سيرة أم المؤمنين السيدة عائشة رضي الله عنها، زوجة الرسول صلى الله عليه وسلم، وبنت أبي بكر الصديق، فخر وعزة لكل نساء المسلمين. لقد كانت حياتها مليئة بالمواقف العظيمة، ولليوم لها فضل كبير علينا جميعًا، بما نقلته لنا من أحاديث ومواقف عن النبي محمد صلى الله عليه وسلم. قال بعض العلماء إن ربع أحكام الشريعة نقلت عن عائشة، وذلك بسبب قربها وملازمتها لرسول الله.
من هي السيدة عائشة رضي الله عنها
اسمها: عائشة بنت أبي بكر عبد الله بن أبي قحافة عثمان بن عامر بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة بن كعب. يلتقي نسبها مع النبي محمد في مرة بن كعب.
أبوها: خليفة رسول الله وصاحبه في هجرته من مكة إلى المدينة أبو بكر الصديق.
أمها: أم رومان بنت عامر من بني مالك بن كنانة أسلمت وهاجرت.
إخوتها: عبد الرحمن، عبد الله، أسماء، محمد، وأم كلثوم.
زوجها: محمد بن عبد الله رسول الله.
كنيتها: كانت السيدة عائشة تكنى بأم عبد الله، بابن أختها عبد الله بن الزبير.
مولد عائشة رضي الله عنها
هناك اختلاف كبير في تحديد في موعد ولادة أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها. ذكر بعض العلماء أنها ولدت قبل الهجرة بـ 7 سنوات فقط، وهذا اعتمادًا على حديث البخاري ومسلم برواية عائشة نفسها، حيث قالت أنها تزوجت النبي وهي بنت 9 سنوات، وكان زواجها في شوال من السنة الثانية من الهجرة.
قال علماء آخرون أن زواجها من النبي كان بين العاشرة والسادسة عشر من عمرها. واعتمدوا في هذا الرأي على فرق العمر بينها وبين أختها أسماء بنت أبي بكر الصديق، التي ولدت قبل الهجرة بـ 27 سنة، وماتت سنة 73 هــ عن عمر ناهز المائة عام.
زواج أم المؤمنين عائشة من الرسول
توفيت السيدة خديجة رضي الله عنها، قبل الهجرة بثلاث سنوات، وحزن النبي حزنًا شديدًا لوفاتها. وقبل الهجرة بسنتين، ذهبت خولة بنت حكيم إلى النبي تطلب منه أن يتزوج. قال لها النبي: من أتزوج؟، فقالت له “إن شئت بكرًا وإن شئت ثيبًا”، تقصد السيدة عائشة، وسودة بنت زمعة. وكان النبي قد رأى مسبقًا في منامه سيدنا جبريل، يقدم له قطعة من حرير بداخلها عائشة، وقال له ” هذه امرأتك”، وفي رواية أخرى قال له ” هذه زوجتك في الدنيا والآخرة”.
أعطى النبي الأذن لخولة بالذهاب إلى أم رومان بنت عامر زوجة أبي بكر الصديق، وأن تذكر لها أمر الزواج. فقال أبو بكر لها “قولي لرسول الله فليأت”، فتقدم النبي لخطبتها. ولم يدخل النبي بعائشة إلا بعد غزوة بدر وهي بنت 9 سنوات، لكنها كانت وصلت سن البلوغ، فالبيئة الصحراوية كانت تساعد على بلوغ البنات في سنٍ مبكر. كان رسول الله يقدر صغر سنها، فكان يلاطفها ويلعب معها ويروح عنها، وقد روت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، هذا في كثير من الأحاديث.
غيرة عائشة على النبي
كانت أم المؤمنين السيدة عائشة رضي الله عنها، تحب النبي كثيرًا وتغار عليه من بقية زوجاته. وصل الأمر بها إلى الغيرة من السيدة خديجة رضي الله عنها وهي متوفية، حيث قالت: “استأذنت هالة بنت خويلد أخت السيدة خديجة على النبي، فقال: اللهم هالة. قالت: فغرت وقلت: ما تذكر من عجوز من عجائز قريش حمراء الشدقين هلكت في الدهر، قد أبدلك الله خيرًا منها”. فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم، “ما أبدلني الله خيرًا منها، لقد آمنت بي حين كفر الناس، وصدقتني حين كذبني الناس، وأشركتني في مالها حين حرمني الناس، ورزقني الله ولدها وحرمني ولد غيرها”. فقالت عائشة “والله لا أعاتبك فيها بعد اليوم”.
حادثة الإفك
كان النبي إذا خرج لغزوة اقترع بين زوجاته، ومن يخرج سهمها تخرج معه. وفي إحدى الغزوات كانت القرعة من نصيب عائشة بنت أبي بكر. خلال عودتهم من الغزوة، تخلفت عائشة عن الجيش وذهبت لقضاء حاجتها، ثم وقع منها عقد فذهبت مرة أخرى تبحث عنه. عندما عادت وجدت أن الجيش قد رحل، ولم يدركوا عدم وجودها، فنامت مكانها وانتظرت حتى يعود أحد إليها.
كان صفوان بن المعطل متأخرًا أيضًا عن الجيش، فلما رآها أخدها على دابته ولحقا بالجيش معًا. استغل عبد الله بن أبي سلول الوضع وخاض في عرض النبي، وانشرت شائعة في المدينة أن شيئَا حدث بين عائشة وصفوان. وكانت رضي الله عنها مريضة لا تعلم شيء، حتى أخبرتها أم مسطح بن أثاثة، فبكت وزاد مرضها واستأذنت النبي في الذهاب إلى بيت أبيها. ثم أنزل الله سبحانه وتعالى براءتها من فوق سبع سموات ونزل الوحي ﴿إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾.
حياة السيدة عائشة بعد وفاة النبي
مرض رسول الله ومات في حضن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، ودفن في حجرتها. وظلت في الحجرة خلال خلافة أبيها أبي بكر الصديق، وبعد وفاته دفن في نفس الغرفة بجوار النبي. وكرست جهودها لنشر الدين الإسلامي، فكانت تروي الأحاديث النبوية وتفتي الناس في أمور دينهم، حتى أن عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان إذا استعصت عليهم مسألة ذهبا لسؤالها. ولما مرض عمر استأذنها أن يدفن بجوار رسول الله وأبي بكر الصديق فأذنت له، ودفن معهم في حجرتها.
وفي خلافة عثمان بن عفان، ذهب بالسيدة عائشة وبأمهات المؤمنين إلى الحج وأكرمهن، وظلت علاقتها طيبة معه حتى استشهاده. وكانت رضي الله عنها من أوائل الصحابة الذين طالبوا بالقصاص من قتلته. وانضم إليها الزبير بن العوام وطلحة بن عبيد الله وذهبوا إلى البصرة وطالبوا عليًا بالقصاص، فحدث بينهم موقعة الجمل.
علمها بالدين
كانت السيدة عائشة رضي الله عنها من أعلم الصحابة ونساء المسلمين بالقرآن والحديث والفقه. وكان سيدنا عمر يحيل إليها كل مسألة تتعلق بالنساء. وذلك لأنها كانت دائمة السؤال للنبي عن الآيات القرآنية وتفسيرها وأسباب نزولها، بالإضافة إلى تمتعها بذاكرة قوية.
قال الزهري “لو جمع علم عائشة إلى علم جميع النساء لكان علم عائشة أفضل”. وقال الحاكم “ما رأيت أحدًا أعلم بالحلال والحرام والعلم والشعر والطب من عائشة أم المؤمنين”.
وكان الصحابة إذا اختلفوا في مسألة ذهبوا إليها، وفي ذلك يقول أبو موسى الأشعري “ما أشكل علينا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم حديث قط فسألنا عائشة إلا وجدنا عندها منه علمًا”.
روت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها 2210 حديث عن النبي، اتفق البخاري ومسلم في 174 حديث، وانفرد البخاري بـ 54، ومسلم بـ 69 حديث. وروى عنها أكثر من مائة من الصحابة والتابعين كما ذكر الذهبي، حيث كانت حجرتها مقصدًا لطلاب الحديث.
وفاة السيدة عائشة رضي الله عنها
اختلف في تاريخ وفاة عائشة رضي الله عنها، قيل ماتت سنة 57 أو 58 أو 59 من الهجرة. صلى عليها أبو هريرة، ونزل قبرها عبد الله بن الزبير وعروة بن الزبير أبناء أختها أسماء بنت أبي بكر الصديق. ودفنت في البقيع.
المصادر:
ابن سعد: الطبقات الكبرى.
ابن عساكر: تاريخ دمشق.
الذهبي: سير أعلام النبلاء.
البلاذري: أنساب الأشراف.
الطبري: تاريخ الأمم والملوك.
ابن الأثير: الكامل في التاريخ.
التعليقات
لا توجد تعليقات حتى الآن. كن أول من يعلق!
اترك تعليق