إليك قصة الصحابي الجليل عبد الله بن مسعود رضي الله عنه. إنه فقيه الأمة، محدث ومقرئ، ومن السابقين إلى الإسلام، فهو سادس من أسلم. كان أول من جاهر بالقرآن في مكة، أدرك القبلتين، وهاجر الهجرتين. كما شارك في كل الغزوات والمعارك في حياة النبي، وهو من قتل أبو جهل في معركة بدر. حظي بمكانة كبيرة في عهد النبي والخلفاء الراشدين، فتولى وزارة وقضاء الكوفة في عهد أمير المؤمنين عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان. ولليوم يحظى بمكانة رفيعة في الإسلام وفي قلوب المسلمين، فهو من أشهر رواة الحديث عن النبي.

 

من هو الصحابي عبد الله بن مسعود

اسمه : عبد الله بن مسعود بن غافل بن حبيب بن شمخ بن فار بن مخزوم بن صاهلة بن كاهل بن الحارث بن تميم.

كنيته: أبو عبد الرحمن.

لقبه: ابن أم عبد.

والده: مسعود بن غافل، استقر بمكة قبل الإسلام، كان من فرسان هذيل، لكنه قتل في الجاهلية وأصبح عليه ثأر، فهرب إلى مكة وتحالف مع عبد بن الحارث من بني زهرة مقابل أن يعطيه كل خيله.

أمه: أم عَبْد بنت عَبْد ود بْن سَوَاء بْن قريم بْن صاهلة بْن كَاهِل بْن الْحَارِث بْن تَمِيم.

إخوته: عتبة وعميس.

زوجته: زينب بنت أبي معاوية عبد الله الثقفية.

 

قصة إسلام عبد الله بن مسعود

كان الصحابي الجليل سيدنا عبد الله بن مسعود من أوائل الذين دخلوا إلى الإسلام. وقد روى قصة إسلامه بنفسه، حيث قال ” كنت أرعى غنمًا لعقبة بن أبي معيط، فمر بي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأبو بكر، فقال: يا غلام، هل من لبن؟ قلت: نعم، ولكني مؤتمن. قال: فهل من شاة لم ينزّ عليها الفحل؟ فأتيته بشاة، فمسح ضرعها، فنزل لبن، فحلب في إناء، فشرب، وسقى أبا بكر. ثم قال للضرع: اقلُص، فقلص. ثم أتيته بعد هذا، فقلت: يا رسول الله، علمني من هذا القول، فمسح رأسي، وقال: إنك غلام مُعَلَّمٌ.

أسلم عبد الله بن مسعود قبل اجتماع النبي بأصحابه في دار الأرقم، وكان سادس شخص يدخل الإسلام ويؤمن برسالة النبي محمد، وقيل أسلم بعد 22 شخصًا. ودخل الإسلام معه أخوه عتبة بن مسعود، ثم أمه وصحبتها، وبهذا يكونوا من السابقين إلى الإسلام.

 

خادم النبي عبد الله بن مسعود

بعد أن أسلم سيدنا عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، أصبح ملازمًا لرسول الله، وصاحب نعليه. وأصبح خامًا ورفيقًا له في حضره وسفره. ويحكي هذه القصة ابْنِ عتبة، حيث قال “كان عبد الله بن مسعود صاحب سواد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ووساده، وسواكه ونعليه وطهوره؛ وهذا يكون في السفر”. وعن عبد الله بن شداد قال “إنَّ عبد الله بن مسعود كان صاحب السواد والوساد والنعلين”.

زادت ملازمة عبد الله بن مسعود وأمه “أم عبد الهزلية” لرسول الله بعد هجرته إلى المدينة المنورة، فكان رضي الله عنه يلبس النبي نعليه، ثم يمشي أمامه بالعصا فإذا نزع نعليه أخذهما ابن مسعود في ذراعه. كان يؤنس النبي إذا مشى، ويوقظه إذا نام، ويستره إذا اغتسل.

كان بن مسعود وأمه يترددون على بيت النبي بكثرة، حتى ظن أبو موسى الأشعري أنهما من أهل بيت النبي. وحتى في الغزوات ظل ملازمًا له ولم يتركه قط، ففي غزوة أحد عندما تقهقر أصحاب النبي، كان عبد الله أحد أربعة لازموه ولم يتركوه. وفي غزوة بدر أجهز على أبي جهل وقتله، ولم يترك غزوة واحدة إلا وشهدها مع النبي.

 

صفات عبد الله بن مسعود

كان سيدنا عبد الله بن مسعود نحيف الجسم، رفيع الساقين، قصيرًا، نظيف الملبس، طيب الرائحة، ويلبس خاتمًا من حديد. كان يعرفه أهل مكة في ظلام الليل بفضل رائحته الطيبة.

اشتهر رضي الله عنه في مكة بشجاعته وجرأته، فكان لا يخشى أحدًا إلا الله. أعلن إسلامه أمام قريش دون خوف، وجهر بالقرآن الكريم، ليسمعه الكفار. فعل ذلك في بداية عهد الإسلام، عندما كان ميزان القوى الوحيد قريش، فصمد أمامهم بقوة إيمانه وثقته بالله.

تسببت شجاعته في اضطهاد قريش له، ففر بدينه إلى الحبشة ومعه أخوه عتبة، وظل في الغربة سنوات طويلة قبل أن يعود مرة ثانية لمكة. لكنه سرعان ما هاجر مرة ثانية إلى المدينة المنورة بعد أن سمح النبي للمسلمين بالهجرة.

 

عبد الله بن مسعود في عهد الخلفاء الراشدين

بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، استكمل سيدنا عبد الله بن مسعود طريقه في سبيل الله. شارك في فتوحات بلاد الشام، وشهد معركة اليرموك، وهو من تولى عملية تقسيم الغنائم. بعد فتح الشام عاش الصحابي الجليل في مدينة حمص، حتى أمره خليفة المسلمين عمر بن الخطاب بالانتقال إلى الكوفة بالعراق. وهناك تولى الوزارة وتعليم المسلمين أمور دينهم، وكتب عمر إلى أهل الكوفة، فقال “إني قد بعثت عمار بن ياسر أميرًا، وعبد الله بن مسعود معلمًا، ووزيرًا، وهما من النجباء من أصحاب رسول الله من أهل بدر، فاقتدوا بهما، وأطيعوا واسمعوا قولهما، وقد آثرتكم بعبد الله على نفسي”.

ظل ابن مسعود بالكوفة حتى خلعه عثمان بن عفان وأمره بالعودة إلى المدينة المنورة.

 

علمه

كان ابن مسعود ذو معرفة كبيرة بتفسير القرآن الكريم وسبب نزول الآيات من شدة ملازمته لرسول الله، حيث قال “ولله الذي لا إله غيره، ما أنزلت سورة من كتاب الله إلا أنا أعلم أين أنزلت، ولا أنزلت آية من كتاب الله إلا أنا أعلم فيم أنزلت، ولو أعلم أحدًا أعلم مني بكتاب الله تبلغه الإبل لركبت إليه”.

يعد أيضًا من أشهر رواة الحديث، فقد روي عنه 64 حديثُا متفق عليهما في صحيح البخاري ومسلم، وانفرد مسلم بـ 35 حديثُا، والبخاري بـ 21 حديثُا. كما أحصى النووي 848 حديثًا عنه.

 

مكانته عند النبي والصحابة والتابعين

كان رسول الله يحب عبد الله بن مسعود ويعطيه قيمة كبيرة، حيث قال “لو كنت مؤمّرًا أحدًا عن غير مشورة، لأمرت عليهم ابن أم عبد”. وعندما ضحك المسلمون من شدة نحافة ساقه، قال النبي “ما تضحكون؟ لرجل عبد الله أثقل في الميزان يوم القيامة من أُحد”.

حظى سيدنا عبد الله بن مسعود باحترام ومحبة الصحابة الكرام والتابعين، حيث كانوا يقدرون علمه الغزير. فقد ورد أن أبا موسى الأشعري أخطأ في فتوة ما، فقال “لا تسألوني عن شيء ما دام هذا الحبر بين أظهركم”، يقصد عبد الله بن مسعود.

قال عنه عمر بن الخطاب “كُنيف ملئ علمًا، آثرت به أهل القادسية”.

وقال عنه الشعبي “ما دخل الكوفة أحد من الصحابة أنفع علمًا، ولا أفقه صاحبًا من عبد الله”.

 

وفاته

بعد عودة الصحابي الجليل عبد الله بن مسعود من الكوفة إلى المدينة المنورة، ظل بها حتى مرض ومات سنة 23 هـ. توفي وقد تجاوز الستين من عمره، ودفن بالبقيع بعد أن صلى عليه الزبير بن العوام.

 

المصادر:

ابن حجر العسقلاني: الإصابة في تمييز الصحابة.

ابن سعد: الطبقات الكبرى.

الذهبي: سير أعلام النبلاء.

ابن عساكر: تاريخ دمشق.

 

الوسوم :

التعليقات

لا توجد تعليقات حتى الآن. كن أول من يعلق!

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات مشابهة

عرض جميع المقالات