الخليفة الأموي الوليد بن عبد الملك هو الخليفة السادس للدولة الأموية. تولى الخلافة بعد وفاة أبيه عبد الملك بن مروان سنة 86 هـ، وظل في الحكم عشر سنوات. يعود له الفضل في فتح بلاد السند وما وراء النهر والمغرب والأندلس. وكان له العديد من الأعمال الطيبة منها، تعهده بالأيتام والمكفوفين والمقعدين، وتشجيعه العلم والعلماء وحفظة القرآن الكريم وتوسيعه المسجد النبوي. كان للوليد 3 زوجات، وأنجب 19 ابنًا. ومن بعده تولى الخلافة أخوه سليمان بن عبد الملك، فقد كان ولي العهد من بعده.
فتوحات الوليد بن عبد الملك
كانت الفتوحات أهم انجازات الوليد بن عبد الملك، وظهر في عهده العديد من القادة والفاتحين مثل قتيبة بن مسلم الباهلي، وموسى بن نصير، وطارق بن زياد، ومحمد بن القاسم الثقفي. ومن أهم فتوحات الوليد بن عبد الملك ما يلي:
فتوحات بلاد ما وراء النهر
تقع بلاد ما وراء النهر جنوب روسيا وحتى أواسط قارة أسيا، وكانت موطن للقبائل التركية الوثنية. وكان هذا الإقليم مقسمًا إلى عدة مناطق أهمها بخارى وسمرقند، وكان على كل منطقة ملك من ملوك الترك وكانوا في حروب داخلية. وتولى فتح هذا الإقليم قتيبة بن مسلم، الذي عينه الحجاج بن يوسف الثقفي واليًا على خراسان.
سنة 86 هـ، بدأ قتيبة بفتح بلخ وبعدها فتح بيكند سنة 87 هـ، وظل يفتح مدينة وراء أخرى، وفتح إقليم الصغد. ثم توجه إلى بخارى وبذل جهدًا كبيرًا حتى فتحها سنة 89 هـ، ثم استولى على خوارزم سنة 93 هـ، وأخيرًا فتح سمرقند بعد قتال شديد مع أهلها.
لم يكتف قتيبة بذلك بل أراد مد نفوذ الدولة الأموية إلى وسط أسيا فعبر نهر جيجون. وفي سنة 95 هـ، فتح خوقند وكاشغر. وظل يتابع فتوحاته في اتجاه الشرق حتى وصله خبر وفاة الخليفة الوليد بن عبد الملك. لم يتوقف قتيبة على الرغم من ذلك وواصل طريقه حتى وقف على حدود الصين وأخضع ملكها حتى دفع الجزية.
وبذلك يكون أصبح إقليم ما وراء النهر تحت نفوذ الدولة الأموية، ومع الوقت دخل معظم الترك إلى الإسلام.
فتح بلاد السند
تقع بلاد السند حاليًا ضمن دولة باكستان وأفغانستان، وكان أهلها يعبدون الأوثان. قاد فتوحات هذه المنطقة القائد الكبير محمد بن القاسم الثقفي، وهو ابن عم الحجاج بن يوسف الثقفي. واصل الزحف حتى وقف على نهر السند الذي يليه بلاد الهند. وكانت هناك عدة حملات وغزوات سابقة على هذه المنطقة منذ عهد أمير المؤمنين عمر بن الخطاب ثم عثمان بن عفان وعلي بن أبي طالب. وحقق المسلمون انتصارات واضحة، لكن هذه المرة كان الفتح منظم.
كان محمد بن القاسم واليًا على فارس، وجهز له الحجاج جيشًا كبيرًا من 20 ألف مقاتل وأنفق عليه 60 ألف درهمًا. ثم سار بجيشه من شيراز إلى مكران وجعلها قاعدة لجيشه ومكث بها أيامًا. فتح قنزابور ثم أرمائيل، ثم تقدم إلى الديبل وفتحها بعد قتال عنيف استمر لثلاثة أيام. وكانت الديبل تقع في منطقة قريبة من كراتشي في باكستان اليوم، فجعلها مدينة إسلامية ومسح منها كل أثار البوذية، بعد أن بنى فيها المساجد. وقبل أن يغادرها أسكن فيها 5 آلاف مسلم.
بعد فتح مدينة الديبل سارع أهل السند يطلبون الصلح، فصالحهم محمد بن القاسم، ومن بعدهم صالح أهل البيرون وهي مدينة حيدر أباد اليوم. وظل يفتتح مدينة وراء أخرى إمًا صلحًا أو عنوة، حتى وصل نهر مهران وفاجأ ملك السند، ودخل معه في معركة كبيرة سنة 93 من الهجرة. وخلال المعركة قتل المسلمون ملك السند، فاستسلمت بقية البلاد وأصبحت ضمن حدود الدولة الأموية.
ظل محمد بن القاسم في طريقه يفتح البلاد والحصون، وسار إلى مدينة ملتان في إقليم البنجاب بجيش مكون من 50 ألفًا. استولى على المدينة، وغنم ما فيها من ذهب وفضة بكميات هائلة، لذلك عرفت المدينة ببيت الذهب. وخلال ذلك وصل خبر وفاة الحجاج بن يوسف، لكن ظل محمد بن القاسم يمضي في طريقه حتى أتم فتح جميع بلاد السند وأخضع إقليم الكيرج.
فتوحات بلاد المغرب
تولى فتوحات هذه المنطقة القائد المسلم الكبير موسى بن نصير، والذى تولى ولاية إفريقية في عهد عبد الملك بن مروان سنة 78 هـ. وكانت بلاد المغرب تقع بين ليبيا وموريتانيا، ويسكنها قبائل البربر الوثنية. أرسل بن نصير الحملات لقتال المتمردين من البربر حول القيروان، ثم أرسل أبناءه عبد الله ومروان لفتح مناطق متفرقة في إفريقية. ففتح سجومة في أرض الزاب، ثم قاتل قبائل هوارة وزناتة وكتامة فهزمهم وأسرهم.
ثم غزا المغرب الأقصى سنة 85 هـ، ونجح في ضم سبته وطنجة ودرعة. وحكم طنجة وما حولها القائد طارق بن زياد، وظل المسلمون يعلمون البربر القرآن ويفقهوهم في الدين. وبعد أن استتب الوضع في بلاد المغرب عاد موسى بن نصير إلى القيروان.
غزو جزر بحر الروم
لم يقتصر دور موسى بن نصير على فتح المناطق البرية في بلاد المغرب، لكنه وجه الحملات أيضًا لغزو البحر. وكان الهدف شل حركة البيزنطيين في البحر المتوسط، حيث كانوا يمثلون تهديدًا مباشرًا على المسلمين في إفريقيا. في سنة 86 هـ، غزا جزيرة صقلية، ثم غزا قائده عياش بن أخيل مدينة سرقوسة على الجزيرة، وغزا عبد الله بن مرة جزيرة سردانية.
وفي نهاية المطاف استقر الوضع في بلاد المغرب قبل وفاة الوليد بن عبد الملك. ودخل البربر والأفارقة الإسلام وامتزجوا مع العرب، وشكلوا خليطًا بشريًا جديدًا اتحدوا وفتحوا الأندلس لاحقًا.
فتح الأندلس
بدأ فتح الأندلس في عهد الخليفة الأموي الوليد بن عبد الملك عام 92 هـ ، تحت قيادة طارق بن زياد، أحد القادة البارزين لموسى بن نصير. وكانت الأندلس أو شبه الجزيرة الإيبيرية تحت حكم القوط الغربيين الذين عانوا من صراعات داخلية وحروب أهلية، مما جعلها هدفًا سهلًا للمسلمين.
أرسل موسى بن نصير طارق بن زياد على رأس جيش مكون من 7,000 مقاتل أغلبهم من البربر. وعبر بجيشه المضيق الذي عرف باسمه لاحقًا “مضيق جبل طارق” إلى الأندلس. وكانت معركة وادي لكة بين المسلمين والقوط بقيادة رودريك معركة حاسمة انتصر فيها المسلمون، مما فتح لهم الباب للتوغل داخل البلاد.
تابع طارق بن زياد فتح المدن الكبرى مثل قرطبة وطليطلة وإشبيلية. واتسم الفتح الإسلامي للأندلس بالتسامح مع السكان المحليين، وتم إصلاح الأراضي وتنظيمها، مما ساعد على تعزيز استقرار المنطقة.
وفي أواخر سنة 95 من الهجرة، عاد موسى بن نصير وطارق بن زياد وتوجها إلى دمشق. ووصل بن نصير إلى الوليد بن عبد الملك واجتمع به وأعطاه تقرير عن فتح الأندلس قبل وفاته.
وامتد حكم المسلمين في الأندلس لأكثر من 8 قرون، وساهموا في ازدهار العلوم والثقافة. وكان الفتح بداية لمسيرة طويلة من الإبداع الحضاري الإسلامي في الغرب، حيث أصبحت الأندلس مركز إشعاع حضاري استمر لقرون.
أهم إنجازات الوليد بن عبد الملك الإدارية
اهتم الخليفة الأموي الوليد بن عبد الملك بشؤون الدولة الداخلية، فأمن الطرق بين المدن، وحفر الآبار. وأقام المستشفيات وحجز المجذومين وأعطى لهم الأرزاق. كما أعطى لكل مقعدًا خادمًا، ولكل أعمى قائدًا، وتعهد بالأيتام وأنشأ بيوتًا لإقامة الغرباء.
اهتم الوليد بشكل خاص بالعمارة، فأنشأ الجوامع مثل الجامع الأموي بدمشق، وعمر المسجد النبوي والمسجد الأقصى. كما وسع نطاق المسجد الحرام.
وفاة الوليد بن عبد الملك
كانت مدة حكم الوليد بن عبد الملك عشر سنوات، وتوفى وعمره 48 سنة. وكانت وفاته في جمادى الأول سنة 96 من الهجرة، ودفن في دمشق. وكان عمر بن عبد العزيز من صلى عليه، لأن أخاه سليمان ولي العهد كان في القدس.
المصادر:
ابن الأثير: الكامل في التاريخ.
ابن عساكر: تاريخ دمشق.
البلاذري: فتوح البدان.
الطبري: تاريخ الأمم والملوك.
ابن عبد الحكم: فتوح مصر والمغرب.
محمد سهيل طقوش: تاريخ المسلمين في الأندلس.
التعليقات
لا توجد تعليقات حتى الآن. كن أول من يعلق!
اترك تعليق