنة على يد القائد الأموي الحجاج بن يوسف الثقفي. حدث ذلك بعد ثورة عبد الرحمن بن الأِشعث ضد الدولة الأموية، فبينما كان الحجاج يجمع أهل البصرة، رأى ابن مالك فقال له “خبيث، جوال في الفتن، مرة مع علي، ومرة مع ابن الزبير، ومرة مع ابن الأشعث، أما والذي نفسي بيده، لأستأصلنك كما تستأصل الصمغة، ولأجردنك كما يجرد الضب”. فقال سيدنا أنس “من يعني الأمير؟”، قال: “إياك أعني، أصم الله سمعك”، فقال أنس “إنا لله وإنا إليه راجعون”. ثم أمر الحجاج أن يمكسوه ويختموا على يده، وقيل على عنقه  “عتيق الحجاج”، حتى يذله.

اشتكى سيدنا أنس الحجاج إلى خليفة الأمويين عبد الملك بن مروان وكتب له ” إني خدمت رسول الله تسع سنين، والله لو أن النصارى أدركوا رجلاً خدم نبيهم، لأكرموه، وإن الحجاج يعرض بي حوكة البصرة”. غضب عبد الملك بن مروان من الحجاج غضبَا شديدًا وأرسل له أن يعتذر من ابن مالك. ذهب الحجاج ليعتذر وقال له “يا أبا حمزة غضبت؟”، قال “أغضب تعرضني لحوكة البصرة”. فقال الحجاج: «يا أبا حمزة، إنما مثلي ومثلك كقول الذي قال: إياك أعني، واسمعي يا جارة، أردت أن لا يكون لأحد علي منطق، أردت أن يعلم أهل العراق إذ كان من ابنك ما كان، وإذ بلغت منك ما بلغت أني إليهم بالعقوبة أوسع”.

 

عبادته وروايته للحديث

كان الصحابي الجليل أنس بن مالك شديد التعبد ويشبه رسول الله في صلاته. فعن أبي هريرة قال “ما رأيت أحدًا أشبه بصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، من ابن أم سليم”.

بعد ولايته للبحرين تفرغ ابن مالك لرواية الحديث، وتجمع حوله الطلاب في البصرة، وأحصوا عنه. قال العلماء روى عنه أكثر من 100 راوٍ للحديث. له 2286 حديث في مسند بقي بن مخلد، اتفق البخاري ومسلم على 180 حديث، وانفرد مسلم بـ 90 حديث، والبخاري بـ 80 حديث.

 

وفاة أنس بن مالك

أصيب الصحابي الجيل وخادم رسول الله أنس بن مالك بمرض البرص في آخر حياته. توفي في خلافة الوليد بن عبد الملك، بالبصرة سنة 90هـ، وقيل سنة 91 هــ وقيل سنة 93هـ. مات وهو يناهز المائة عام، وكان طويل العمر، لأن رسول الله دعا له بذلك. وكان أخر من مات من أصحاب رسول الله في البصرة، وآخر من صلى إلى القبلتين. أوصى قبل موته أن يصلي عليه محمد بن سيرين، وأن تدفن معه عصا النبي محمد صلى الله عليه وسلم.

 

 

 

المصادر:

ابن الأثير: أسد الغابة في معرفة الصحابة.

ابن سعد: الطبقات الكبرى.

الذهبي: سير أعلام النبلاء.

ابن حجر: الإصابة في تمييز الصحابة.

 

الوسوم :

التعليقات

لا توجد تعليقات حتى الآن. كن أول من يعلق!

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات مشابهة

عرض جميع المقالات