كان النعمان بن مقرن المزني قائد معركة نهاوند، صحابي جليل من صحابة رسول الله. وهو سيد قبيلة مزينة التي كانت تسكن على الطريق بين مكة المكرمة والمدينة المنورة. وكان رضي الله عنه السبب في إسلام قومه، فقال عنه النبي “إن للإيمان بيوتًا، وإن بيت آل مقرن من بيوت الإيمان”. وبعد وفاة رسول الله لعب دورًا في الفتوحات الإسلامية في عهد الخلفاء الراشدين، خاصة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب. وبعد أن كان يسكن بالمدينة، ذهب إلى البصرة، ثم انتقل إلى الكوفة.

 

نسب النعمان بن مقرن المزني

اسمه: النعمان بن عمرو بن مقرن بن عائذ بن ميجا بن هجير بن نصر بن حبشية بن كعب بن عبد بن ثور بن هذمة بن لاطم بن عثمان بن مزينة بن إد بن طابخة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان.

إخوته: سويد بن مقرن، معقل بن مقرن، عقيل بن مقرن، عبد الله بن مقرن.

 

إسلامه

بعد هجرة النبي صلى الله عليه وسلم، إلى المدينة المنورة، كانت أخباره تصل إلى قبيلة مزينة. وفي ذات مساء جلس النعمان بن مقرن مع قبيلته وكان سيدهم فقال لهم “يا قوم، والله ما علمنا عن محمد إلا خيرًا ولا سمعنا من دعوته إلا مرحمة وإحسانًا وعدلًا، فما بالنا نبطئ عنه والناس إليه يسرعون ؟”. ثم أخبرهم أنه عزم على الذهاب إلى النبي في الغد، وقال لهم “فمن شاء منكم أن يكون معي فليتجهز”.

لمست كلمات النعمان قلوب إخوته وقومه، فتجمعوا في الصباح وتجهزوا للخروج معه. وسار معه إلى النبي إخوته العشرة و400 فارس من فرسان مزينة، وتوجهوا إلى المدينة المنورة كي يعلنون إسلامهم بين يديه. وعلى الرغم من السنة المجدبة التي تعرضت لها مزينة لم تترك زرعًا ولا ضرعًا، لكنه استحى أن يدخل على النبي بيدٍ فارغة. لذلك دخل النعمان بيوت إخوته كلها يبحث عن شيءٍ يقدمه هدية لرسول الله، فوجد شيئًا يأخذه.

فرح أهل المدينة المنورة بقدوم سيد مزينة بقومه، فلم يسبق أن دخلت قبيلة الإسلام مرة واحدة بهذا العدد، وفرح رسول الله وقبل هديته. وقد أنزل الله فيهم القرآن، قال تعالى ﴿وَمِنْ الْأَعْرَابِ مَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَتَّخِذُ مَا يُنفِقُ قُرُبَاتٍ عِنْدَ اللَّهِ وَصَلَوَاتِ الرَّسُولِ أَلَا إِنَّهَا قُرْبَةٌ لَهُمْ سَيُدْخِلُهُمْ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾.

 

جهاده

شهد النعمان بن مقرن غزوة الأحزاب وبيعة الرضوان، وشارك في حروب الردة في عهد أبي بكر الصديق. ثم توجه إلى الكوفة وكان ضمن قادة سعد بن أبي وقاص الذين أرسلهم إلى يزدجرد. كما قاتل بشجاعة في معركة القادسية، وجعله عمر بن الخطاب واليًا على كسكر وهي بلدة على نهر دجلة بسواد العراق.

بعدما طرد المسلمون الفرس من العراق، زحفوا إلى فارس وفتحوا الأهواز وهزموا الجيش الفارسي هزيمة ساحقة. وبسبب هزائم الفرس المتتالية وخسارة أراضيهم، تحركت مشاعرهم القومية وشعروا بضياع هيبتهم. لذلك بدأوا في التواصل مع يزدجرد كسرى فارس، كي يثأر لهم، وأخبروه أنهم مستعدون لخوض الحرب إلى النهاية.

تشجع كسرى وقام بحشد جيش وهو في مرّو، فأتاه الناس من كل بقاع فارس،  من خراسان وأصفهان وهمذان وطبرستان والسند وجرجان. لقد نجح في حشد عدد ضخم من الجنود، ذكر البعض أنه وصل إلى 150 ألف مقاتل. ثم عين على هذا الجيش ذا الحاجب مردان شاه، وأرسله إلى نهاوند.

علم والي ثغر حلوان وكان يدعى عبد الله بن قباذ، بأمر الفرس فأرسل لسعد بن أبي وقاص. ثم أرسل سعد إلى خليفة المؤمنين عمر بن الخطاب في المدينة المنورة، كي يستشيره بما يجب عليه فعله. لكن في هذا الوقت تحديدًا تم عزل سعد، بسبب وشايات أهل الكوفة ضده. وعين عمر مكانه صحابي كبير في السن كان اسمه عبد الله بن عتبان.

 

النعمان بن مقرن قائد معركة نهاوند

كانت سياسة سيدنا عمر دائمًا تنص على حماية الجيش من المخاطر وعدم الزج به إلى الجبال والمناطق الخطرة. لكن الوضع كان مختلف في نهاوند، فقد سار الفرس بالجيش في منطقة جبلية، ومع ذلك قرر عمر أن يسير الجنود المسلمين إليهم، حتى لا يستعيدوا قوتهم من جديد.

استشار سيدنا عمر الصحابة في القائد اختيار القائد الذي سيتولى قيادة المعركة، فلم يجدوا من يقترحوه عليه، لكنه قال “أما والله لأولين أمرهم رجلا ليكونن لأول الأسنة إذا لقيها غدًا، فقيل: من يا أمير المؤمنين، فقال: النعمان بن مقرن المزني، فقالوا: هو لها والنعمان”. بعد أن جعل عمر قيادة الجيش للصحابي النعمان بن مقرن المزني أرسله من البصرة إلى نهاوند، بعد أن أرسل له الخطة التي سيسير عليها. ثم عين 7 قادة خلفًا للنعمان إذا استشهد في القتال، حتى لا يترك المسلمين في وضع صعب. وكانت هذه الحركة تأسيًا بما فعله النبي في غزوة مؤتة.

بعد ذلك أرسل المدد إلى نهاوند، فخرج جيش بقيادة ابنه عبد الله بن عمر من المدينة المنورة. كما أرسل أبا موسى الأشعري بثلث قوات البصرة، وحذيفة بن اليمان بثلث قوات الكوفة.

خرج النعمان من السوس بالجيش القادم من الكوفة وكان عدده 30 ألفًا، وسار إلى نهاوند. في نفس الوقت كانت قوة إسلاميَة قد فتحت مدينة جُنديسابور بقيادة زرِّ بن عبد الله كليب. كما نشر النعمان العيون والجواسيس أمامه، بهدف استكشاف المنطقة حتَى لا يؤخذ على غرَّة. ثم واصل الزحف إلى أسبيهذان وعسكر فيها قرب الجيش الفارسي، الذي وجده محصنًا بالخنادق.

 

الانتصار في نهاوند

حاول الفرس التفاوض مع المسلمين، فأرسلوا إلى النعمان يبعث إليهم رجلًا، فأرسل إليهم المغيرة بن شعبة. عرض الفرس على المسلمين الانسحاب من بلادهم مقابل المال، لكنهم لم يقبلوا بهذا العرض. فلم يكن هدف المسلمين المال، بل نشر الدين الإسلامي في أقصى بقاع الأرض.

بعد فشل المفاوضات، استعد الطرفان للحرب، ودارت بينهما معركة شرسة لمدة يومين. وعندما شعر الفرس بقرب انتصار المسلمين وتفوقهم، انسحبوا إلى المدينة وتحصنوا بها. لما رأى النعمان أن الفرس لن يخرجوا من المدينة، وأن قواته لا تستطيع الدخول إليهم، لجأ إلى حيلة ذكية. حيث عقد مجلسًا عسكريًا للتشاور، فقرروا اللجوء إلى خطة تجعل الفرس يخرجون من تحصيناتهم.

خصص النعمان قوة عسكرية، يكون عملها الكر والفر حتي تجعل الفرس يخرجون إليهم. وفي نفس الوقت يتخفى باقي الجيش في أماكن لا يراها العدو. وعندما يحصل التحام، تتظاهر هذه القوة بالخسارة وينسحبون حتى يأتي الفرس خلفهم، ومن ثم ينقض عليهم الجيش الإسلامي.

كان القعقاع بن عمرو على رأس القوة العسكرية، فنفذوا المهمة بنجاح. ثم دارت معركة ضارية لم يشهدها كلا الطرفين من قبل، واستمرت من منتصف النهار إلى الليل، وكان النصر حليفًا للمسلمين.

 

استشهاد النعمان بن مقرن

حقق النعمان النصر للمسلمين، وفتحوا مدينة نهاوند الحصينة على يده. لكن وقع عدد من الشهداء كان على رأسهم عددًا كبيرًا من القادة وأهم الأسماء البارزة وفي مقدمتهم، النعمان بن مقرن، وعمرو بن معد يكرب، وطليحة بن أسد. ولما وصل خبر استشهاده إلى عمر في المدينة وضع يده على وجهه وبكى.

 

 

 

المصادر:

ابن حجر العسقلاني: الإصابة في تمييز الصحابة.

الزركلي: الأعلام.

البلاذري: فتوح البلدان.

ابن الأثير: الكامل في التاريخ.

الطبري: تاريخ الطبري.

ابن سعد: الطبقات الكبرى.

ابن كثير: البداية والنهاية.

 

الوسوم :

التعليقات

لا توجد تعليقات حتى الآن. كن أول من يعلق!

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات مشابهة

عرض جميع المقالات