الصحابي الجليل سيدنا جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه، ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم، وكان يشبهه في الخلق والخُلُق. ولد سنة 34 قبل الهجرة، وكان من السابقين إلى الإسلام. هاجر الهجرتين، وحارب في سبيل الله، وفي غزوة مؤتة قُطِعت يداه وظل يمسك براية المسلمين حتى استشهد. ولما حزن النبي على موته جاءه سيدنا جبريل وأخبره أن الله أدخله الجنة وأبدله جناحين يطير بهما مع الملائكة.

نسب جعفر بن أبي طالب

اسمه: جعفر بن أبي طالب ( واسمه عبد مناف) بن عبد المطلب ( واسمه شيبة ) بن هشام ( واسمه عمرو) بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب.
لقبه: جعفر الطيار، ذو الجناحين.
كنيته: أبو عبد الله، أبو المساكين.
أبوه: أبو طالب بن عبد المطلب، عم رسول الله صلى الله عليه وسلم.
أمه: فاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبد مناف الهاشمية القرشية. أسلمت وهاجرت إلى المدينة، وهي أول هاشمية ولدت لهاشمي.
إخوته: علي، طالب، عقيل، فاختة، جمانة.
زوجته: أسماء بنت عميس، لم يتزوج غيرها، أسلمت وهاجرت معه إلى الحبشة ثم المدينة المنورة. بعد استشهاده تزوجت أبي بكر الصديق ثم علي بن أبي طالب.
أبناؤه: حميد، حمزة، عون، عبد الله الأكبر، محمد الأكبر، نعمى، محمد الأصغر، عبد الله الأوسط، عبد الله الأصغر، الحسن، أحمد، أم القاسم.

متى أسلم جعفر بن أبي طالب

أسلم سيدنا جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه مبكرًا، وكان من السابقين إلى الإسلام. كان إسلامه قبل اجتماع النبي صلى الله عليه وسلم بأصحابه في دار الأرقم. قيل أنه أسلم بعد 15 رجلًا، وقيل كان الثاني والثلاثين. روي أن أبا طالب عم النبي وجده يصلي وعلي يصلي على يمينه، فقال لجعفر “صل عن يسار بن عمك، وصل جناحه”.
هجرته إلى الحبشة
عندما اشتد بلاء قريش واضطهادهم للمسلمين، أمرهم النبي بالهجرة إلى الحبشة، لأن فيها ملك لا يظلم أحد أبدًا. وبالفعل خرج المسلمين متجهين إلى الحبشة وكان منهم عثمان بن عفان وزوجته رقية بنت النبي، وجعفر بن أبي طالب وزوجته أسماء بنت عميس. عاش المسلمون في سلام في أرض النجاشي ووفر لهم الأمان وحرية التعبد دون أن يتعرضوا لمكروه.
لما علمت قريش بالحياة الآمنة التي يتمتع بها المسلمين في الحبشة، أرسلوا له مبعوثين بهدايا ثمينة. وكان الرسولين عمرو بن العاص وعتبة بن أبي ربيعة، وقدما الهدايا لكل بطريق على حده قبل الحديث مع النجاشي. ثم أخبروهم أن هناك سفهاء من قومهم جاؤوا إليهم يتبعون دين غير دينهم، فاطلبوا من الملك أن يسلمهم لنا.
بعد ذلك دخلوا على النجاشي وقدموا الهدايا فقبلها، وقالوا له “أيها الملك، قد لجأ إلى بلدك غلمان سفهاء منا، تركوا دين قومهم، وجاءوا بدين ابتدعوه، لا نعرفه نحن ولا أنت، وقد أرسلنا إليك أشراف قومهم آبائهم وعشائرهم لتردهم إليهم”.

قصة النجاشي مع جعفر بن أبي طالب

رفض النجاشي تسليم المسلمين وطلب الاستماع إليهم أولًا قبل أن يتخذ قراره. وعندما دخلوا عليهم قال لهم “ما هذا الدين الذي فارقتم فيه قومكم، ولم تدخلوا في ديني ولا في دين أحد من هذه الملل؟”. وهنا تقدم جعفر بن أبي طالب رضي الله وقال خطبته الشهيرة:
“أيها الملك، كنا قوماً أهل جاهلية، نعبد الأصنام، ونأتي الفواحش، ونأكل الميتة، ونقطع الأرحام، ونسيء الجوار، ويأكل القوي منا الضعيف. فكنا على ذلك، حتى بعث الله إلينا رسولاً منا، نعرف نسبه وأمانته وصدقه وعفافه، فدعانا إلى الله لنوحده ونعبده، وأمرنا بصدق الحديث، وأداء الأمانة، وحسن الجوار، وصلة الرحم، والكف عن المحارم والدماء، ونهانا عن الفواحش، وأكل مال اليتيم، وقول الزور، وقذف المحصنات، وأمرنا أن نعبد الله وحده، لا نشرك به شيئاً، وأمرنا بالصلاة والزكاة والصيام. فصدقناه وآمنَّا به، فعدا علينا قومنا، فعذبونا، وفتنونا عن ديننا. فلما قهرونا وظلمونا وضيقوا علينا، خرجنا إلى بلادك، واخترناك على من سواك، ورغبنا في جوارك، ورجونا أن لا نظلم عندك أيها الملك”.
طلب النجاشي أن يقرأ عليه سيدنا جعفر رضي الله عنه آيات من القرآن فقرأ أول آيات من سورة مريم. وهنا بكى النجاشي والأساقفة، وقال إن هذا الكلام يشبه ما جاء به عيسى عليه السلام، وأقسم ألا يسلمهم لقريش أبدًا.
لم يستسلم عمرو بن العاص وحلف أن يحرض النجاشي ضدهم، بسبب اختلاف العقيدة. وبالفعل ذهب إليه في التالي وقال له ” أيها الملك سلهم ما يقولون في عيسى بن مريم”. ولما سألهم النجاشي قال الصحابي الجليل جعفر بن أبي طالب ” إنه عبد الله ورسوله وروحه، وكلمته ألقاها إلى مريم العذراء البتول”. وكانت المفاجأة لم يفعل النجاشي شيء للمسلمين ورد هدايا قريش وعاد الرسولين من حيث أتوا.

فضله ومكانته

كان الصحابي الجليل سيدنا جعفر بن أبي طالب، يحسن إلى المساكين ويحبهم ويخدمهم، فسمي أبا المساكين. قال أبو هريرة رضي الله عنه “كان جعفر بن أبي طالب أخير الناس للمسكين”.
كان أيضًا يتمتع بمكانة عظيمة في قلوب الصحابة الكرام. روي أن عبد الله بن جعفر قال “إذا سألت علي شيئًا فمنعني، فقلت بحق جعفر، إلا وأعطاني”. وكان أمير المؤمنين عمر بن الخطاب يقول له “السلام عليك يا ابن ذي الجناحين”.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “أما أنت يا جعفر فأشبهت خلقي وخُلُقي، وأنت من عترتي التي أنا منها”. فقد كان رضي الله عنه أكثر شخص يشبه النبي.
أبدله الله سبحانه وتعالى عن قطع يده بجناحين في الجنة، فقد ورد أن النبي قال “رأيت جعفر يطير مع الملائكة”.

استشهاد جعفر بن أبي طالب في غزوة مؤتة

كانت غزوة مؤتة بين المسلمين والروم سنة 8 من الهجرة. أمرَّ النبي على جيش المسلمين ثلاث قادة بالتوالي، زيد بن حارثة فإن مات يحل محله جعفر بن أبي طالب، فإن مات يحل محله عبد الله بن رواحة. خرج جيش المسلمون بثلاثة آلاف مقاتل، بينما كان جيش الروم 100 ألف. التقى الجيشان واستشهد زيد بن حارثة، فاستلم الراية سيدنا جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه. وظل يقاتل وحمل اللواء بمينه فقطعت، ثم أخذه بشماله فقطعت، ثم احتضنه بعضديه حتى استشهد في سبيل الله.
استشهد رضي الله عنه وعمره 41 سنة، وقيل 33 سنة. ووجد المسلمون بجسده بضع وسبعين إصابة ما بين طعنة رمح وضربة سيف. وحزن النبي حزنًا شديدًا عليه حتى جاءه جبريل وأخبره ” أن الله أبدله جناحين يطير بهما في الجنة”.
ذهب النبي إلى زوجته أسماء بنت عميس وقال لها ” ائتيني ببني جعفر” فقبلهم وبكى”، وصاحت زوجته واجتمع عليها النساء. ثم قال لأهله ” لا تغفلوا آل جعفر من أن تصنعوا لهم طعامًا، فإنهم قد شغلوا بأمر صاحبهم”.
دفن سيدنا جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه في مؤتة، وله مقام جنوب الكرك في الأردن.

 

المصادر:

ابن الأثير: أسد الغابة في معرفة الصحابة.

ابن سعد: الطبقات الكبرى.

الذهبي: سير أعلام النبلاء.

ابن الأثير: الكامل في التاريخ.

ابن كثير: البداية والنهاية.

العسقلاني: الإصابة في تمييز الصحابة.

 

الوسوم :

التعليقات

لا توجد تعليقات حتى الآن. كن أول من يعلق!

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات مشابهة

عرض جميع المقالات