الهجرة النبوية الشريفة أو هجرة الرسول من مكة إلى المدينة كانت بأمر إلهي. لم يكن النبي يرغب في الرحيل عن مكة قط، لولا خوفه على المسلمين من اضطهاد وتعذيب قريش لهم. فعندما خرج منها سرًا التفت إليها وقال إنها أحب بلاد الله إلى الله وإليه، ولولا أهلها ما خرج منها أبدًا. لقد كانت هجرة النبي إلى المدينة المنورة حدث ضروري لقيام الدولة الإسلامية، وتوسيع نطاق الدعوة إلى الناس كافة.
تاريخ الهجرة النبوية
كانت هجرة الرسول من مكة إلى المدينة، في عام 14 من الهجرة، وهذا التاريخ يوافق 622 ميلاديًا. وكان يوم هجرة النبي إلى يثرب بداية إنشاء التقويم الهجري، الذي تأسس في خلافة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب. استمرت هجرة المسلمين من كل مكان في شبه الجزيرة العربية إلى المدينة المنورة بعد وصول النبي إليها. فقد نزلت كثير من الآيات التي تحث المسلمين على الهجرة حتى فتح مكة سنة 8 من الهجرة.
أسباب الهجرة النبوية
كانت هناك أسباب وعوامل كثيرة أدت إلى هجرة النبي من مكة إلى المدينة كالتالي:
دعوة أهل الطائف
بعد موت السيدة خديجة وأبو طالب اشتد أذى كفار مكة على النبي وأصحابه، فلم يرى سبيلًا سوى نشر دعوته خارج مكة والاستعانة بقبائل أخرى. ذهب النبي إلى الطائف التي كانت تسكنها قبائل ثقيف، بحثًا عن نصرتهم ومؤازرتهم له.
خرج صلى الله عليه وسلم من مكة إلى الطائف سيرًا على الأقدام، وبرفقته زيد بن حارثة في شوال سنة 3 قبل الهجرة. ظل بالطائف 10 أيام، يقابل أشرافها وأسيادها ويدعوهم إلى الإسلام، لكنه وجد ردود قاسية وشديدة.
سلط أهل الطائف الأطفال والسفهاء على النبي، كي يرموه بالحجارة، وكان زيد بن حارثة يحميه بنفسه، فجرحت رأسه. خرج النبي من الطائف جريحًا ورجليه داميتان، ثم عاد إلى مكة.
دعوة قبائل العرب في موسم الحج
بدأ النبي صلى الله عليه وسلم، يدعوا الناس في موسم الحج، ويقابل كل القبائل. كما ذهب إلى الأسواق مثل سوق عكاز وذي المجاز. وعرض الإسلام على قبائل بني سليم وبني عبس وغسان وبني محارب وغيرهم. لم يحصل النبي على رد فعل إيجابي، وردوا عليه أقبح الردود، وقالوا له “أسرتك وعشيرتك أعلم بك حيث لم يتبعوك”.
بيعة العقبة الأولى
خلال دعوة النبي للناس عند العقبة بمنى، قابل 6 أشخاص من قبيلة الخزرج من يثرب وهم: أسعد بن زرارة، جابر بن عبد الله، عوف بن الحارث، عقبة بن عامر، رافع بن مالك، وقطبة بن عامر بن حديدة. لما دعاهم النبي للإسلام قالوا لبعضهم البعض “يا قوم، تعلموا والله إنه لنبي توعدكم به يهود، فلا تسبقنّكم إليه”.
عندما عادوا إلى يثرب دعوا قومهم وأخبروهم بأمر النبي فانتشر الإسلام في المدينة. وفي العام المقبل قدم إلى النبي 12 رجلًا من الأنصار وأعلنوا إسلامهم. ثم أرسل معهم مصعب بن عمير إلى يثرب ليعلمهم القرآن والإسلام. أسلم سعد بن عبادة وأسيد بن خضر وسعد بن معاذ وهم أسياد قومهم، فانتشر الإسلام في دور المدينة.
بيعة العقبة الثانية
رجع مصعب بن عمير ومعه 73 رجلًا وامرأتان في موسم الحج قبل هجرة النبي بثلاثة شهور، وبايعوا النبي صلى الله عليه وسلم. فقال لهم “تابعوني على السمع والطاعة في النشاط والكسل، والنفقة في العسر واليسر، على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وعلى أن تنصروني فتمنعوني إذا قدمت عليكم مما تمنعون منه أنفسكم وأزواجكم وأبناءكم، ولكم الجنة”.
بعد أن بايعوا النبي صلى الله عليه وسلم، قال لهم “أخرجوا إليَّ منكم اثني عشر نقيبًا يكونون على قومهم بما فيهم”. فاختاروا 6 نقباء من الخزرج و3 من الأوس، فقال لهم النبي “أنتم على قومكم بما فيهم كفلاء ككفالة الحواريين لعيسى بن مريم، وأنا كفيل على قومي”.
الإذن بالهجرة إلى المدينة
بعد بيعة العقبة الثانية اشتد بلاء قريش على المسلمين، فأذن لهم النبي بالهجرة إلى المدينة. خرج الصحابة من مكة سرًا، وكان أبو سلمة بن عبد الأسد أول مهاجر يصل إلى يثرب. خرج المسلمون بشكل خفي فرادى وجماعات، وتركوا خلفهم أملاكهم وفروا بعقيدتهم. ونزلوا على الأنصار فآووهم في بيوتهم وتقاسموا معهم أرزاقهم. لم يبقى في مكة سوى المحبوسين والضعفاء، والنبي محمد وأبو بكر الصديق وعلي بن أبي طالب.
الهجرة النبوية
ظل النبي ينتظر أن يؤذن له بالهجرة من مكة إلى المدينة، وكان أبو بكر يستأذنه ليهاجر، فكان يقول له “لا تعجل لعل الله يجعل لك صاحبًا”. عندما رأت قريش خروج المسلمين مهاجرين أفواجًا، خشت أن يهاجر النبي أيضًا. اجتمعوا في دار الندوة، واتفقوا على أن يختاروا من كل قبيلة شاب لاغتيال الرسول، حتى يتفرق دمه بين القبائل، ويعجز بنو هاشم عن الأخذ بالثأر.
أخبر سيدنا جبريل النبي بخطة قريش، وأمره ألا ينام في مضجعه هذه الليلة. طلب النبي من علي بن أبي طالب أن ينام مكانه، وبينما كانت قريش تقف على باب بيته خرج أمامهم وهو يقرأ سورة يس، فأعمى الله أبصارهم عنه.
جعل النبي علي يبقى بعده، حتى يؤدي أمانات أهل مكة إليهم، وفي الصباح تفاجأت قريش بخروج النبي دون أن يروه. جهز أبو بكر راحلتين، فأعطاهما رسول الله لعبد الله بن أريقط، وطلب منه أن يذهب إليه في غار ثور بعد 3 ليال، حتى يكون دليلًا لهما في الصحراء.
خرج النبي وأبو بكر في 27 صفر سنة 14 من البعثة، واختبئوا في غار ثور. وطلب أبو بكر من ابنه عبد الله أن يتجسس على قريش ويأتي لهم بالأخبار. فكان عبد الله بين قريش بالنهار، ويذهب في المساء إلى غار ثور بالأخبار. وكانت أسماء بنت أبي بكر أيضًا تأتيهما في المساء بالطعام.
مطاردة قريش للنبي وأبي بكر الصديق
ظلت قريش تبحث عن النبي وأبي بكر حتى وصلوا إلى باب غار ثور. يقول أبو بكر رضي الله عنه ” نظرتُ إلى أقدامِ المشركين على رؤوسِنا ونحن في الغارِ، فقلتُ: يا رسولَ اللهِ ! لو أنَّ أحدَهم نظر إلى قدمَيه أبصَرَنا تحت قدمَيه، فقال: “يا أبا بكرٍ ! ما ظنُّك باثنَين اللهُ ثالثُهما”؟
ظل النبي وصاحبه في غار ثور 3 ليال، وخرجا منه يوم الاثنين 1 ربيع الأول سنة 1 من الهجرة. جعلت قريش جائزة قدرها 100 ناقة لمن يعثر على النبي ويرده لعم. وخلال هجرتهما إلى يثرب وجدهما سراقة بن مالك، فدعا عليه رسول الله، فتوقف فرسه ولم يستطع السير. فقال ” يا محمد أدع الله أن يطلق فرسي وأرجع عنك وأرد من ورائي”. دعا له النبي فذهب، وكان يرد عنه الناس.
مر النبي وأبو بكر ودليلهما عبد الله بن أريقط، بخيمة أم معبد، فطلبوا منها شراء الطعام. فقالت “واللهِ ما عندنا طعامٌ ولا لنا منحةٌ ولا لنا شاةٌ إلا حائلٌ”، فطلب الرسول بعض غنهما ومسح على ضرعها بيده ودعا الله. ثم حلب اللبن فشربت أم معبد وأبو بكر والنبي وابن أريقط، ثم رحلوا.
ثم وصلت مجموعة من قريش تبحث عن النبي إلى مكان أم معبد وسألتها عنه، فقالت لهم “إنكم تسألوني عن أمر ما سمعت به قبل عامي هذا”.
وصول النبي إلى المدينة
وصل النبي وصاحبه قباء يوم الاثنين 8 من ربيع الأول، فأسس مسجد قباء، ثم انطلقا إلى يثرب ووصلا إليها يوم الجمعة 12 ربيع الأول سنة 1 من الهجرة. ومن لحظة دخول النبي إليها سميت بالمدينة المنورة. خلال الهجرة النبوية التقى النبي وأبو بكر بعروة بن الزبير قادمًا في قافلة من الشام، فكساهما ثياب بيضاء.
كان الأنصار يخرجون كل يوم إلى الحرة ينتظرون قدوم النبي، فإذا اشتد الحر عادو إلى بيوتهم. وفي يوم الاثنين صعد رجل من اليهود على مكان مرتفع فرأى النبي وأصحابه، فقال “يا بني قيلة! هذا صاحبكم قد جاء، هذا جدكم الذي تنتظرونه”. واستقبل الأنصار رسول الله مرحبين فرحين.
بعد هجرة الرسول من مكة إلى المدينة، ظل المسلمون يهاجرون حتى عام 8 من الهجرة. ولما فتح مكة قال “لا هجرةَ بعدَ الفتحِ، ولكن جهادٌ ونِيَّةٌ، وإذا استُنفِرْتُم فانفِروا”.
المصادر:
ابن الأثير: أسد الغابة في معرفة الصحابة.
ابن سعد: الطبقات الكبرى.
البلاذري: أنساب الأشراف.
ابن كثير: البداية والنهاية.
الذهبي: سير أعلام النبلاء.
سيرة ابن هشام.
الطبري: تاريخ الأمم والملوك.
ابن الأثير: الكامل في التاريخ.
التعليقات
لا توجد تعليقات حتى الآن. كن أول من يعلق!
اترك تعليق
لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *