يُعد الفضل بن الربيع بن يونس أحد أبرز الشخصيات السياسية في العصر العباسي الأول. حيث شغل منصب الحاجب ثم الوزير للخليفتين هارون الرشيد والأمين. ينتمي الفضل إلى أسرة سياسية عريقة، فأبوه الربيع بن يونس كان وزيرًا للمنصور والمهدي والهادي، مما أهله لوراثة النفوذ السياسي. نشأ الفضل في قصور الخلافة، وتشرب فنون الإدارة والسياسة منذ صغره. حيث كان يرافق أباه في مجالس الحكم ويدرس على يد كبار المعلمين في بغداد.

 

صعود الفضل بن الربيع في عهد هارون الرشيد

برز نجم الفضل بن الربيع في عهد هارون الرشيد، حيث عينه الخليفة حاجبًا له سنة 180هـ/796م. يذكر الطبري في تاريخه أن الفضل اكتسب ثقة الرشيد الكاملة، فأصبح الرجل الثاني في الدولة بعد يحيى البرمكي. وعندما دبر الرشيد مؤامرته الشهيرة ضد البرامكة سنة 187هـ/803م، كان الفضل أحد الأركان الرئيسية في هذه العملية السياسية الكبرى.

تولى الفضل منصب الوزارة بعد سقوط البرامكة، وأظهر كفاءة إدارية لافتة. يصفه المسعودي في مروج الذهب بأنه كان “حسن التدبير، قوي الشكيمة، بعيد النظر في الأمور”. وقد ساعدته علاقته الوثيقة بالخليفة على البقاء في منصبه رغم المنافسات الشديدة داخل البلاط العباسي.

 

دوره المحوري في خلافة الأمين

عندما توفي هارون الرشيد سنة 193هـ/809م، أصبح الفضل بن الربيع القوة الحقيقية خلف عرش الأمين. ويذكر ابن الأثير في الكامل أن الفضل كان “صاحب الأمر والنهي في أيام الأمين”. وقد لعب دورًا حاسمًا في إقناع الأمين بإلغاء ولاية عهد المأمون، وهي الخطوة التي أشعلت الحرب الأهلية بين الأخوين.

كان الفضل يرى في المأمون تهديدًا لمصالحه، فحرض الأمين على مواجهة أخيه. يروي الطبري أن الفضل أقنع الأمين بتعيين ابنه موسى وليًا للعهد بدلًا من المأمون، وأدار الحملة العسكرية ضد خراسان. وقد سلم الفضل بن الربيع قيادة الجيش لعلي بن عيسى بن ماهان، الذي هُزم وقتل في معركة الري سنة 195هـ/811م.

 

سياسته الداخلية وإدارته للأزمة

أثناء حصار بغداد (196-198هـ)، أظهر الفضل بن الربيع قدرات إدارية استثنائية في تنظيم الدفاع عن العاصمة. يذكر الجهشياري في كتاب الوزراء أن الفضل نظم توزيع المؤن، وأدار شؤون المدينة المحاصرة بحنكة. لكن سياساته القاسية، مثل مصادرة أموال التجار وتشديد العقوبات، زادت من كراهية الناس له.

كان الفضل يدرك أن سقوط بغداد يعني نهايته، فقاوم حتى اللحظة الأخيرة. يروي ابن كثير في البداية والنهاية أن الفضل حاول التفاوض سرًا مع طاهر بن الحسين لإنقاذ نفسه، لكن محاولاته باءت بالفشل. وعندما سقطت بغداد، اختفى الفضل لفترة قبل أن يستسلم للمأمون.

 

مصير الفضل بن الربيع

على عكس المتوقع، عفا المأمون عن الفضل بن الربيع بعد سقوط بغداد. يذكر المسعودي أن المأمون أبقى الفضل تحت الإقامة الجبرية في قصره، ثم أعاده إلى منصب الحجابة سنة 198هـ/814م. وقد برر المأمون هذا القرار بحاجته إلى خبرة الفضل في إدارة شؤون الدولة.

لكن الفضل لم يسترجع نفوذه السابق، حيث كان المأمون يحجم عن إشراكه في القرارات الكبرى. وظل الفضل في منصبه حتى وفاته سنة 208هـ/823م. يذكر ابن خلكان في وفيات الأعيان أن الفضل توفي مكرهًا، بعد أن فقد معظم تأثيره السياسي في السنوات الأخيرة من حياته.

 

إرثه ورأي المؤرخين فيه

ويقدم المؤرخون تقييماً متناقضاً لشخصية الفضل بن الربيع. فمن ناحية، يعترفون بكفاءته الإدارية وحنكته السياسية. يصفه الطبري بأنه كان “أدهى أهل زمانه”. لكن من ناحية أخرى، ينتقدون طموحه الزائد وقسوته. يذكر ابن الأثير أن الفضل “أهلك الدولة بحمقه”، في إشارة إلى دوره في إشعال الحرب الأهلية.

ترك الفضل بن الربيع إرثًا معقدًا في التاريخ العباسي. من ناحية، مثل نموذجًا للوزير القوي الذي يستطيع التحكم في مقاليد الحكم. ومن ناحية أخرى، كشفت سيرته عن مخاطر النفوذ غير المحدود للوزراء. يرى الدكتور عبد العزيز الدوري في كتابه “التاريخ الاقتصادي للدولة العباسية” أن سياسات الفضل المالية ساهمت في الأزمة الاقتصادية التي عانت منها الخلافة في أوائل القرن الثالث الهجري.

 

اقرأ أيضًا: السيدة خديجة رضي الله عنها

 

 

المصادر:

الطبري: تاريخ الأمم والملوك.

المسعودي: مروج الذهب ومعادن الجوهر.

ابن الأثير: الكامل في التاريخ.

الجهشياري: كتاب الوزراء والكتب.

ابن خلكان: وفيات الأعيان.

عبد العزيز الدوري: التاريخ الاقتصادي للدولة العباسية.

 

الوسوم :

التعليقات

لا توجد تعليقات حتى الآن. كن أول من يعلق!

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات مشابهة

عرض جميع المقالات