بنكان القعقاع بن عمرو التميمي أحد قادة المسلمين العظام الذين أبلوا بلاءً حسنًا في قتال الفرس والروم. حيث ذاع صيته في فتوحات الشام والعراق، وشارك في فتح الكثير من المدن مثل دمشق والمدائن. اشتهر بشجاعته في الحروب الكبيرة مثل القادسية واليرموك، بالإضافة إلى قدرته على الوصف والشعر، فكان يصف المعارك التي يشارك فيها. قال عنه أبو بكر الصديق رضي الله عنه، “صوت القعقاع في الجيش خير من ألف رجل”. كان القعقاع من قبيلة تميم العربية التي تمتعت بمكانة كبيرة في الإسلام والجاهلية. وأخيه هو عاصم بن عمرو الذي شارك معه في فتوحات فارس.

 

هل كان القعقاع صحابي؟

اختلف العلماء في صحبة القعقاع، فهناك من قال بأن صحابي، واستدلوا على ذلك بروايته لحديثين عن رسول الله، حيث قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم “َما أعددت للجهاد؟” قلت: طاعة لله ورسوله، والخيل قال “تلك الغاية القصوى”.

لكن قال أهل الحديث، أن الأحاديث التي نسبت روايتها للقعقاع ضعيفة. وقال ابن عبد البر عن القعقاع وأخيه عاصم “لا يصح لهما عند أهل الحديث صحبة، ولا لقاء، ولا رواية”. وذكرت بعض المصادر أن القعقاع بن عمرو التميمي من التابعين وليس من الصحابة.

 

جهاد القعقاع بن عمرو

برز دور القعقاع بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فشارك في الأحداث والفتوحات التي حدثت في عهد الخلفاء الراشدين كالتالي:

حروب الردة

بعد وفاة رسول الله وفي عهد الخليفة الأول أبي بكر الصديق، ارتدت معظم القبائل العربية عن الإسلام. وكان من ضمن المرتدين علقمة بن علاثة العامري، حيث عسكر في بني كعب، وكان يخطط لغزو المدينة المنورة. ولما علم أبو بكر بأمره أرسل إليه القعقاع بن عمرو، وقال له “يا قعقاع سر حتى تغير على علقمة بن علاثة، لعلك أن تأخذه لي أو تقتله، واعلم أن شفاء الشق الحوص، فاصنع ما عندك”.

خرج القعقاع على رأس سرية وتوجه إلى مكان علقمة، ولما هرب منه، أخذ أهله وولده إلى الخليفة. وقيل أنهم تبرأوا مما فعله علقمة، فتركهم أبو بكر. وقيل أيضًا أن علقمة نفسه قد عاد إلى الإسلام مرة ثانية وتم العفو عنه.

فتوحات العراق

كان القعقاع بن عمرو التميمي من القادة الذين شاركوا في معارك العراق. فبعدما توجه خالد بن الوليد بجيشه إلى هناك، أمده أبو بكر الصديق بمدد على رأسه القعقاع بن عمرو، وكان يقول عنه “لا يهزم جيش فيه هذا”. كانت معركة ذات السلاسل أول معارك المسلمين ضد الفرس في العراق. وبينما كان خالد في طريقه إلى هناك، أرسل إلى هرمز حاكم العراق، وخيره بين الإسلام أو القتال، فاختار هرمز القتال، وطلب المدد من كسرى. حصل هرمز على إمدادات كبيرة، وتوجه بجيشه إلى كاظمة، حيث يتواجد جيش المسلمين. فقام خالد بسحب جيشه إلى الحضير، فلاحقه هرمز إلى هناك، ثم عاد خالد إلى كاظمة، فلحقه هرمز وسبقه إلى الماء.

زحف المسلمون إلى الفرس، فأنزل الله المطر عليهم فشربوا ونهلوا منه. ثم دعا هرمز سيدنا خالد للمبارزة وكان ينوي الغدر به، حيث أمر عددًا من فرسانه باستغلال الفرصة وقتله. لكن القعقاع بن عمرو لحق به مع جماعة من الفرسان، ثم انقض المسلمون على الفرس، وهزموهم.

شهد القعقاع أيضًا فتح الحيرة، واستخلفه عليها خالد بن الوليد ثم خرج إلى الأنبار. كان أيضًا قائد المسلمين في معركة الحصيد سنة 13 من الهجرة، وهزم الفرس وقتل قادتهم. ثم انطلق إلى المصيخ بأمر خالد بن الوليد مع ثلاثة قادة آخرين، وحاصروا هذيل بن عمران التغلبي، وانتصروا عليه وعلى أتباعه وهرب منهم.

وبعد المصيخ انطلق برفقة خالد بن الوليد إلى الفراض، فقاتلوا من تجمع من الفرس والروم والنصارى العرب، وانتصروا عليهم وقتلوا أعدادًا منهم.

 

القعقاع بن عمرو في القادسية

استمرت معركة القادسية 4 أيام وكان اليوم الأول شديدًا على المسلمين. وفي اليوم الثاني وهو يوم أغواث وصلهم المدد من الشام 6 آلاف مقاتل بقيادة هشام بن عتبة، وفي مقدمتهم القعقاع بن عمرو التميمي. ارتفعت معنويات الجنود بوصولهم، وانقلبت الموازين لصالح المسلمين. وكان ذلك بفضل الخطة الذكية التي وضعها القعقاع، حيث سبق المدد وبرفقته 1000 فارس، ثم قسم الفرسان إلى فرق، كل فرقة من 10 فرسان، وأمرهم أن يدخلوا ميدان المعركة عشرة وراء عشرة، وألا تتحرك الفرقة الثانية قبل وصول الأولى. وكان هو على رأس أول فرقة تصل إلى أرض المعركة.

ثم بدأ يشجع المقاتلين وقال لهم “يا أيها الناس أني قد جئتكم في قوم، والله لو كانوا مكانكم، ثم أحسوكم حسدوكم حظوتها، وحاولوا أن يطيروا بها دونكم، فاصنعوا كما أصنع”. نزل القعقاع إلى القتال دون راحة، وطلب المبارزة، وكان معروفًا بين الفرس ويعلمون شجاعته، لذلك خرج له أقوى فارس لديهم وهو بهمن جاذويه. ولما رآه القعقاع عرفه، وقد كان أحد قادة معركة الجسر التي انتصروا فيها وقتلوا أبو عبيدة الثقفي وآلاف المسلمين. انقض القعقاع عليه وقتله وأخذ ثأره منه، فاشتدت عزيمة المسلمين ووهن الفرس. وظل القعقاع يطلب المبارزة ويقتل أفضل قادتهم، ويشجع المسلمين على القتال ويقول “يا معشر المسلمين باشروهم بالسيوف، فإنما يحصد الناس بها”.

كان الفرس يعتمدون على الفيلة لترهيب خيل المسلمين ونجحوا في ذلك. فلجأ القعقاع إلى حيلة ذكية، حيث ألبس الجمال برقع وجعل عليها الفرسان لحمايتها، فنفرت خيل الفرس، وانقلب الوضع لصالح المسلمين بفضل القعقاع.

وفي اليوم الثالث وهو يوم عماس، ظل القعقاع يقاتل بضراوة ويلهب حماسة الجنود. ولما عادت فيلة الفرس للقتال، أثرت على المسلمين، فأراد سعد بن أبي وقاص القضاء عليها. ووقع اختيار سعد على القعقاع وأخيه عاصم، وسلمهم مهمة القضاء على الفيل الأبيض. توجها إلى الفيل وضربا رمحيهما في عينه، ثم ضربه القعقاع على خرطومه، فوقع على الأرض. وبالقضاء على الفيل الأبيض استعاد المسلمون سيطرتهم مرة ثانية.

وفي اليوم الأخير للقتال والذي عرف بيوم القادسية، ظل القعقاع يخطب في الجنود ويرفع معنوياتهم. وكان يقول “أن الدبرة بعد ساعة لمن بدا القوم بتخاذل فاصبروا ساعة واحملوا فإن النصر مع الصبر فأثروا الصبر على الجزع”. وبعد أن كتب الله النصر للمسلمين، هرب الفرس فلاحقهم القعقاع، وقد أثنى عليه سعد بن أبي وقاص وعلى قبيلته بني تميم يوم القادسية.

 

فتح المدائن ونهاوند

شارك القعقاع في فتح المدائن، وكان أخيه عاصم على رأس الكتيبة التي عبرت نهر دجلة قبل الجيش. حيث قاتلوا الفرس على الجهة الأخرى وأمنوا الطريق، فاجتاز المسلمون النهر بأمان. ثم شارك القعقاع أيضًا في فتح جلولاء، وقتل قائد الفرس مهران رازي. بعد ذلك فتح المسلمون حلوان، فجعله عمر بن الخطاب واليًا عليها.

وفي معركة نهاوند سنة 21 من الهجرة، كان النعمان بن مقرن هو القائد، وقد اختار القعقاع على رأس قوة من الفرسان. وبعد قتال 3 أيام، هرب الفرس وتحصنوا بالمدينة، فلجأ المسلمون إلى حيلة ذكية. حيث خصص النعمان قوة عسكرية، يكون عملها الكر والفر حتي تجعل الفرس يخرجون إليهم. وفي نفس الوقت يتخفى باقي الجيش في أماكن لا يراها العدو. وعندما يحصل التحام، تتظاهر هذه القوة بالخسارة وينسحبون حتى يأتي الفرس خلفهم، ومن ثم ينقض عليهم الجيش الإسلامي.

كان القعقاع بن عمرو على رأس القوة العسكرية، فنفذوا المهمة بنجاح. ثم دارت معركة ضارية لم يشهدها كلا الطرفين من قبل، واستمرت من منتصف النهار إلى الليل، كان النصر فيها حليفًا للمسلمين.

 

دور القعقاع بن عمرو في فتوحات الشام

كان القعقاع أحد القادة في معركة اليرموك، وكان أميرًا على كردوس من 1000 مقاتل. وكان هو وعكرمة بن أبي جهل أول من بدأ القتال، وقد انتصر المسلمون وهزموا الروم. بعد ذلك حاصر مدينة دمشق من الجهة التي كان فيها خالد بن الوليد، وكان على رأس الفرسان الذين صعدوا على الأسوار وتعالت أصواتهم بالتكبير، ثم دخل المسلمون دمشق.

ثم توجه خالد بن الوليد ومعه القعقاع بن عمرو إلى فحل، ونجحوا في فتحها وأبلوا بلاءً حسنا. وبعد فحل توجه الجيش إلى حصار حمص، فسار معهم وقاتل بكل شجاعة حتى سقطت المدينة في أيديهم.

 

دوره في فتح مصر

وصل عمرو بن العاص بالجيش إلى مصر في عيد الأضحى سنة 18 من الهجرة، وكان برفقته القعقاع بن عمرو. وحاصر الفرما شهرًا وقيل شهرين، وجرت مناوشات بينه وبين الحامية البيزنطية. لكنه نجح في اقتحامها في محرم سنة 19 من الهجرة. بعد فتح الفرما توغل عمرو بالجيش داخل مصر حتى وصل إلى بلبيس وحاصرها شهرًا. وكان داخل بلبيس أرطبون وابنة المقوقس “أرمانوسة”، التي كانت في طريقها إلى قيسارية للزواج من ابن هرقل. قاتلهم المسلمون وقتلوا عددًا منهم، وأسروا آخرين من بينهم أرمانوسة. استشار عمرو بن العاص، القعقاع بن عمرو ويزيد بن أبي سفيان في أمر ابنة المقوقس، فاقترحوا عليه إطلاق سراحها. وبالفعل أرسلها عمرو إلى أبيها ومعها كل ممتلكاتها، وكان برفقتها قيس بن سعد بن عبادة.

 

 

المصادر:

ابن الأثير: أسد الغابة في معرفة الصحابة.

ابن عساكر: تاريخ دمشق.

العسقلاني: الإصابة في تمييز الصحابة.

ابن عبد البر: الاستيعاب في معرفة الأصحاب.

 

الوسوم :

التعليقات

لا توجد تعليقات حتى الآن. كن أول من يعلق!

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات مشابهة

عرض جميع المقالات