قصة الصحابي سلمان الفارسي رضي الله عنه، ملهمة لكل شخص يبحث عن الله وعن الدين الصحيح. رغم أنه كان يعيش في بلاد فارس التي يعبد أهلها النار، وهذا يعني أنه كان مجوسيًا، إلا أنه كان دائم البحث عن الأديان. وظل يتنقل من مكان إلى آخر حتى أخبره أحد القساوسة بظهور نبي في بلاد العرب. ومن هنا تبدأ رحلة الصحابي الجليل سلمان الفارسي إلى الإسلام.

 

من هو سلمان الفارسي

صحابي جليل ولد تقريبًا سنة 568 م، في بلاد فارس، تحديدًا في جنوب إيران بمنطقة شيراز. قبل أن يدخل الإسلام كان اسمه روزبة، وكان مجوسيًا لكنه لم يقتنع بعبادة النار، وظل يبحث عن الحقيقة حتى وصل إلى يثرب قبل قدوم النبي صلى الله عليه وسلم إليها.

 

نسب سلمان الفارسي

قال ابن عساكر أن اسم سيدنا سلمان الفارسي في بلاد فارس هو ” روزبه بن يوذخشان بن مورشلا بن بهبوذان بن فيروز بن شهرك”.

وقيل كان اسم أبيه “خشفوذان” وكان ميسور الحال، يملك عددًا من المزارع.

لقبه: سلمان الخير، وسلمان ابن الإسلام.

كنيته: أبو عبد الله.

زوجته: قيل كان له زوجة اسمها بقيرة من قبيلة كندة.

أبناؤه: قيل كان لسلمان الفارسي ابنتين بمصر وأخرى بأصبهان.

 

سلمان الفارسي قبل الإسلام

كان سلمان الفارسي ممن يحبون العبادة حتى قبل إسلامه، فعندما كان مجوسيًا ويعبد النار، اجتهد حتى صار خادم النار. وتولى مهمة إشعالها دائمًا والحرص على عدم إطفائها. ذات يوم أرسله والده إلى حديقة له، وهو في طريقه سمع صوت الصلاة في واحدة من كنائس النصارى. دخل سلمان الكنيسة وسأل عن الديانة المسيحية، وظل بالكنيسة حتى غروب الشمس.

عندما عاد لوالده أخبره بما حدث معه، وأنه يميل إلى النصرانية ويفضلها على المجوسية. قال لوالده “يا أبت، مررت بناس يصلون في كنيسة لهم، فأعجبني ما رأيت من دينهم”. فقام والده بحبسه وقيده، لكنه فك قيوده وهرب إلى الشام.

في الشام ذهب الصحابي الجليل سلمان الفارسي إلى أسقف الكنيسة وقال له “إني قد رغبت في هذا الدين، وأحببت أن أكون معك أخدمك في كنيستك، وأتعلم منك، وأصلي معك”. فقال له الأسقف ” ادخل”. ظل سلمان يتعلم تعاليم الدين المسيحي بكل شغف، لكن أسقف الكنيسة كان سيئ الطباع وكان يأخذ أموال الصدقات لنفسه.

بعد فترة من الزمن مات الأسقف، وجاء بعده أسقف صالح، تقرب منه سلمان وأحبه. ثم مات الأسقف أيضًا، فانتقل سلمان إلى الموصل ثم إلى منطقة نصيبين، وكانت آخر محطة له في عمورية. وهناك أخبره الأسقف قبل موته عن ظهور النبي في بلاد العرب، وطلب منه البحث عنه.

 

قصة إسلام سلمان الفارسي

أعطى الأسقف أمارات النبي لسيدنا سلمان وقال له “هناك نبي مبعوث بدين إبراهيم يخرج بأرض العرب. مهجره إلى أرض بين حرّتين بينهما نخل، به علامات لا تخفى. يأكل الهدية ولا يأكل الصدقة، بين كتفيه خاتم النبوة. فإن استطعت أن تلحق بتلك البلاد فافعل”.

وجد سلمان الفارسي رضي الله عنه تجار من بلاد العرب من قبيلة كلب، فطلب منهم أن يأخذوه معهم إلى بلادهم ويعطيهم كل ما معه. وافق التجار، وعندما وصلوا إلى وادي القرى، غدروا به وباعوه لرجلٍ يهودي. ثم باعه اليهودي إلى يهودي آخر من بني قريظة، وهنا تبدأ رحلته إلى المدينة المنورة. عندما وصل سيدنا سلمان إلى يثرب، عرف أنها المكان الذي سيعثر على النبي فيه، وظل عبدًا حتى قدوم رسول الله إلى المدينة المنورة.

عندما علم الصحابي سلمان الفارسي رضي الله عنه، بوصول النبي إلى قباء انطلق إليه. وعندما رأى النبي قال له “بلغني أنك رجل صالح، وأن معك أصحابًا لك غرباء، وقد كان عندي شيء من الصدقة فرأيتكم أحق من بهذه البلاد، فهاك هذا، فكل منه”. وقدم سيدنا سلمان الطعام كصدقة للنبي، ليختبره ويتأكد من الأمارات التي قالها له الأسقف عن نبي العرب. قدم النبي الطعام لأصحابه وقال لهم ” كلوا”، ولم يتناول منه شيء، وهنا تأكد سلمان من أول صفة له، وهي أنه لا يأكل الصدقة؟

عندما وصل النبي المدينة، ذهب إليه سلمان مرة ثانية، وقال له رأيتك لا تأكل الصدقة، وهذه هدية، فأكل النبي صلى الله عليه وسلم، وتأكد سيدنا سلمان من خصلتين له. ثم حاول أن يرى خاتم النبوة، فلما فهم النبي صلى الله عليه وسلم، كشف عن ظهره، فرأى سلمان الخاتم، وحضن النبي وبكى، ثم أعلن إسلامه

 

تحرر سلمان الفارسي من العبودية

قصة سلمان الفارسي وتحوله من المجوسية إلى الإسلام، ومن كونه سيدًا إلى الرق والعبودية مثيرة للغاية. فقد تحمل كل شيء في سبيل الوصول إلى الدين الصحيح، وظل على عبوديته فترة من الوقت. قيل أنه ظل عبدًا حتى انتهى النبي من غزوة أحد، فأعانه رسول الله وأصحابه على التخلص من الرق، وشهد غزوة الخندق حرًا.

 

دور سلمان الفارسي في غزوة الخندق

وقعت غزوة الخندق أو غزوة الأحزاب في شهر شوال سنة 5 هـ. وكانت بين المسلمين بقيادة النبي صلى الله عليه وسلم، وبين القبائل العربية التي اجتمعت للقضاء على المسلمين وغزو المدينة المنورة. كان النبي يحصل على أخبار الأحزاب التي تقف على أبواب المدينة، وأيضًا أخبار اليهود، ثم عقد اجتماع من أجل اتخاذ التدابير الدفاعية.

حضر الاجتماع قادة المسلمين من الأنصار والمهاجرين، وكان من بينهم الصحابي الجليل سلمان الفارسي، الذي اقترح على النبي حفر خندق. قال سلمان “يا رسول الله، إنا إذا كنا بأرض فارس وتخوفنا الخيل، خندقنا علينا، فهل لك يا رسول الله أن تخندق؟”. نالت الفكرة إعجاب النبي والمسلمين جميعًا، فقال المهاجرين ” سلمان منا”، وقال الأنصار ” سلمان منا”، فقال النبي ” سلمان منا أهل البيت”.

كانت جميع جوانب المدينة محصنة بالجبال، باستثناء الجهة الشمالية التي كانت تمثل تهديدًا كبيرًا أمام المسلمين. وفي هذه المنطقة حفر المهاجرين والأنصار الخندق، فتفاجأ أعداء الإسلام، وبطلت خطتهم الخبيثة. وكانت غزوة الخندق أول غزوة يشارك فيها سلمان الفارسي، وينسب إليه الفضل في تحقيق انتصار عظيم وهزيمة الأحزاب هزيمة ساحقة.

 

عطاء سلمان الفارسي

بعد غزوة الخندق شارك الصحابي سلمان الفارسي رضي الله عنه في كل الغزوات مع النبي صلى الله عليه وسلم. كما شارك في فتوحات العراق في عهد الخليفة أبي بكر الصديق، وتولى إمارة المدائن.

كان سيدنا سلمان كريمًا سخيًا شديد العطاء، إذا توفر معه مالًا اشترى به طعامًا ووزعه على الفقراء. وعندما خصص له الخلفاء الراشدين راتبًا قيمته 5 آلاف درهم، أنفقه كله على المحتاجين. فقد روى الحسن البصري أنه “كان عطاء سلمان خمسة آلاف، وكان على ثلاثين ألفًا من الناس، يخطب في عباءة يفرش نصفها، ويلبس نصفها. وكان إذا خرج عطاؤه أمضاه، ويأكل من سفيف يده”.

 

وفاة سلمان الفارسي

توفى سيدنا سلمان رضي الله عنه، في المدائن عام 33 هـ، أثناء خلافة عثمان بن عفان. وقيل أنه توفى سنة 37 من الهجرة، وكان عمره تقريبًا ثمانين سنة.

 

المصادر:

العسقلاني: الإصابة في تمييز الصحابة.

ابن سعد: الطبقات الكبرى.

الذهبي: سير أعلام النبلاء.

ابن كثير: البداية والنهاية.

ابن الأثير: أسد الغابة في معرفة الصحابة.

الوسوم :

التعليقات

لا توجد تعليقات حتى الآن. كن أول من يعلق!

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات مشابهة

عرض جميع المقالات