كان الأحنف بن قيس من التابعين، حيث أسلم في حياة النبي دون أن يراه. ومع ذلك فقد دعا له رسول الله، يقول الأحنف “بينما كنت أطوف بالبيت في عهد عثمان بن عفان، إذ جاء رجل من بني ليث فأخذ بيدي فقال: ألا أبشرك؟ فقلت: بلى قال: هل تذكر إذ بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم، إلى قومك بني سعد؟ فعرضت عليهم الإسلام ودعوتهم إليه. فقلت أنت: إنه ليدعوكم إلى خير، وما حسن إلا حسنًا، فبلغت ذلك إلى رسول الله، فقال “اللهم اغفر للأحنف”. فقال الأحنف: هذا من أرجى عملي عندي.

 

نسبه

اسمه: الضحاك بن قيس بن معاوية بن حصين بن عبادة. فقد أجمع العلماء أن اسمه الضحاك بن قيس، ثم أطلق عليه الأحنف، بسبب حنف في رجليه، وهو الميل والعوج.

قبيلته: تميم

أمه: حبة بنت عمرو بن قرط بن ثعلبة. من بني سعد بن قيس بن عيلان.

كنيته: أبو بحر.

 

نشأته

ولد الأحنف بن قيس في البصرة قبل الهجرة بعشرين سنة، وكان يعاني من عوج في رجليه، لكنه كان سيد قومه بني تميم وشديد الذكاء. مات أبوه وهو طفل صغير، فنشأ في عائلة أمه وكفالة أعمامه صعصعة والمتشمس. وكان المتشمس ممن انضموا إلى سجاح في الردة. وكان خاله الأخطل بن عمرو من شجعان العرب المعدودين، وكان الأحنف يقول عنه “من له خال مثل خالي”.

وعلى الرغم أن الأحنف أسلم في حياة النبي، لكنه لم يراه، ووفد إلى المدينة المنورة في خلافة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب.

 

شخصية الأحنف بن قيس

كان يضرب بالأحنف المثل في الحلم والورع، فكانوا يقولون “في حلم الأحنف، وذكاء إياس”. وكان هو يقول “أتعجبون من حلمي وخلقي؛ وإنما هذا شيء استفدته من عمي صعصعة بن معاوية؛ شكوتُ إليه وجعًا في بطني، فأسكتني وقال: لا تشكُ الذي نزل بك إلى أحد؛ فإنَّ النّاسَ رجلان إما صديق فيسوءه وإما عدو فيسره؛ ولكن اشك الذي نزل بك إلى الذي ابتلاك؟ يا ابن أخي؛ إن لي عشرين سنة لا أرى بعيني هذه سهلًا ولا جبلًا فما شكوت ذلك لزوجتي ولا غيرها”.

كما كان رضي الله عنه ذكي ويتميز برجاحة العقل، فقال عنه عمر بن الخطاب “أعجزتم أن تكونوا مثل هذا، هذا والله السيد”. وكان الأحنف عابدًا كثير القيام والصيام، فقد قيل له “إنك شيخ كبير، وإن الصيام يضعفك، فقال: إني أعده لسفر طويل، والصبر على طاعة الله سبحانه أهون من الصبر على عذابه”.

وذكر أن عمر رضي الله عنه، كان يخشى على جيش المسلمين من التوغل في بلاد فارس. لكن الأحنف بن قيس أشار عليه أن المصلحة تقتضي التوسع والتخلص من يزدجرد حتى يأمن المسلمون على حدودهم. وكان رأيه راجحًا، وبالفعل تجمع الفرس وثاروا على المسلمين، فلما أخذ عمر برأيه فتح المسلمين بلاد فارس وقضوا على الامبراطورية الفارسية.

ظل المسلمون يحاصرون مدن فارس ويفتحون مدينة وراء أخرى، ففتحوا الأهواز ونهاوند وهمذان وأصبهان وكرمان وسجستان وطبرستان ومكران وأذربيجان. وكانت المحطة الأخيرة فتح خراسان سنة 22 من الهجرة، على يد القائد البطل الأحنف بن قيس.

 

فتح خراسان على يد الأحنف بن قيس

كان الأحنف بن قيس من أفضل القادة الذين شاركوا في فتوحات فارس، وهو من أخذ الهرمزان من تستر بعد فتح الأهواز، وقدم به على خليفة المسلمين عمر في المدينة المنورة. كما لعب دورًا كبيرًا في فتح مرو الزود وخراسان آخر معاقل الفرس.

كان يزدجرد كسرى الفرس قد جلس على العرش بعد فتح المسلمون للعراق، لذلك ظل يهرب من مدينة إلى أخرى. وبعد فتح المسلمون الرّيّ هرب منها إلى خراسان واستقر في مرو. لذلك توجه القائد الأحنف بن قيس إلى خراسان سنة 22 من الهجرة.

نجح الأحنف في فتح بهراة، ثم توجه إلى مرو الشاهجان وفتحها بعد قتال أهلها، وهرب يزجرد منها إلى مرو الروذ. طارد الأحنف كسرى وتوجه إلى مرو الروذ وفتحها، فهرب يزدجرد إلى بلخ.

وصل مدد من الكوفة إلى بلخ، وتقاتلوا مع يزدجرد قبل وصول الأحنف، فانتصروا عليه وفتحوا المدينة. ثم أرسل الأحنف إلى خليفة المسلمين بخبر الفتح، فأمره ألا يتجاوز النهر.

لم يجد يزدجرد وسيلة لإيقاف المسلمين سوى الاستعانة بملك الصين وملك الصغد وخاقان الترك. وبعد أن قدموا له الإمدادات عبر بجنوده النهر، ونزل في بلخ ثم سار إلى مرو الروذ، وكان يتواجد فيها الأحنف. حشد الأحنف 20 ألف مقاتل وسار بهم في اتجاه الفرس، وجعل الجبل خلفهم والنهر يفصل بينهم وبين الفرس والترك. استمر القتال أيامًا دون أن يحقق أي طرف منهم النصر، حتى يأس الترك ورأوا أنه لا سبيل لهزيمة المسلمين.

هرب يزدجرد إلى مناطق الترك، وعاش بينهم لبقية حياته، وفتح المسلمون خراسان بعد أن صالحوا أهلها مقابل الجزية.

 

 

 

المصادر:

البلاذري: فتوح البلدان.

الطبري: تاريخ الطبري.

ابن الأثير: الكامل في التاريخ.

الذهبي: سير أعلام النبلاء.

موقع إسلام ويب: الأحنف بن قيس.

موقع قصة الإسلام: الأحنف بن قيس.

 

 

الوسوم :

التعليقات

لا توجد تعليقات حتى الآن. كن أول من يعلق!

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات مشابهة

عرض جميع المقالات