كانت هجرة المسلمين إلى الحبشة على مرحلتين: الهجرة الأولى، والهجرة الثانية. حيث فرَّ بعض المسلمين الأوائل من مكة متوجهين إلى أرض الحبشة التي يحكمها ملك عادل؛ لا يُظَلم عنده أحد. فبعد ما تعرضوا للاضطهاد والتعذيب على يد زعماء قريش، أمرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، بالهجرة إلى الحبشة، حتى يحميهم من الظلم والقهر.

 

أسباب الهجرة إلى الحبشة

كان النبي صلى الله عليه وسلم، في حماية عمه أبي طالب بن عبد المطلب، ولم تستطع قريش المساس به، بينما كان أًصحابه من المسلمين الأوائل يتعرضون للضرب والتعذيب أمام عينه. لم يستطع النبي تحمل هذا المكروه لأتباعه، وقال لهم “لو خرجتم إلى أرض الحبشة؟ فإن بها ملكًا لا يُظلَم عنده أحد، وهي – أرض صدق – حتى يجعل الله لكم فرجًا مما أنتم فيه”.

 

هجرة الحبشة الأولى

كانت الهجرة إلى الحبشة في المرة الأولى في شهر رجب سنة 5 من البعثة، الموافق 615 م. وكان عدد الذين هاجروا 11 رجلًا و 4 نسوة، تحت إمارة عثمان بن مظعون. وقيل كانوا 12 رجلًا، وامرأتان فقط. وبعدما خرجوا من مكة إلى ساحل بحر القلزم ( البحر الأحمر)، ركبوا في سفينتين، مقابل نصف دينار لكل شخص. وعندما علم زعماء قريش بخروجهم، لاحقوهم لكن لم يدركوهم ووصلوا بسلام إلى أرض الحبشة.

وكان عثمان بن عفان أول من هاجر إلى الحبشة، فعن النضر بن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ” إنَّ عثمانَ لأوَّلُ مَن هاجَر إلى اللهِ بأهلِه بعدَ لوطٍ”.

 

أسماء الصحابة الذين هاجروا إلى الحبشة في الهجرة الأولى

عثمان بن عفان.

الزبير بن العوام.

عبد الرحمن بن عوف.

أبو حذيفة بن عتبة، وزوجته سهلة بنت سهيل.

مصعب بن عمير.

عثمان بن مظعون.

أبو سلمة بن عبد الأسد، وزوجته أم سلمة بنت أبي أمية.

عبد الله بن مسعود.

أبو سبرة بن أبي رهم.

سهيل بن بيضاء.

عامر بن ربيعة العنزي، وزوجته ليلى بنت أبي حثمة.

حاطب بن عمرو.

 

العودة إلى مكة

لم تستمر هجرة المسلمين إلى الحبشة كثيرًا، فبعد فترة قصيرة وصل خبر للمهاجرين أن أهل مكة قد أسلموا. فاجتمعوا وقرروا الرجوع إلى أرض الوطن في شهر شوال من نفس العام، أي بعد أقل من شهرين. وعندما وصلوا إلى حدود مكة، علموا أن هذا الخبر كاذبًا، فمنهم من عاد إلى الحبشة ومنهم من دخل مكة متخفيًا.

 

الهجرة الثانية إلى الحبشة

بعد أن عاد بعض المهاجرين إلى مكة، ورأوا أن الوضع نفسه قائمًا، وما زالت قريش تمارس التعذيب والاضطهاد عليهم، أمرهم رسول الله بالهجرة إلى الحبشة مرة ثانية. واختلف العلماء والمؤرخين في عدد المهاجرين هذه المرة، فقيل كانوا 83 رجلًا، و19 امرأة، وذكر الطبري أنهم كانوا 82 رجلًا غير النساء والأطفال. وكان جعفر بن أبي طالب هو المسؤول عنهم هذه المرة.

وكان من بين المهاجرين الرجال ( أبو عبيدة بن الجراح، أبو موسى الأشعري، عثمان بن مظعون، خالد بن سعيد بن العاص، عمرو بن سعيد بن العاص، المقداد بن الأسود، شرحبيل بن حسنة). ومن النساء ( أسماء بنت عميس، رملة بنت أبي عوف، سودة بنت زمعة، أم حبيبة بنت أبي سفيان).

عاش المسلمون في الحبشة في سلام وأمان، تقول أم المؤمنين أم سلمة رضي الله عنها “لما نزلنا أرض الحبشة، جاورْنا بها خيرَ جارٍ النجاشيَّ، أمِنَّا على ديننا، وعبدنا الله تعالى لا نؤذى ولا نسمع شيئاً نكره”.

 

وفد قريش إلى النجاشي

غضبت قريش من هجرة المسلمين إلى الحبشة، خاصة أنهم يمارسون طقوس دينهم بسلام ويعيشون في أمان. فاجتمعوا في دار الندوة، وقرروا إرسال الرسل إلى النجاشي ملك الحبشة، ومعهم الهدايا والعطايا. واختاروا لهذه المهمة عمرو بن العاص، وعمارة بن الوليد، وقيل عبد الله بن أبي ربيعة. فقابلوا البطارقة أولًا، وأعطوهم الهدايا، وطلبوا منهم نصح النجاشي برد المسلمين إليهم.

عندما دخل عمرو بن العاص ومن معه على النجاشي سجدا له وسلما عليه، وطلبوا منه عودة المسلمين معهم. لكن ملك الحبشة أراد الاستماع إلى المسلمين أولًا، ولما أرسل إليهم اجتمعوا واتفقوا على ما يقولونه أمامه.  فقالوا “نقول والله ما علمنا وما أمرنا به نبينا كائناً في ذلك ما هو كائن”.

 

خطاب جعفر بن أبي طالب أمام النجاشي

لما دخل الصحابة على النجاشي وكان على رأسهم جعفر بن أبي طالب، قال لهم “ما هذا الدين الذي قد فارقتم فيه قومكم، ولم تدخلوا في ديني ولا في دين أحد من هذه الملل؟”. رد عليه سيدنا جعفر رضي الله عنه، ردًا عظيمًا، وكان مما قاله:

“أيها الملك، كنا قوماً أهل جاهلية، نعبد الأصنام، ونأكل الميتة، ونأتي الفواحش، ونقطع الأرحام، ونسيء الجوار، ويأكل القوي منا الضعيف، فكنا على ذلك، حتى بعث الله إلينا رسولاً منا، نعرف نسبه وصدقه وأمانته وعفافه، فدعانا إلى الله لنوحده ونعبده، وأمرنا بصدق الحديث، وأداء الأمانة، وصلة الرحم، وحسن الجوار، والكف عن المحارم والدماء، ونهانا عن الفواحش، وقول الزور، وأكل مال اليتيم، وقذف المحصنات، وأمرنا أن نعبد الله وحده، لا نشرك به شيئاً، وأمرنا بالصلاة والزكاة والصيام، فصدقناه وآمنَّا به، فعدا علينا قومنا، فعذبونا وفتنونا عن ديننا، فلما قهرونا وظلمونا وضيقوا علينا، خرجنا إلى بلادك، واخترناك على من سواك، ورغبنا في جوارك، ورجونا أن لا نظلم عندك أيها الملك”.

تأثر النجاشي بكلام سيدنا جعفر رضي الله عنه، وقال له “هل معك مما جاء به عن الله من شيء؟”، فقال جعفر “نعم” وقرأ عليه أول سورة مريم.

فقال النجاشي “إن هذا والذي جاء به عيسى ليخرج من مشكاة واحدة، انطلقا، فلا والله لا أسلمهم إليكما، ولا يكادون”. وتقول أم سلمة رضي الله عنها “بكى النجاشي حتى اخضلت لحيته، وبكى الأساقفة حين سمعوا ما تلا عليهم، حتى أخضلوا مصاحفهم”.

 

مكيدة عمرو بن العاص

لما خرج عمرو بن العاص ومن معه  من عند النجاشي قال “والله لآتينه غداً عنهم بما أستأصل به خضراءهم”، فقال له من كان معه “لا نفعل، فإن لهم أرحاماً، وإن كانوا قد خالفونا”، فقال “والله لأخبرنه أنهم يزعمون أن عيسى بن مريم عبد”.

في اليوم التالي ذهب عمرو إلى النجاشي وقال له “إنهم يقولون في عيسى قولًا عظيمًا، فسلهم عما يقولون”. وكانت هذه محاولة للوقيعة بسبب اختلاف عقيدة المسلمين والنصارى في شأن عيسى بن مريم.

اجتمع المسلمون وتشاورا فيما يقولونه، وقرروا قول الحق الذي يؤمنون به. فقال جعفر للنجاشي “نقول فيه الذي جاءنا به نبينا صلى الله عليه وسلم، هو عبد الله ورسوله وروحه وكلمته ألقاها إلى مريم العذراء البتول”. ضرب النجاشي الأرض بيده وقال “والله ما عدا عيسى بن مريم ما قلت هذا العود”. ثم قال “وإن نخرتم والله، اذهبوا فأنتم شيوم بأرضي” أي آمنون. ثم رد هدايا قريش، وعاد عمرو بن العاص وعبد الله بن أبي ربيعة أو عمارة بن الوليد إلى قريش خائبون.

 

نتائج الهجرة إلى الحبشة

بعد هجرة المسلمين إلى الحبشة عاشوا في أمان وسلام، ومارسوا فروضهم وطقوس دينهم بكل حرية.

انتشر الإسلام في أرض الحبشة بفضل هجرة المسلمين الأوائل، فأسلم النجاشي ملك الحبشة، عندما أرسل له رسول الله رسالته.

كتب النبي أيضًا إلى النجاشي وطلب منه أن يزوجه من أم حبيبة بنت أبي سفيان بعد أن مات زوجها عبيد الله بن جحش في الحبشة.

لما علم المهاجرون إلى الحبشة بهجرة النبي إلى المدينة المنورة، هاجر بعضهم إليه، ثم أرسل النجاشي من تبقى من الصحابة سنة 7 من الهجرة على سفينتين، ووصلوا المدينة بعد غزوة خيبر.

 

 

 

 

المصادر

محمد الخضري (1425)، كتاب نور اليقين في سيرة سيد المرسلين.

رمضان البوطي (1426 هـ )، كتاب فقه السيرة النبوية مع موجز لتاريخ الخلافة الراشدة.

موسى بن راشد العازمي (1432 هـ – 2011 م)، كتاب اللؤلؤ المكنون في سيرة النبي المأمون.

موقع قصة الإسلام، د راغب السرجاني “مكة وأحداث ما بعد الهجرة الأولى إلى الحبشة”.

موقع قصة الإسلام، د راغب السرجاني ” توقيت هجرة الحبشة الثانية بالأدلة”

إسلام ويب “الهجرة إلى الحبشة دروس وعبر”.

 

 

الوسوم :

التعليقات

لا توجد تعليقات حتى الآن. كن أول من يعلق!

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات مشابهة

عرض جميع المقالات