كانت التنظيمات السياسية والإدارية والفتوحات الإسلامية أهم أعمال عمر بن الخطاب رضي الله عنه. فقد كان أمير المؤمنين أحد أهم عباقرة السياسة في التاريخ الإسلامي والعالمي. وكانت خلافته مليئة بالإنجازات والتحديثات التي لم تحدث من قبل. ولم يتوقف الأمر على فتوحاته العظيمة وطرده للبيزنطيين من المنطقة العربية، وقضائه على الإمبراطورية الفارسية، لكن أيضًا قيامه بتأسيس دولة كبيرة وتنظيمها إداريًا وسن القوانين التي جعلتها صامدة لقرون طويلة.
التنظيمات السياسية والإدارية
تقسيم الدولة لأقاليم: من أهم إنجازات عمر بن الخطاب أنه قسم الدولة الإسلامية إلى أقاليم، ثم قسم الأقاليم إلى مقاطعات أصغر. وكان عدد الأقاليم خمسة ( الشام، العراق، فارس، إفريقية، الجزيرة العربية). وجعل على كل إقليم والي اختاره بناء على صلاحه وقدرته على إدارة شؤون البلاد، ونصح ولاته بحسن معاملة الناس والرفق بهم. لم يتوقف الأمر هنا، بل كان يرسل المفتشين إلى الولايات، كي يراجعون أعمال الولاة.
إنشاء الدواوين: كما أنشأ رضي الله عنه نظام الدواوين مثل، ديوان الرسائل، وديوان الجند، وديوان الجباية، وديوان الأموال أو بيت المال. فبعد احتكاك المسلمين بالفرس والبيزنطيين، أخذوا منهم ما ينفع دولتهم. واختلف العلماء في العام الذي استحدث فيه نظام الدواوين، فقال الطبري سنة 15 من الهجرة، وقال الماوردي سنة 20 من الهجرة.
تحديث البريد: على الرغم أن البريد كان موجودًا منذ عهد النبي صلى الله عليه وسلم، فكان يرسل الرسائل إلى الملوك مختومة بخاتمه. لكن عمر بن الخطاب استحدث بعض الأمور، فبعد اتساع رقعة الدولة، قسم الطرق إلى محطات بريدية، في كل محطة حرس وزاد وماء، وبين كل محطة وأخرى 12 ميلًا.
نظام الشورى: تمسك عمر رضي الله عنه، بنظام الشورى فكان يقول “لا خير في أمرٍ أبرم من غير شورى”. وجعل بجواره مجموعة من كبار الصحابة، ليستشيرهم في كل أمور الدولة، فلم يقدم على أمر بدون مشورتهم. وكان أمير المؤمنين يستشير النساء ويقدرهم مثلما يستشير الرجال، فكان يأخذ برأي الشفاء بنت عبد الله العدوية، ويرضى برأيها.
تنظيم الجيش
كان من أهم أعمال عمر بن الخطاب تنظيم الجيش، حيث قسمه إلى فرق، وكل فرقة مكونة من 4 آلاف جندي، ووزعهم على الأمصار. كما نظم الرتب في الجيش، فاستحدث رتب مثل “أمير الجيش”، و “أمير الكردوس”، و “القائد”.
كما استحدث أسلحة جديدة أخذها من الفرس والروم مثل، سلاح المنجنيق والدبابة وأكباش الدك وأبراج الحصار. وأنشأ مراكز عسكرية في كل المدن، بني فيها ثكنات لإقامة العساكر. ثم أنشأ ديوان الجند، وكان خاص بتخصيص الرواتب للمقاتلين وكفالة معيشتهم هم وعائلاتهم حتى يتفرغوا للحرب. وكان هذا من أهم إنجازات عمر بن الخطاب العسكرية.
الشرطة والأمن
إنشاء السجون: يعتبر عمر بن الخطاب أو خليفة يؤسس نظام الحبس وعرف وقتها “بالسجن”، حيث كان المتهمون في السابق يحبسون في المسجد.
نظام العسس: يعتبر هذا النظام نواة لتأسيس الشرطة، حيث كان الفاروق أول من أدخل نظام العسس والتجول ليلًا، لمراقبة الناس ومساعدة القاضي في إثبات التهم. وكان عبد الله بن مسعود أو عساس في الإسلام، والعسس هو الطواف ليلًا.
القضاء
كان عمر يتولى بنفسه الفصل بين الناس، لكن لما اتسعت رقعة الدولة أصبح من الصعب عليه القيام بذلك. لذلك عمد رضي الله عنه إلى فصل نظام القضاء عن الولايات، وعين القضاة. فعين أبا الدرداء على قضاء المدينة المنورة، وعثمان بن أبي العاص على قضاء مصر، وشريح الكندي على قضاء الكوفة، وأبا موسى الأشعري على قضاء البصرة. كما سنَّ عمر رضي الله عنه، قوانين يرجع إليها القضاة في إصدار الأحكام. والأهم أنه حثهم على العدل، وفرض لهم الرواتب التي تعينهم وتجعلهم يتفرغون إلى القضاء فقط.
التقويم الهجري
كان تأسيس التقويم الهجري من أهم أعمال سيدنا عمر بن الخطاب في السنة السابعة عشر من الهجرة. وذكر البعض أن سبب قيامه بذلك أن أبا موسى الأشعري قال لعمر أنه يأتيني منك كتب بدون تاريخ. لذلك قام عمر رضي الله عنه بجمع الناس، فقال بعضهم “أرخ بالمبعث”، وقال البعض الآخر “أرخ بالهجرة” وكان منهم علي بن أبي طالب، فقال عمر “الهجرة فرقت بين الحق والباطل، فأرخوا بها”. ثم اقترح الناس أن تبدأ السنة بشهر رمضان، فقال عمر “بل بالمحرم فإنه منصرف الناس من حجهم”.
الفتوحات الإسلامية
كانت الفتوحات من أهم أعمال عمر بن الخطاب رضي الله عنه. وقد توسعت وامتدت إلى الشرق والغرب كالتي:
فتح الشام
كانت فتوحات الشام بدأت في عهد أبي بكر الصديق رضي الله عنه، وبعد وفاته استكمل الفاروق فتح باقي المدن.
فتح دمشق: حاصرها الجيش الإسلامي بعد عودته من الأردن، في شهر محرم سنة 14 من الهجرة. وقد وقف كل قائد بجيشه على جهة من جهاتها، فحاصرها أبو عبيدة بن الجراح، وشرحبيل بن حسنة، وخالد بن الوليد، وعمرو بن العاص، ويزيد بن أبي سفيان. واستمر حصار دمشق 70 يومًا، ثم هربت الحامية البيزنطية ووجد الأهالي أنفسهم أمام المسلمين بدون حماية، فاستسلموا.
فتح بعلبك وحمص: حاصر أبو عبيدة وخالد بن الوليد بعلبك، حتى استسلم أهلها في 25 ربيع الأول سنة 15 من الهجرة. ثم توجها إلى حمص، واشتبك خالد مع قوة عسكرية وهزمها، ثم فرضا الحصار على المدينة. قفل أهل حمص أبوابها وانتظروا وصول مساعدات الامبراطور لكن دون جدوى. ثم انتظروا فصل الشتاء حتى يغادر المسلمون من شدة البرد، لكنهم تعرضوا لزلزال وتهدمت بعض منازلهم. فاضطروا إلى الاستسلام وطلبوا الصلح مقابل دفع الجزية.
فتح الأردن: نجح المسلمون بقيادة شرحبيل بن حسنة في فتح الأردن كاملة. ولم يتبقى إلا طبرية وفتحها أبو عبيدة عن طريق الصلح مع أهلها. وفي رجب سنة 15 من الهجرة، كانت معركة اليرموك بين المسلمون والروم، وحقق الجيش الإسلامي انتصارًا عظيمًا؛ فتح الباب لفتوحات الشام.
فتح بيت المقدس: حاصر الجيش الإسلامي بيت المقدس شهورًا طويلة دون جدوى، حتى استسلم حاكمها مقابل شرط معين. وكان شرطه أن يتسلم خليفة المسلمين عمر بن الخطاب مفتاح المدينة بنفسه. فسافر سيدنا عمر إلى فلسطين وصالح أهلها، وكتب لهم العهدة العمرية وأعطاهم الأمان. ثم تسلم مفاتيح المدينة وتم فتح القدس سنة 16 من الهجرة.
فتح العراق
توجه المثنى بن حارثة إلى المدينة المنورة كي يطلب المدد من أبي بكر، لكن وجده مريضًا. وبعد دفن أبي بكر، دعا عمر الناس للتطوع في جيش المثنى، لكن لم يستجب له أحد، فقد كان العرب يهابون الفرس. وظل يدعوهم ثلاثة أيام وكان أبو عبيدة الثقفي أول من تطوع، ثم بدأ الناس يقتضون به حتى اجتمع 1000 رجل. سارع المثنى بالعودة إلى الحيرة، ثم لحق به الجيش بقيادة أبو عبيدة. ودارت عدة معارك بين الفرس والمسلمون، مثل معركة النمارق ومعركة السقاطية وباقسياثا، ومعركة البويب، ومعركة القادسية وكان النصر فيها حليفًا للمسلمين.
بعد القادسية، نجح المسلمون في فتح المدائن عاصمة الفرس، ثم فتحوا حلوان وجلولاء والأبلة والبصرة. وبذلك يكون تم فتح كل العراق، وظل يزدجرد كسرى فارس يهرب من مدينة إلى أخرى، حتى استقر بخراسان.
فتح فارس
لم يرغب عمر بن الخطاب في تجاوز الحدود بين العراق وفارس ( إيران حاليًا). وكان رضي الله عنه، يقول “وددت لو أن بيننا وبين فارس جبلًا من نار، لا يصلون إلينا منه، ولا نصل إليهم”. لكن الفرس كانوا يخططون للعودة واسترداد ما أخذه المسلمون منهم، وقاموا بالتمرد. فقد علقوا أمالهم على وجود يزدجرد، وأنه سيحيي الامبراطورية الفارسية من جديد.
ظل المسلمون يحاصرون مدن فارس ويفتحون مدينة وراء أخرى، ففتحوا الأهواز ونهاوند وهمذان وأصبهان وكرمان وسجستان وطبرستان ومكران وأذربيجان. وكانت المحطة الأخيرة فتح خراسان سنة 22 من الهجرة، والتي بفتحها تم القضاء على الامبراطورية الفارسية للأبد وهرب كسرى فارس إلى الترك.
فتح مصر
كان فتح مصر بين عامي 19 هـ، و 21 هـ، على يد عمرو بن العاص، الذي نجح في انتزاع حكمها من يد البيزنطيين. وبعد أن كانت مصر تحت وطأة الروم، دخلت تحت عباءة الإسلام. ثم دخل أهل مصر الدين الإسلامي، وتحولت مصر لدولة إسلامية عظيمة.
ليبيا
فتح برقة: لم يكن فتح ليبيا مخططًا له مسبقًا، ويعود السبب إلى تأمين حدود مصر الغربية من الحامية البيزنطية أو ربما إلى الرغبة في التوسع أكثر داخل إفريقيا ونشر الإسلام. فبعد أن انتهى عمرو بن العاص من فتح مصر والسيطرة على الوضع فيها، توجه إلى برقة وكانت تحت سيطرة البيزنطيين وتسكنها قبيلة لواتة البربرية. وتم فتح برقة سنة 22 من الهجرة، ثم أرسل عمرو قواته إلى أجزاء مختلفة. أرسل عقبة بن نافع إلى زويلة، وعبد الله بن الزبير إلى مصراتة، وبسر بن أرطاة إلى ودان. ونجح القادة المسلمون في فتح هذه المدن وضمها للدولة الإسلامية.
فتح طرابلس: كانت مدينة طرابلس مرفأ حصين وفيها حامية بيزنطية كبيرة. تحصن البيزنطيون داخل المدينة وأقفلوا أبوابها، وانتظروا وصول المساعدات عن طريق البحر. مضت أسابيع من الحصار، ولم تحصل الحامية على أي إمدادات من القسطنطينية، فتعرضوا للجوع والإجهاد الشديد. ونجح المسلمون في اقتحام طرابلس بقيادة عمرو بن العاص بعد شهر من الحصار. وبعد أن سيطروا على الوضع في المدينة، فتحوا المناطق المحيطة مثل سيرت والزاوية وغريان وجبل نفوس وسبرة.
المصادر:
ابن سعد: الطبقات الكبرى.
البلاذري: فتوح البلدان.
الطبري: تاريخ الطبري.
ابن كثير: البداية والنهاية.
الواقدي: فتوح مصر.
المقريزي: المواعظ والاعتبار.
ابن عبد الحكم، تحقيق: فُتُوح مصر وأخبارها.
موقع قصة الإسلام: فتوحات الشام في عهد عمر بن الخطاب.
موقع موضوع: أهم فتوحات عمر بن الخطاب.
قصة الإسلام: فتوحات إفريقية في عهد عمر بن الخطاب.
التعليقات
لا توجد تعليقات حتى الآن. كن أول من يعلق!
اترك تعليق
لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *