لم يكن الفتح الإسلامي لفارس مخططًا له، فلم يرغب عمر بن الخطاب في تجاوز الحدود بين العراق وفارس ( إيران حاليًا). وكان رضي الله عنه، يقول “وددت لو أن بيننا وبين فارس جبلًا من نار، لا يصلون إلينا منه، ولا نصل إليهم”. لكن الفرس كانوا يخططون للعودة واسترداد ما أخذه المسلمون منهم، وقاموا بالتمرد. فقد علقوا أمالهم على وجود يزدجرد، وأنه سيحيي الإمبراطورية الفارسية من جديد.
فتح الأحواز
كان يزدجرد كسرى فارس موجودًا في الرّيَ، لكنه تعرض لمؤامرة من حاكمها فهرب إلى خراسان. ثم استقر بمرّو وجعل منها قاعدة لحكمه، بينما استقر الهرمزان في الأحواز. علم يزدجرد بعدم رغبة خليفة المسلمين في تجاوز حدود العراق، فبدأ يشعل نار التمرد بين الفرس. لذلك خرج الهرمزان بقوة عسكرية من تستر، وهاجم القرى الممتدة بين البصرة وفارس.
خرج النعمان بن مقرن المزني من الكوفة بقوة عسكرية لمواجهة الهرمزان، ثم أرسل إليه أبو موسى الأشعري مددًا من البصرة بقيادة سهل بن عدي. عبر النعمان نهر دجلة وسار إلى الأحواز، واصطدم بالهرمزان في ناحية “أربك” وانتصر عليه. انسحب الفرس إلى تستر، فحاصرها المسلمون عدة أشهر، ثم اقتحموها بمساعدة أحد سكانها. كما أسروا الهرمزان وأرسلوه إلى أمير المؤمنين عمر في المدينة المنورة، فأعلن إسلامه. بعد ذلك حاصر المسلمون السوس، وشنوا هجومًا عليها حتى استسلم أهلها.
معركة نهاوند (أشهر معارك الفتح الإسلامي لفارس)
بعد هزيمة الفرس في عقر دارهم بالأحواز، وقبلها خسارة أراضيهم في المنطقة العربية، تحركت المشاعر القومية الفارسية. لقد شعر الفرس بضياع هيبتهم، وبدأوا في التواصل مع يزدجرد، كي يثأر لهم. فقام بحشد جيش وهو في مرّو، وقيل جمع 100 ألف مقاتل، وقيل 150 ألف مقاتل، من خراسان وأصفهان وهمذان وطبرستان والسند وجرجان. ثم عين على الجيش ذا الحاجب مردان شاه، وسارو إلى نهاوند.
لما وصلت أخبار الفرس إلى عمر، جهز جيشَا بقيادة النعمان بن مقرن وأرسله إلى نهاوند. ثم عين 7 قادة خلفًا للنعمان إذا استشهد في القتال، تأسيًا بما فعله النبي في غزوة مؤتة. بعد ذلك أرسل المدد إلى نهاوند بقيادة ابنه عبد الله بن عمر، كما أرسل أبا موسى الأشعري بثلث قوات البصرة، وحذيفة بن اليمان بثلث قوات الكوفة.
خرج النعمان من السوس بالجيش القادم من الكوفة وكان عدده 30 ألفًا، وسار إلى نهاوند. واصل الزحف إلى أسبيهذان وعسكر فيها قرب الجيش الفارسي، الذي وجده محصنًا بالخنادق. بدأ الفرس الأمر بطلب التفاوض، فأرسلوا إلى النعمان يبعث إليهم رجلًا، فأرسل إليهم المغيرة بن شعبة. عرض الفرس على المسلمين الانسحاب من بلادهم مقابل المال، لكن لم يقبلوا بهذا العرض. فلم يكن هدف المسلمين المال، بل نشر الدين الإسلامي في أقصى بقاع الأرض.
بعد فشل المفاوضات، استعد الطرفان للحرب، ودارت بينهما معركة شرسة لمدة يومين. وعندما شعر الفرس بقرب انتصار المسلمين وتفوقهم، انسحبوا إلى المدينة وتحصنوا بها. لما رأى النعمان أن الفرس لن يخرجوا من المدينة، وأن قواته لا تستطيع الدخول إليهم، لجأ إلى حيلة ذكية. حيث عقد مجلسًا عسكريًا للتشاور، فقرروا اللجوء إلى خطة تجعل الفرس يخرجون من تحصيناتهم.
خصص النعمان قوة عسكرية، يكون عملها الكر والفر حتي تجعل الفرس يخرجون إليهم. وفي نفس الوقت يتخفى باقي الجيش في أماكن لا يراها العدو. وعندما يحصل التحام، تتظاهر هذه القوة بالخسارة وينسحبون حتى يأتي الفرس خلفهم، ومن ثم ينقض عليهم الجيش الإسلامي.
نهاية الفرس في نهاوند
كان القعقاع بن عمرو على رأس القوة العسكرية، فنفذوا المهمة بنجاح. ثم دارت معركة ضارية لم يشهدها كلا الطرفين من قبل، واستمرت من منتصف النهار إلى الليل. خسر المسلمون خلال المعركة عددًا كبيرًا من القدة مثل النعمان بن مقرن، وعمرو بن معد يكرب، وطليحة بن أسد. وظل الفرس يقاتلون باستماتة حتى انهاروا تمامًا، ولما هرب قسم منهم ونجا بحياته، استسلمت حامية نهاوند.
دخل المسلمون المدينة، وعقدوا الصلح مع أهلها مقابل الجزية. ثم أرسلوا إلى عمر بن الخطاب يبشروه بالفتح. وعرفت معركة نهاوند بفتح الفتوح، لأنها كانت نهاية الفرس، فلم تقم لهم قائمة منذ ذاك اليوم.
فتح همذان وأصبهان
بعد انتصار نهاوند صار نعيم بن مقرن والقعقاع بن عمرو إلى همذان، فصالحهم حاكمها على الجزية. لكنه نقض العهد، فأمر عمر بن الخطاب، نعيم بالعودة إلى همذان مع 12 ألف مقاتل. ولما رأى أهل المدينة استيلاءه على المناطق المجاورة طلبوا الصلح مرة ثانية.
ثم أرسل عمر جيشًا آخر إلى أصبهان ودارت معركة كبيرة، قتل فيها شهريار بن جاذويه. ولما تعرض أهل أصبهان للهزيمة بعد القتال والحصار، تم الصلح مقابل الجزية. ثم فتح أبو موسى الأشعري قاشان وقم.
فتح الرّيّ وطبرستان وأذربيجان
تجمع أهل الرّيّ وأذربيجان في منطقة بواج روذ لقتال المسلمين، فتوجه إليهم نعيم وانتصر عليهم. ثم سار في اتجاه الري وانضم إليه في الطريق الفرخزاد أحد القادة الفرس، بسب حقده على حاكم الرّيّ. تجمع أهل جرجان وطبرستان وقومس ودنباوند لقتال المسلمين. لكن نجح نعيم بن مقرن في هزيمتهم بمساعدة الفرخزاد، مقابل ولايته للرّيّ على أن يدفع الجزية.
بعد ذلك حصل المسلمون على قومس وجرجان وطبرستان دون قتال مقابل الجزية، وعلى أذربيجان بعد قتال وطلب أهلها للصلح. ثم انتشرت الجيوش الإسلامية في إقليم فارس وفتحوا منطقة وراء الأخرى بعد معارك صغيرة.
فتح كرمان وسجستان
توجه سهل بن عدي إلى منطقة كرمان، فتقاتل مع أهلها وانتصر عليهم، ونجح في فتحها. وتوجه عاصم بن عمرو التميمي إلى سجستان فقاتل أهلها وانهزموا أمامه، حتى طلبوا الصلح، فصالحهم على الجزية. ثم تجمعت الجيوش وسارت في اتجاه نهر السند، فوجدوا أهل مكران قد تجمعوا لقتالهم. وبعد معركة صغيرة هزمهم المسلمون وطاردوهم، ثم أقاموا في مكران.
فتح خراسان
كان يزدجرد كسرى الفرس قد هرب من الرّيّ بعد سقوطها إلى خراسان واستقر في مرو. لذلك توجه الأحنف بن قيس إلى خراسان سنة 22 من الهجرة. نجح الأحنف في فتح بهراة، ثم توجه إلى مرو الشاهجان وفتحها بعد قتال أهلها، وهرب يزجرد منها إلى مرو الروذ. طارد الأحنف كسرى وتوجه إلى مرو الروذ وفتحها، فهرب يزدجرد إلى بلخ.
وصل مدد من الكوفة إلى بلخ، وتقاتلوا مع يزدجرد قبل وصول الأحنف، فانتصروا عليه وفتحوا المدينة. ثم أرسل الأحنف إلى خليفة المسلمين بخبر الفتح، فأمره ألا يتجاوز النهر.
لم يجد يزدجرد وسيلة لإيقاف المسلمين سوى الاستعانة بملك الصين وملك الصغد وخاقان الترك. وبعد أن قدموا له الإمدادات عبر بجنوده النهر، ونزل في بلخ ثم سار إلى مرو الروذ، وكان يتواجد فيها الأحنف. حشد الأحنف 20 ألف مقاتل وسار بهم في اتجاه الفرس، وجعل الجبل خلفهم والنهر يفصل بينهم وبين الفرس والترك. استمر القتال أيامًا دون أن يحقق أي طرف منهم النصر، حتى يأس الترك ورأوا أنه لا سبيل لهزيمة المسلمين.
هرب يزدجرد إلى مناطق الترك، وعاش بينهم لبقية حياته، وفتح المسلمون خراسان بعد أن صالحوا أهلها مقابل الجزية.
المصادر:
البلاذري: فتوح البلدان.
ابن الأثير: الكامل في التاريخ.
الطبري: تاريخ الطبري.
ابن سعد: الطبقات الكبرى.
ابن كثير: البداية والنهاية.
التعليقات
لا توجد تعليقات حتى الآن. كن أول من يعلق!
اترك تعليق
لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *