كانت ثورة التوابين واحدة من أهم نتائج استشهاد الحسين في كربلاء سنة 61 من الهجرة. حيث كان لاستشهاده بهذه الطريقة على يد الدولة الأموية ردود فعل كبيرة سواء في الجزيرة العربية أو العراق. ففي الحجاز قام عبد الله بن الزبير بحشد الناس وتأليبهم على بني أمية، فبايعوه وأسس خلافته في الحجاز والعراق ومصر وباقي الأقاليم. وكادت الدولة الأموية أن تنتهي وانحصرت في الشام، ووقعت الخلافات والانقسامات داخل البيت الأموي نفسه. أما العراق فكانت منبع شيعة علي بن أبي طالب والحسن والحسين من بعده. لكن أهل العراق لم يكونوا على رأي واحد، وكانوا أهل غدر وفتن، ولهم يد فيما حدث مع الحسين. لذلك بعد استشهاده بدأت طائفة منهم تشعر بالندم على خذلانهم وتخليهم عنهم، وهؤلاء عرفوا بالتوابين.

 

خلفية تاريخية

كان سيدنا الحسين بن علي رضي الله عنه في مكة المكرمة بعد وفاة معاوية بن أبي سفيان. لكن أهل الكوفة اعترضوا على خلافة يزيد وأرسلوا له الكثير من الرسائل يطلبون منه الحضور ومبايعته. بعد إلحاح شيعة الكوفة، أرسل الحسين إليهم ابن عمه مسلم بن عقيل بن أبي طالب، ليتأكد من صدقهم. وعندما تأكد له أنهم بالفعل يرغبون في مبايعته، خرج إلى الكوفة.

حاول بعض الصحابة والتابعين منع الحسين من الذهاب إلى الكوفة، وأخبروه أن أهل العراق أهل غدر.  وكان من المعارضين لخروجه، عبد الله بن الزبير، وعبد الله بن عباس، ومحمد بن الحنفية، وعبد الله بن عمرو بن العاص، وأبو سعيد الخدري.

لكن الحسين صدق أهل الكوفة وذهب إليهم مع أهل بيته في يوم التروية سنة 60 هـ. ولما علم الصحابة بخروجه، ظلوا يحاولون رده لكنه رفض واستمر في طريقه. وكان ابن عمه مسلم بن عقيل ذهب قبله يتأكد من مبايعتهم له، لكن مسكه والي المدينة عبيد الله بن زياد وقتله بعدما تخلى عنه أهل الكوفة. وقبل قتله بعث برسالة إلى الحسين حتى يعود هو وأهله ولا يدخل الكوفة وقال فيها “ارجع بأهلك ولا يغرنك أهل الكوفة فإن أهل الكوفة قد كذبوك وكذبوني وليس لكاذب رأي”.

وعندما كان الحسين على مشارف الكوفة، وصله خبر مقتل مسلم، فخطب في أتباعه “إنه قد أتانا خبر فظيع، قُتِلَ مسلم بن عقيل، وهانئ بن عروة، وعبد الله بن يقطر، وقد خذلنا شيعتنا، فمن أحب منكم الانصراف فلينصرف غير حرج، ليس عليه ذمام”. فانصرف عنه معظم أتباعه، ولم يبقى معه إلا القليل، فنصحه البعض أن يعود، لكن بنو عقيل امتنعوا وأصروا أن يثأروا لمسلم.

 

مقتل الحسين

وجد الحسين نفسه وحيدًا، أمام جيش الكوفة الذي كان بانتظاره، وكان معه فقط 32 فارسًا، و40 رجلًا. وفي صباح الجمعة 10 محرم سنة 61 هـ، بدأ القتال بين الطرفين. قاتل الحسين ومن معه بكل شجاعة وصبر، لكنهم قُتِلوا في النهاية، وقُتِل من أهل بيته الكثير وعلى رأسهم ابنه علي الأكبر، وأبناء أخيه الحسن عبد الله، القاسم، أبو بكر.

 

أهل الكوفة بعد مقتل الحسين

كان أهل الكوفة منقسمون إلى 3 أقسام:

فئة بايعت الحسين وطلبت منه القدوم إلى الكوفة، وصدقت في بيعتها وظلت معه للنهاية. وكان من هؤلاء حبيب بن مظاهر الأسدي، ونافع بن هلال الجملي.

وفئة ليس لها عقيدة ولا كلمة، فقد أرسلوا للحسين وطلبوا منه القدوم إلى الكوفة، ولما رأوا أن الكفة مالت لصالح والي المدينة عبيد الله بن زياد، تركوه وحيدًا وذهبوا خلف مصالحهم.

أما الفئة الأخيرة، فهم الذين تركوا الحسين وحيدًا ولم يذهبوا لنصرته، لكن بعد استشهاده شعروا بالندم، ومن هؤلاء تشكل التوابين. وكانوا يجتمعون بسرية بعد مقتل الحسين ويتحدثون فيما حدث، وعبروا عن ندمهم الشديد، وأرادوا التكفير عن ذنوبهم. وترأس التوابين 5 من كبار الشيعة: رفاعة بن شداد البجلي، عبد الله بن سعد بن نفيل الأزدي، عبد الله بن وائل التميمي، المسيب بن نجبة الفزاري، سليمان بن صرد الخزاعي.

كانوا يجتمعون في الخفاء بعيدًا عن جواسيس السلطة، وينشرون دعوتهم الانتقامية بين الشيعة. ثم شكلوا حركة سرية تحولت مع الوقت إلى معارضة شيعية كبرى حملت اسم “التوابين”. وكان شعارهم منبثق من قول الله تعالى (فَتُوبُوا إِلَى بَارِئِكُمْ فَاقَتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ بَارِئِكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ إِنّهُ هُوَ التّوّابُ الرّحِيْمُ).

 

زعيم ثورة التوابين سليمان بن صرد الخزاعي

كان أول اجتماع للتوابين في بيت سليمان بن صرد الخزاعي. وبعد أن تحدث الزعماء الآخرين واحدًا تلو الآخر، أوصوا في النهاية أن يتزعم الثورة سليمان بن صرد، لصحابته لرسول الله وقرابته من علي بن أبي طالب وأبنائه.

كان سليمان صحابي من قبيلة خزاعة أسلم على يد رسول الله في المدينة المنورة. وكان اسمه يسار، فسماه النبي سليمان. وبعد فتح العراق انتقل إليها وبنى له بيتًا، ثم انضم إلى علي بن أبي طالب في كل معاركه. وكان ممن أرسلوا للحسين بن علي لمبايعته.

وضع سليمان عدة أهداف للثورة كالتالي:

تحويل الكوفة إلى مركز للحكم الشيعي وطرد الأمويين منها.

القصاص في كل من شارك أو ساهم في مقتل الحسين بن علي.

تجسيد فكرة الاستشهاد، ويكون ذلك باعتزال النساء والتنازل عن الأموال.

التضحية بالنفس والإلحاح في طلب التوبة.

 

القضاء على الثورة

في 5 ربيع الثاني سنة 65 هـ، جمع سليمان التوابين، وكان عددهم 4 آلاف وذهب بهم إلى قبر الحسين. ولما وصلوا إلى القبر صاحوا صيحة واحدة، وازدحموا حوله أكثر من ازدحام الحجاج في الحج حول الحجر الأسود. فتابوا أمامه وبكوا وجددوا العهد له.

وفي 22 جمادى الأول سنة 65هـ، أرسل عبد الملك بن مروان جيش الشام بقيادة عبيد الله بن زياد لقتال التوابين في عين الوردة. وقيل أن عدد التوابين كان 16 ألفًا، فلما رأوا جيش الشام الكبير هربوا وتخلوا عن زعيمهم فلم يبقى معه سوى 3 آلاف فقط.

وقيل أيضًا أنهم قاتلوا قتالًا عظيمًا، وكان زعيمهم سليمان عمره 93 عامًا، وظل يقاتل حتى أصيب بسهم ثم قُتِل. ثم تراجع البقية وهربوا وابتعدوا عن ميدان المعركة، ولم يلاحقهم الجيش الأموي.

 

 

 

المصادر:

ابن سعد: الطبقات الكبرى.

ابن الأثير: أسد الغابة في معرفة الصحابة.

الذهبي: سير أعلام النبلاء.

الطبري: تاريخ الأمم والملوك.

 

الوسوم :

التعليقات

لا توجد تعليقات حتى الآن. كن أول من يعلق!

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات مشابهة

عرض جميع المقالات