يعتبر تأسيس الدولة الأموية من أهم أعمال معاوية بن أبي سفيان، ليصبح أول ملك في الإسلام. كان من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن كتاب وحيه، وكان صاحب شخصية ورأي فتولى قيادة الجيوش وافتتح البلدان. تولى ولاية الشام في عهد عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان، فأحسن حكمها. وهو أيضًا صاحب فكرة تأسيس أسطول بحري حتى يستطيع المسلمون غزو البحر وتحقيق انتصارات مثل معركة ذات الصواري مع البيزنطيين.
كتابة الوحي
كان معاوية بن أي سفيان يعلم القراءة والكتابة بفضل اهتمام أبيه بتعليمه في صغره. لذلك كان من كتاب الوحي لرسول الله صلى الله عليه وسلم، مثله مثل زيد بن ثابت، وأبي بن كعب، وعلي بن أبي طالب، وغيرهم. كما كان يتولى كتابة رسائل رسول الله إلى عرب البادية.
رواية الحديث
بعد فتح مكة لازم معاوية النبي محمد، فحفظ عنه الكثير من الأحاديث. فعن معاوية بن أبي سفيان أن النبي صلى الله عليه وسلم قال، “المؤذنون أطول الناس أعناقًا يوم القيامة”.
مشاركته في الفتوحات
بعد إسلام معاوية شهد مع رسول الله المشاهد والغزوات، فشارك في غزوة حنين والطائف وتبوك. وفي عهد أبي بكر الصديق رضي الله عنه، شارك في حروب المرتدين وشهد معركة اليمامة. ثم أرسله أبو بكر بالمدد إلى بلاد الشام لأخية يزيد بن أبي سفيان، فشهد معه فتوحات الشام ومعركة اليرموك.
وفي عهد عمر بن الخطاب، شارك معاوية في فتح بيت المقدس، وشهد العهدة العمرية. ثم قاد الجيش في فتح قيسارية، وبعد وفاة أخيه يزيد سلمه عمر بن الخطاب دمشق وجعله أميرًا عليها، ثم فتح عسقلان وباقي فلسطين.
إنشاء أول أسطول بحري
بعد فتوحات الشام وطرد البيزنطيين منها، كان معاوية يتطلع إلى فتح باقي المدن الساحلية مثل عكا وصور التي كان البيزنطيون يسيطرون عليها. وعرض فكرة ركوب البحر على عمر بن الخطاب لكنه رفض خوفًا على جيش المسلمين من الهلاك، بسبب عدم خبرتهم في الحروب البحرية.
ولما تولى عثمان بن عفان الخلافة، عرض عليه معاوية الأمر مرة ثانية من أجل حماية الشواطئ الإسلامية والمدن الساحلية من هجمات البيزنطيين. وافق عثمان على ذلك، لكنه طلب منه ألا يجبر أحد على المشاركة معه.
وبدأ المسلمون يؤسسون أول أسطول بحري لقتال الروم في عرض البحر وفتح الجزر مثل قبرص ورودوس وغيرها. وفي بداية الأمر كان الأسطول يتكون من بقايا السفن التي تركها الروم خلفهم في الشام، ثم بدأ المسلمون يبنون دورًا لصناعة السفن.
ولاية الشام
كان يزيد بن أبي سفيان وشرحبيل بن حسنة وأبو عبيدة بن الجراح وخالد بن الوليد، يتولون الأمور في الشام. ولما مات يزيد ولى عمر أخيه معاوية مكانه. واستمر حكم معاوية على الشام 20 سنة كأمير ولاية تحت حكم الخلفاء الراشدين. ثم حكم الشام والدولة الإسلامية كاملة كخليفة سادس بعد رسول الله لمدة 20 سنة آخرين.
تأسيس الدولة الأموية
بعد وفاة علي بن أبي طالب، تسلم ابنه الحسن خلافة المسلمين لمدة 6 أشهر، ثم تنازل عنها لمعاوية بن أبي سفيان في عام الجماعة. فقام معاوية بتأسيس الدولة الأموية سنة 41 من الهجرة، وجعل عاصمته دمشق. وامتدت حدود الدولة الأموية من الصين شرقًا إلى اليمن جنوبًا وأرمينية شمالًا، وتونس غربًا. ويعد تأسيس الدولة الأموية من أهم أعمال معاوية بن أبي سفيان.
سياسته الداخلية
لم يقتصر اهتمام معاوية بن أبي سفيان على الفتوحات وزيادة رقعة الدولة الإسلامية فقط، بل اهتم بالإصلاحات والسياسة الداخلية. فأنشأ الدواوين المركزية، واستحدث نظام الحاجب والحرس خوفًا من هجوم الخوارج عليه. وأحسن اختيار رجال الدولة، واتسمت سياسته بالشدة واللين. اهتم أيضًا بجهاز المخابرات، فكانت الأجهزة الداخلية والخارجية قوية جدًا.
قصة معاوية وعلي بن أبي طالب
بعد مقتل عثمان بن عفان، بدأ سيدنا معاوية يطالب بالثأر من القتلة، وطالب الإمام علي بالتعجل بذلك. وكان طلحة بن عبيد الله والزبير بن العوام والسيدة عائشة قد طالبوا بنفس الأمر قبله، ووقعت بينهم وبين الإمام علي معركة الجمل، التي انتهت بمقتل طلحة والزبير. وبعد موقعة الجمل بسنة تقريبًا في شهر صفر عام 37 هـ، وقعت معركة صفين بين خليفة المسلمين علي بن أبي طالب ومعاوية بن أبي سفيان.
وكان سبب المعركة هو عدم مبايعة معاوية ومعه أهل الشام للخليفة الرابع الإمام علي، وظل يطالب بالثأر لمقتل عثمان أولًا. وصل الأمر إلى القتال والتقى جيشيهما في 1 صفر واستمرت المعركة 9 أيام. في اليوم التاسع أظهر جيش الإمام علي بعض الانتصارات التي هزت جيش معاوية، وهنا اقترح عمرو بن العاص عليه أن يأمر الجنود برفع المصاحف على السيوف. كان هذا التصرف يعني وقف الحرب بين الجانبين وجعل كتاب الله حكمًا بينهم. وافق سيدنا علي على وقف القتال وقبول التحكيم حقنًا للدماء، ثم توجه إلى الكوفة، أما معاوية فانطلق إلى الشام. وقتل خلال معركة صفين حوالي 70 ألف شهيد، 25 ألفًا من جيش علي، و45 ألفًا من جيش معاوية.
بعد أن اتفق الفريقان على التحكيم، وكل على أبا موسى الأشعري، ووكل معاوية عمرو بن العاص. اجتمع الفريقين في شهر رمضان سنة 73 هـ، في دومة الجندل. وذكرت كثير من الروايات حول ما جرى في التحكيم، معظمها روايات شيعية كذبها علماء أهل السنة والجماعة.
نبذة عن معاوية بن أبي سفيان
ولد سيدنا معاوية في مكة سنة 15 قبل الهجرة، وتوفي عام 60 هـ. ينتمي لعائلة غنية من أكبر عائلات قريش وسادتها. تعلم الكتابة والقراءة في صغره فكان من أفضل شباب مكة. وكان أبوه وأمه يرون أنه سيكون له مستقبلًا كبيرًا. فقد روي أن أبا سفيان نظر إلى معاوية في طفولته وقال “إن ابني هذا لعظيم الرأس، وإنه لخليق أن يسود قومه”، فقالت هند بنت عتبه “قومه فقط؟ ثكلته إن لم يسد العرب قاطبة”
ورد في قصة إسلام معاوية رضي الله عنه أقوال: منها أنه أسلم مع أمه وأبيه وأخيه يوم فتح مكة. أما الذهبي فقال أنه أسلم قبل الفتح، وظل يخفي إسلامه حتى قدم النبي إلى مكة عام 8 هـ.
كان معاوية أبيضًا، جميلًا، حتى قيل أنه إذا ضحك انقلبت شفته العليا. نقل عن بعض الصحابة كثير من الأقوال عن سيدنا معاوية، واتفق معظمهم على أنه كان كريمًا سخيًا ومن أحلم الناس. قيل أنه أرسل للسيدة عائشة 100 ألف درهم ففرقتها في نفس اليوم على المحتاجين.
وعلى الرغم أنه كان خليفة المسلمين وينحدر من أسرة مرموقة وغنية، إلا أنه كان يخطب على منبر دمشق بثوب مرقوع. وقال يونس بن ميسر الحميري “رأيت معاوية في سوق دمشق وهو مردف وراءه وصيفا، وعليه قميص مرقوع الجيب يسير في أسواق دمشق”. أما عبد الله بن عمر فقد قال “ما رأيت أحلم من معاوية”.
المصادر:
ابن عساكر: تاريخ دمشق.
الزركلي: الأعلام.
ابن الأثير: أسد الغابة في معرفة الصحابة.
ابن حجر العسقلاني: الإصابة في تمييز الصحابة.
الذهبي: سير أعلام النبلاء.
ابن كثير: البداية والنهاية.
ابن سعد: الطبقات الكبرى.
التعليقات
لا توجد تعليقات حتى الآن. كن أول من يعلق!
اترك تعليق