الخنساء رضي الله عنها، صحابية وشاعرة مخضرمة من أهل نجد، أدركت الجاهلية والإسلام . اشتهرت في الجاهلية بفضل رثاءها أخويها صخر ومعاوية، وظلت تبكي عليهما حتى خلافة عمر بن الخطاب. وهي أشهر شعراء العرب أجمع، فقال عنها النابغة الذبياني “لولا الأعمى لقلت أنك أشعر الإنس والجن” يقصد بالأعمى الأعشى. ولقبت بالخنساء لقصر أنفها.
نسب الخنساء
اسمها: أم عمرو تُماضِر بنت عمرو بن الحارث بن الشريد وهو عمرو بن رياح بن يقظة بن عصية بن خفاف بن امرئ القيس بن بهثة بن سليم. وهي من آل الشريد من سادات وأشراف العرب وملوك قبيلة بني سليم في الجاهلية.
لقبها: لقبت بالخنساء، لقصر أنفها وارتفاع أرنبتيه
زوجها: رواحة بن عبد العزيز السلمي، مرداس بن أبي عامر السلمي.
إخوتها: صخر ومعاوية.
نبذة عن الخنساء
كانت الخنساء ذات حسب ونسب وجمال وجاذبية طاغية. لذلك شُبِهت بالبقرة الوحشية، وكان العرب إذا تغزلوا بالأنثى شبهوها بذلك.
تميزت بفصاحة اللسان، فاستغلت هذه الميزة في نثر الشعر الذي تخطى حدود شبه الجزيرة العربية. كانت سيدة حازمة عاقلة، لا يجرؤ أحد أن يتحدث عنها أو يتهجم عليها. لذلك لم يذكرها أي شاعر بسوء، فلم يجدوا ما يعيبها.
كانت قوية الشخصية وامرأة حرة، نشأت في بيت جاه وعز، تفاخرت به في قصائدها. كما كانت أيضًا امرأة مضحية وشجاعة، فقدمت أبنائها في معركة القادسية، وقالت لهم إما النصر أو الشهادة.
رفضها الزواج
اشتهرت أيضًا بقوة شخصيتها وبأنها صاحبة رأي، فرفضت الزواج من “دريد بن الصمة” سيد بني جشم. في يوم كان دريد يتنزه على حصانه، وقد كان شجاعًا لا يخاف شيئًا، فشارك في 100 معركة ولم يهزم، فسبقته شهرته. وبينما كان في رحلته لمح فتاة جميلة للغاية، فسأل عنها وعرف أنها تماضر بنت عمرو، أخت صديقه المقرب معاوية. فأنشد فيها شعرًا وقال:
حَيّوا تُماضِرَ وَاِربَعوا صَحبي
وَقِفوا فَإِنَّ وُقوفَكُم حَسبي
أَخُناسُ قَد هامَ الفُؤادُ بِكُم
وَأَصابَهُ تَبَلٌ مِنَ الحُبِّ
ما إِن رَأَيتُ وَلا سَمِعتُ بِهِ
كَاليَومِ طالي أَينُقٍ جُربِ
مُتَبَذِّلاً تَبدو مَحاسِنُهُ
ضَعُ الهِناءَ مَواضِعَ النُقبِ
مُتَحَسِّراً نَضَحَ الهِناءَ بِهِ
ضحَ العَبيرِ بِرَيطَةِ العَصبِ
فَسَليهُمُ عَنّي خُناسُ إِذا
عَضَّ الجَميعَ الخَطبُ ما خَطبي
وفي اليوم التالي ذهب إلى بيت صديقه معاوية، فوجد أباه عمرو وقال له “جئت أخطب ابنتك تماضر الخنساء”، فرد عليه والد الخنساء ” مرحبًا بك يا أبا قرة”. ثم أخبره أن هذا الأمر يعود إلى موافقة ابنته الخنساء، وهي في هذا تختلف عن غيرها من النساء. دخل عليها أبيها وقال لها “أتاك سيد بني جشم وفارس هوازن دريد بن الصمة يخطبك، وأنت تعلمين من هو “. رفضت الخنساء الزواج من دريد واحترم أبوها رأيها، لأنه يعلم ما تتمتع به من رجاحة عقل.
زواجها
يقال أن الخنساء تزوجت رجل من قبيلتها، لكن اختلف المؤرخين في اسمه، قيل عبد العزى السلمي، وقيل رواحة بن عبد العزى، وانجبت منه ابنها عبد الله. وكان زوجها مقامرًا، لكنها ضحت في سبيل عائلتها وحاولت الوقوف بجانبه، وتخلت عن كبريائها. يقال أنها غالت في تضحيتها، فزاد انحرافه واعتماده عليها، واستغلها فأخذت المال من أخيها صخر لأجله.
وأثرت هذه الحياة على ابنها عبد الله الملقب بـ أبو شجرة، فكان شخصًا انتهازيًا ضعيفًا ليس له مبدأ. ويقال أنه كان من المرتدين عن الإسلام بعد وفاة النبي.
انفصلت الخنساء عن زوجها الأول وتزوجت من مرداس بن أبي عامر، وكان كريمًا وسخيًا، وتزوجته بعد مقتل أخيها صخر. انجبت منه معاوية وزيد والعباس وعمرة، ثم مات في واحدة من مغامراته. قال البعض أن العباس ليس ولدها وإنما ولد زوجها.
رثت الخنساء مرداس في قصيدة خدلها التاريخ من أفضل قصائدها، وذكرت فيها أنه كان أكثر الناس مروءة وشجاعة.
الخنساء وأخوها صخر
كانت الخنساء تحب صخر ومقربة منه، وهو من وقف بجانبها عندما رفضت الزواج من دريد صديق معاوية. وعندما تزوجت وتعرضت لأزمة مالية لجأت إليه وطلبت المال، فلبى طلبها وكان كريمًا معها. قام صخر بتقسيم ماله إلى قسمين، وقال لها اختاري القسم الذي يعجبك. ثم تعرضت لأزمة ثانية، فذهبت إليه فشطر ماله شطرين للمرة الثانية وأعطاها نصفه، حتى غضبت زوجته، وقالت له “أما كفاك أن تقسم مالك حتى تخيرهم”. فرد عليها قائلًا:
والله لا أمنحها شرارها
وهي حصان قد كفتني عارها
ولو هلكت مزقت خمارها
واتخذت من شعرها صدارها
شعر الخنساء
كانت الخنساء شاعرة مخضرمة، تميز شعرها بالبكاء والتفجع، وقوة الإحساس وكانت قصائدها قصيرة لا تتخطى البيتين. لكن بعد مقتل أخويها صخر ومعاوية زادت موهبتها الشعرية وأصبحت قصائدا طويلة. دخلت في حداد طويل ولم تخلع ملابس الحداد، وظلت تبكي عليها، خاصة أخيها صخر، حتى خلافة عمر بن الخطاب. فقد قالت فيه رثاء حتى صارت أعظم شعراء الرثاء في الجاهلية والإسلام.
أجمع العلماء أنه لم تكن توجد امرأة أشعر منها لا في زمانها ولا قبلها ولا بعدها. وكانت تقول الشعر في سوق عكاظ في حضور حسان بن ثابت والنابغة الذبياني. وكان بشار يقول “كل امرأة قالت شعر كان فيه ضعف، فقيل له والخنساء؟، فقال: تلك التي غلبت الرجال”.
وقالت في رثاء صخر:
يُذَكّرُني طُلُوعُ الشمسِ صَخراً
وأذكرُهُ لكلّ غُروبِ شَمْسِ
ولَوْلا كَثرَة ُ الباكينَ حَوْلي
على اخوانهمْ لقتلتُ نفسي
وقالت في رثاء معاوية:
ألا لا أرى في النَّاسِ مثلَ معاويهْ
إذا طَرَقَتْ إحْدَى اللّيالي بِداهِيَهْ
بداهِيَة ٍ يَصْغَى الكِلابُ حَسيسَها
وتخرُجُ منْ سِرّ النّجيّ عَلانِيَهْ
ألا لا أرى كالفارسِ الوردِ فارساً
إذا ما عَلَتْهُ جُرْأة ٌ وعَلانِيَهْ
وظلت الخنساء تبكي أخويها صخر ومعاوية وأباها حتى بعد إسلامها. فقال سيدنا عمر بن الخطاب “أتبكين عليهم وهم جمرة في النار” فردت عليه “زاك أشد لبكائي عليهم” فتأثر لكلامها.
الخنساء والرسول
أسلمت الصحابية الجليلة والشاعرة المخضرمة الخنساء رضي الله عنها، سنة 8 من الهجرة. حيث قدمت هي وقومها من بني سليم إلى النبي وأسلموا. وكان عمرها تقريبًا ما بين الخمسين والستين. وكان النبي صلى الله عليه ويسلم يحب شعرها، ويطلب منها إنشاده ويقول “هيا يا خناس”.
وفاة أولاد الخنساء
حضرت الخنساء معركة القادسية وكان معها أربعة من أولادها. وقبل المعركة نصحت أولادها بالمشاركة في قتال أعدائهم وأخبرتهم بما أعده الله للمسلمين والشهداء في الآخرة. وقالت لهم إما النصر أو الشهادة، وذهب أبنائها إلى المعركة وقاتلوا بكل شجاعة حتى استشهدوا جميعهم. عندما علمت الخنساء رضي الله عنها باستشهاد أولادها الأربعة، حمدت الله وشكرته، ودعت أن يجمعها بهم في الجنة، وقالت “الحمد لله الذي شرفني باستشهادهم، وأرجو من ربي أن يجمعني بهم في مستقر رحمته”.
لقد جعلها الإسلام أكثر صبرًا، فلم تحزن ولم ترثوا أبنائها مثلما رثت أخويها اللذين ماتا في الجاهلية. وظل سيدنا عمر يعطيها 200 درهم لكل ولد حتى وفاتها.
وفاتها
مات الصحابية والشاعرة الخنساء رضي الله عنها سنة 24 من الهجرة. ماتت وعمرها 71 سنة.
المصادر:
الزركلي: الأعلام.
ابن سعد: الطبقات الكبرى.
ابن عبد البر: الاستيعاب في معرفة الأصحاب.
الطبري: تاريخ الأمم والملوك.
ابن حزم: جمهرة الأنساب.
ابن خلكان: وفيات الأعيان.
الذهبي: سير أعلام النبلاء.
التعليقات
لا توجد تعليقات حتى الآن. كن أول من يعلق!
اترك تعليق
لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *