كان معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه أول ملك في الإسلام، واتسم عهده بالرحمة والحلم، فقد فقال النبي صلى الله عليه وسلم “أول هذا الأمر نبوة ورحمة، ثم يكون خلافة ورحمة، ثم يكون ملك ورحمة”. أسس معاوية الدولة الأموية سنة 41 من الهجرة، وحكم المسلمين عشرين سنة، وجعل عاصمته دمشق.
ولاية العهد ليزيد بن معاوية
كان الخليفة في عهد الخلفاء الراشدين يتم اختياره بالشورى ومحكومًا برضا أهل الحل والعقد من كبار الصحابة. وكانت هناك شروط معينة لاختياره، ولم يورث الخلفاء الراشدون الأربعة الحكم لأبنائهم.
لكن اختلف الأمر في الدولة الأموية، وجعل معاوية ولاية العهد لابنه يزيد قبل وفاته. يقول العلماء أن سبب قيامه بذلك هو خوفه من تفرقة المسلمين مرة ثانية واشتعال الفتنة من جديد. حصل معاوية على موافقة مصر وجميع البلدان الإسلامية، ثم ذهب إلى المدينة والتقى بكبار أبناء الصحابة، فعارضه الحسين بن علي وعبد الله بن الزبير. وفي عهد يزيد تبدأ الفتنة من جديد وتنتهي باستشهاد الحسين رضي الله عنه، ثم إعلان ابن الزبير خلافته لينتهي الأمر باستشهاده أيضًا. ومن هذه النقطة تعود الهيمنة والسيطرة للدولة الأموية من جديد. وبذلك دخلت الدولة الإسلامية في مرحلة جديدة كليًا، وتحولت إلى الحكم الملكي.
نبذة عن معاوية بن أبي سفيان
ولد معاوية في مكة سنة 15 قبل الهجرة، وكان ينتمي لعائلة غنية من أكبر عائلات قريش وسادتها. تعلم الكتابة والقراءة في صغره فكان من أفضل شباب مكة. وكان أبوه وأمه يرون أنه سيكون له مستقبلًا كبيرًا. فقد روي أن أبا سفيان نظر إلى معاوية في طفولته وقال “إن ابني هذا لعظيم الرأس، وإنه لخليق أن يسود قومه”، فقالت هند بنت عتبه “قومه فقط؟ ثكلته إن لم يسد العرب قاطبة”.
أسلم معاوية مع أمه وأبيه وأخيه يوم فتح مكة. أما الذهبي فقال أنه أسلم قبل الفتح، وظل يخفي إسلامه حتى قدم النبي إلى مكة عام 8 هـ. وهو واحد من كتبة الوحي ومن أصحاب النبي محمد صلى الله عليه وسلم. أسس الدولة الأموية وأصبح الخليفة السادس في ترتيب الخلفاء بعد النبي محمد.
اتفق معظم الصحابة على أنه كان كريمًا سخيًا ومن أحلم الناس. قيل أنه أرسل للسيدة عائشة 100 ألف درهم ففرقتها في نفس اليوم على المحتاجين. وقيل أيضًا أن أمر لعبد الله بن الزبير بـ 100 ألف، والحسن بن علي بـ 300 ألف.
على الرغم أنه كان خليفة المسلمين وينحدر من أسرة مرموقة وغنية، إلا أنه كان يخطب على منبر دمشق بثوب مرقوع. وقال يونس بن ميسر الحميري “رأيت معاوية في سوق دمشق وهو مردف وراءه وصيفا، وعليه قميص مرقوع الجيب يسير في أسواق دمشق”. أما عبد الله بن عمر فقد قال “ما رأيت أحلم من معاوية”.
دوره في عهد الخلفاء الراشدين
كان يزيد بن أبي سفيان يترأس أحد جيوش الشام في خلافة أبو بكر، وكان أخيه معاوية يتولى مهمة توصيل الإمدادات له، حيث أمره أبو بكر أن يلحق به. شارك أيضًا في قتال المرتدين في اليمامة، وبعدما تم القضاء عليهم، ذهب إلى الشام وشارك أخيه فتح بيروت وصيدا وعرقة وجبل. بعد موت يزيد في طاعون عمواس، ولاه أمير المؤمنين عمر بن الخطاب ولاية دمشق وكل البلاد التابعة لها. وفي عهد الخليفة عثمان بن عفان عهد إليه بولاية الشام كاملة.
بعد فتوحات الشام وطرد البيزنطيين منها، كان معاوية يتطلع إلى فتح باقي المدن الساحلية مثل عكا وصور التي كان البيزنطيون يسيطرون عليها. وعرض فكرة ركوب البحر على عمر بن الخطاب لكنه رفض خوفًا على جيش المسلمين من الهلاك، بسبب عدم خبرتهم في الحروب البحرية.
ولما تولى عثمان بن عفان الخلافة، عرض عليه معاوية الأمر مرة ثانية من أجل حماية الشواطئ الإسلامية والمدن الساحلية من هجمات البيزنطيين. وافق عثمان على ذلك، لكنه طلب منه ألا يجبر أحد على المشاركة معه.
خلافه مع علي بن أبي طالب
بعد مقتل عثمان بن عفان، بدأ سيدنا معاوية يطالب بالثأر من القتلة، وطالب الإمام علي بالتعجل بذلك. وكان طلحة بن عبيد الله والزبير بن العوام والسيدة عائشة قد طالبوا بنفس الأمر قبله، ووقعت بينهم وبين علي معركة الجمل، التي انتهت بمقتل طلحة والزبير. وبعد موقعة الجمل بسنة تقريبًا في شهر صفر عام 37 هـ، وقعت معركة صفين بين خليفة المسلمين علي بن أبي طالب ومعاوية بن أبي سفيان.
وكان سبب المعركة هو عدم مبايعة معاوية ومعه أهل الشام للخليفة الرابع، وظل يطالب بالثأر لمقتل عثمان أولًا. وصل الأمر إلى القتال والتقى جيشيهما في 1 صفر واستمرت المعركة 9 أيام. في اليوم التاسع أظهر جيش الإمام علي بعض الانتصارات التي هزت جيش معاوية، وهنا اقترح عمرو بن العاص عليه أن يأمر الجنود برفع المصاحف على السيوف. كان هذا التصرف يعني وقف الحرب بين الجانبين وجعل كتاب الله حكمًا بينهم. وافق سيدنا علي على وقف القتال وقبول التحكيم حقنًا للدماء، ثم توجه إلى الكوفة، أما معاوية فانطلق إلى الشام. وقتل خلال معركة صفين حوالي 70 ألف شهيد، 25 ألفًا من جيش علي، و45 ألفًا من جيش معاوية.
التحكيم
بعد أن اتفق الفريقان على التحكيم، وكل على أبا موسى الأشعري، ووكل معاوية عمرو بن العاص. اجتمع الفريقين في شهر رمضان سنة 73 هـ، في دومة الجندل. وذكرت كثير من الروايات حول ما جرى في التحكيم، معظمها روايات شيعية كذبها علماء أهل السنة والجماعة.
تقول الرواية الشيعية المنقولة عن لوط بن يحي: أنه كان بينهما كلام في السر خالفه عمرو بن العاص، تكلم أبو موسى الأشعري أولًا فخلع علي ومعاوية، ثم تكلم عمرو فخلع علي وثبت معاوية. بعد ذلك تفرق الجميع، وبايع أهل الشام معاوية في شهر ذي القعدة.
وهذه الرواية يفندها كثير من المؤرخين مثل ابن كثير الدمشقي، حيث قال “هذا لا يصح سند به، ولا يرويه إلا من لا يوثق بروايته من الإخباريين التالفين، أمثال أبي مخنف لوط بن يحيى”. اشتهر لوط بن يحي بنقله أحاديث ضعيفة وموضوعة وبأنه مؤرخ غير ثقة، كما وصفه معظم المؤرخين.
إنجازات أول ملك في الإسلام
لم يقتصر اهتمام معاوية بن أبي سفيان على الفتوحات وزيادة رقعة الدولة الإسلامية فقط، بل اهتم بالإصلاحات والسياسة الداخلية. فأنشأ الدواوين المركزية، واستحدث نظام الحاجب والحرس خوفًا من هجوم الخوارج عليه. وأحسن اختيار رجال الدولة، واتسمت سياسته بالشدة واللين. اهتم أيضًا بجهاز المخابرات، فكانت الأجهزة الداخلية والخارجية قوية جدًا.
المصادر:
ابن عساكر: تاريخ دمشق.
ابن الأثير: أسد الغابة في معرفة الصحابة.
الذهبي: سير أعلام النبلاء.
ابن حجر العسقلاني: الإصابة في تمييز الصحابة.
ابن كثير: البداية والنهاية.
الزركلي: الأعلام.
ابن سعد: الطبقات الكبرى.
موقع قصة الإسلام: ولاية العهد ليزيد بن معاوية.
موقع موضوع: أول ملك في الإسلام.
التعليقات
لا توجد تعليقات حتى الآن. كن أول من يعلق!
اترك تعليق