الأوس والخزرج قبيلتان سكنت يثرب، وقامت بينهما حروب طويلة كان أشدها يوم بعاث. استمرت الحرب بينهما قرن من الزمان حتى قدوم النبي ودخولهم الإسلام. وبإسلامهم انتهت النزعات الجاهلية وعُرٍفوا بالأنصار، لأنهم نصروا النبي واستقبلوه، وبهم عز الله الإسلام والمسلمين. لقد ضرب الأنصار أروع الأمثلة في الإيثار، عندما آووا المهاجرين وقاسموهم أرزاقهم وبيوتهم، وفضلوهم على أنفسهم.

وقد مدح الله الأنصار في كتابه العزيز، حيث قال (وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ).

 

نسب الأوس والخزرج

يعود أصل الأوس والخزرج إلى قبيلة أزد التي كانت تسكن جنوب شبه الجزيرة العربية في اليمن. وقيل أن هذه القبائل هاجرت إلى الحجاز واستقرت في يثرب بعد انهيار سد مأرب. والأوس والخزرج ابنان لحارثة العنقاء بن عمرو، وأمهما هي قيلة بنت الأرقم بن عمرو.

وصلوا إلى يثرب تقريبًا سنة 300 م، وكان يسكن فيها اليهود ولهم اليد العليا. وبعد فترة حصل الأوس والخزرج على حصة من المعاقل والأشجار والنخيل، وفي القرن الخامس صارت لهم السيطرة، وأصبح اليهود في خلفية المشهد. ومع الوقت تصارع الأوس والخزرج على السيادة ودخلوا في حروب طويلة، كان أشدها يوم بعاث قبل هجرة النبي صلى الله عليه وسلم.

 

سبب حرب يوم بعاث

كانت حرب الأوس والخزرج واقعة منذ سنوات طويلة وقد أنهكوا بعضهم البعض، ودخلوا في حروب أهلية وثأر لا نهاية له. كان يوم بُعاث نهاية هذه الحرب وقد وقع قبل هجرة النبي إلى يثرب بخمس سنوات. وكان بداية حدوث يوم بعاث، بعدما علمت الخزرج أن يهود بني قريظة وبني النضير يعاونون الأوس ويساندونهم. لما علم اليهود بالأمر أخبروا الخزرج أنهم لن يتحالفوا مع الأوس، لكن الخزرج طلبوا من اليهود رهائن حتى يأمنوا جانبهم. وافق اليهود وأرسلوا 40 غلامًا رهينة إلى الخزرج.

وفي أحد الأيام طلب عمرو بن النعمان البياضي الخزرجي، من اليهود أن يسلموه ديارهم وإلا قتل الرهائن. امتنع اليهود عن الخروج ولم ينفذوا طلبه، فقام بقتل الغلمان اليهود. وهنا أعلن يهود بني النضير وبني قريظة انضمامهم للأوس في حربهم ضد الخزرج. وبدأ الأوس في التجهيز للحرب لمدة 40 يومًا، نجحوا خلالها في عقد كثير من التحالفات والتجهيز للقتال.

وصل الخبر إلى الخزرج، فذهب عمرو  بن النعمان إلى عبد الله بن أبي سلول من أجل الاستعداد للحرب. لكن بن أبي سلول وبخه ولم يشارك معه في القتال هو ومجموعة من الخزرج على رأسهم عمرو بن الجموح. تولى عمرو بن النعمان القيادة وأرسل إلى عدة قبائل فتحالف معه جهينة وأشجع.

 

حرب بعاث

تقابل الطرفان في منطقة بعاث التابعة ليهود بني قريظة، وفي بداية الأمر انهزم الأوس، وفروا من أرض المعركة. لكن قائدهم قام بإصابة نفسه بالرمح، وصاح فيهم، حتى عادوا إلى القتال وانقلبت هزيمتهم إلى نصر. ونجح الأوس في قتل زعيم الخزرج عمرو بن النعمان، وكانت لهم الغلبة. وخلال المعركة صاح أحد رجال الأوس ليوقفهم عن القتال فقال “يا معشر الأوس أحسنوا ولا تهلكوا إخوانكم فجوارهم خير من جوار الثعالب”.

وبعد يوم بُعاث، كان الأوس والخزرج قد طفح بهم الكيل، وأرادوا وقف القتال. وكان السبيل لذلك هو اختيار شخص يتفق عليه الجميع وتنصيبه عليهم. وقع الاختيار على عبد الله بن أبي سلول، لكنه لم يهنأ طويلًا، حيث وقعت بيعة العقبة الأولى والثانية ودخل الإسلام يثرب. وعندما جاء النبي توحد الجميع تحت حكمه، فصار عبد الله بن أبي سلول زعيم المنافقين بسبب حقده وعدم تمكنه من الحكم.

 

إسلام الأوس والخزرج

بدأ النبي صلى الله عليه وسلم، يدعوا الناس في موسم الحج، ويقابل كل القبائل. كما ذهب إلى الأسواق مثل  سوق عكاز وذي المجاز. وعرض الإسلام على قبائل بني سليم وبني عبس وغسان وبني محارب وغيرهم. لم يحصل النبي على رد فعل إيجابي، وردوا عليه أقبح الردود، وقالوا له “أسرتك وعشيرتك أعلم بك حيث لم يتبعوك”.

خلال دعوة النبي صلى الله عليه وسلم، للناس عند العقبة بمنى، قابل 6 أشخاص من قبيلة الخزرج من يثرب وهم: أسعد بن زرارة، جابر بن عبد الله، عوف بن الحارث، عقبة بن عامر، رافع بن مالك، وقطبة بن عامر بن حديدة. لما دعاهم النبي للإسلام قالوا لبعضهم البعض “يا قوم، تعلموا والله إنه لنبي توعدكم به يهود، فلا تسبقنّكم إليه”.

عندما عادوا إلى يثرب دعوا قومهم وأخبروهم بأمر النبي فانتشر الإسلام في المدينة. وفي العام المقبل قدم إلى النبي 12 رجلًا من الأنصار وأعلنوا إسلامهم. ثم أرسل معهم مصعب بن عمير إلى يثرب ليعلمهم القرآن والإسلام. أسلم سعد بن عبادة وأسيد بن خضر وسعد بن معاذ وهم أسياد قومهم، فانتشر الإسلام في دور المدينة.

رجع مصعب بن عمير ومعه 73 رجلًا وامرأتان في موسم الحج قبل هجرة النبي بثلاثة شهور، وبايعوا النبي صلى الله عليه وسلم. فقال لهم “تابعوني على السمع والطاعة في النشاط والكسل، والنفقة في العسر واليسر، على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وعلى أن تنصروني فتمنعوني إذا قدمت عليكم مما تمنعون منه أنفسكم وأزواجكم وأبناءكم، ولكم الجنة”.

بعد أن بايعوا النبي صلى الله عليه وسلم، قال لهم “أخرجوا إليَّ منكم اثني عشر نقيبًا يكونون على قومهم بما فيهم”. فاختاروا 6 نقباء من الخزرج و3 من الأوس، فقال لهم النبي “أنتم على قومكم بما فيهم كفلاء ككفالة الحواريين لعيسى بن مريم، وأنا كفيل على قومي”.

 

من هو سيد الأوس والخزرج؟

كان سعد بن معاذ سيد الأوس، وبعد إسلامه على يد مصعب بن عمير بعد بيعة العقبة، ذهب لقومه وكان كلامه مسموعًا فيهم، فقال لهم “يا بني عبد الأشهل، كيف تعلمون أمري فيكم؟”، قالوا: “سيدنا فضلاً، وأيمننا نقيبة”، قال: “فإن كلامكم علي حرام، رجالكم ونساؤكم، حتى تؤمنوا بالله ورسوله”. فأسلم رجال ونساء بني الأشهل جميعًا، وكانوا بذلك أول دار في يثرب تدخل الإسلام كلها. وكان أسيد بن خضير أيضًا سيدًا للأوس مع سعد بن معاذ، فأسلم بعده، وكسروا معًا أصنام بني عبد الأشهل.

 

وكان سعد بن عبادة سيد الخزرج أسلم مبكرًا وشهد بيعة العقبة الثانية. ثم استقبل المهاجرين وسخر أمواله لخدمتهم، وأغدق عليهم بجوده وكرمه. اشتهر رضي الله عنه هو وابنه قيس بن سعد بن عبادة بالجود والكرم، فلم يكن لكرمهما مثيل. ففي الوقت الذي استقبل فيه كل بيت من بيوت الأنصار مهاجرًا أو اثنين، كان يستقبل في بيته بالعشرات ويكرمهم.

كان رغم ثراءه يدعوا الله بأن يرزقه المزيد، حتى يساعد الجميع وينفق عليهم، فقد كان دعاء سعد بن عبادة “اللهم إنه لا يصلحني القليل، ولا أصلح عليه”. ودعا له النبي عليه الصلاة والسلام بهذا الدعاء “اللهم اجعل صلواتك ورحمتك على آل سعد بن عبادة”.

 

 

المصادر:

إسلام ويب ” من أسباب إقبال الأوس والخزرج على الإسلام”.

موقع قصة الإسلام ” لقاء الرسول مع الخزرج”.

موقع ” الإسلام سؤال وجواب ” من هم المهاجرون والأنصار”.

الأغاني لأبي فرج الأصفهاني.

موقع موضوع ” ما هو يوم بعاث”.

 

الوسوم :

التعليقات

لا توجد تعليقات حتى الآن. كن أول من يعلق!

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات مشابهة

عرض جميع المقالات