كان حبيب بن مسلمة الفهري قائد عسكري مسلم، وعلم من أعلام الفتوحات الإسلامية في بلاد الروم. اشتهر بحبيب الروم أو حبيب الدروب لكثرة غزواته وانتصاراته على البيزنطيين في الشام وأرمينية. وعلى الرغم من صغر سنه، لكن ذكرت بعض المصادر أنه شارك في فتوحات أبي بكر الصديق فشهد اليرموك وسكن بدمشق. وكان من أبرز القادة والفاتحين، ويعتبره البعض في طبقة أبو عبيدة بن الجراح وخالد بن الوليد، فقد نشأ منذ نعومة أضافره على حياة الجهاد والحرب.

 

نبذة عن حبيب بن مسلمة الفهري

اسمه: حبيب بن مسلمة بن مالك الأكبر بن وهب بن ثعلبة بن وائلة بن عمرو بن شيبان بن محارب بن فهر بن مالك بن النضر. وكان يكنى أبا عبد الرحمن أو أبا مسلم.

ولد  حبيب في مكة المكرمة قبل الهجرة مباشرة ونشأ على الإسلام. فقد كان عمره 12 عامًا يوم وفاة النبي صلى الله عليه وسلم سنة 11 من الهجرة. اختلف العلماء في صحبته والغالب أن له صحبة وأنه حضر مع النبي غزوة تبوك. وذكر بن عساكر أنه شارك في فتوحات الشام خلال خلافة أبي بكر الصديق، وكان أميرًا على كردوس من كراديس الجيش في اليرموك. لذلك نشأ على الجهاد وأمور الحرب حتى صار قائدًا عسكريًا محنكًا.

 

صفاته

كان حبيب بن مسلمة محبوبًا بين أهل الشام، فقد كانوا يثنون على صلاحه ويعتقدون أنه مجاب الدعوة. يقول بن عساكر لما دخل حمص قال “هذا من نعيم ما ينعم به أهل الدنيا، ولو مكثت فيه ساعة لهلكت، ما أنا بخارج منه حتى أستغفر الله تعالى فيه ألف مرة”. وكان رضي الله عنه، متمسكًا بالعمل وفق نهج أبي بكر الصديق وعمر بن الخطاب.

كان مسلمة إذا دخل حصنًا أو لقى عدوًا قال “لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم”. وقد كان الشعراء يتغنون بشجاعته في ميادين القتال، فقال حسان بن ثابت الشعر فيه، ومدحه شريح بن الحارث أيضًا في أبيات شعرية.

 

مشاركته في فتوحات الشام

اختلف المؤرخون في مشاركة  حبيب بن مسلمة الفهري في الفتوحات خلال عهد عمر بن الخطاب، لكن الغالب أنه شارك مع أبي عبيدة بن الجراح في فتح دمشق وقنسرين وحلب. ثم أرسله أبو عبيدة برفقة عياض بن غنم إلى فتح أنطاكية والجرجومة في جبل اللكان ففتحهما بعد مصالحة أهلها.

وفي سنة 22 من الهجرة، خلال فتوحات أرمينية أرسله عمر إلى سراقة بن عمر بالمدد، فاشترك معه في فتح بعض المدن. ثم وجهه سراقة إلى فتح مدينة تفليس الأرمينية. كما كان أحد قادة عياض بن غنم في فتح الجزيرة الفراتية، ففتحوا معًا الكثير من البلدان والمدن مثل شمشاط وملطية وغيرهم.

 

قائد فتوحات أرمينية في عهد عثمان بن عفان

بعد استشهاد عمر بن الخطاب سنة 23 من الهجرة، تولى خلافة المسلمين عثمان بن عفان وأخذ قرار فتح أرمينية بشكل نهائي وضمها لحدود الدولة الإسلامية. لذلك كتب إلى معاوية بن أبي سفيان عامله على الشام والجزيرة الفراتية، أن يوجه حبيب بن مسلم الفهري إلى الأراضي الأرمينية. وكان حبيب له أثر جميل وباع طويل في فتوحات الشام، فخرج ومعه 6 آلاف وقيل 8 آلاف من أهل الشام والجزيرة الفراتية.

وصل حبيب إلى قاليقلا وأقام فيها، فخرج إليه سكانها لقتاله، لكنه هزمهم فتراجعوا داخلها وطلبوا الجزية أو الجلاء. ثم قام معاوية بن أبي سفيان بتسكين ألفيّ رجل بقاليقلا وأعطاهم أراضي وجعلهم مرابطين بها

وبعد شهر بلغه أن بطريرك بلاد أرميناقس وكان يدعى المورديان، قد جمع جيشًا مكونًا من 80 ألف من الروم والترك، لقتال المسلمين. استغاث حبيب بمعاوية بن أبي سفيان، فكتب إلى الوليد بن عقبة أن يرسل له الإمدادات. وخرج 6 آلاف وقيل 12 ألف مقاتل، من الكوفة بقيادة سلمان بن ربيعة الباهلي، وباغتوا الروم ليلًا، فهزموهم هزيمة ساحقة، وقتلوا قائدهم المورديان.

سار حبيب وسلمان إلى مربالا، فجاء إليه بطريرك أخلاط بما على أهلها من مال. وبعده جاء صاحب مكس وأصحاب عدد من القرى والبلدان يعرضون الصلح ويقدمون الجزية. ثم فتح قرية أردشاط، وحاصر دُبيل فقاتله أهلها حتى استسلموا وطلبوا الصلح. ثم فتح المسلمون سراج طير وبغروند ومدينة النشوى والسيسجان وجرزان وتفليس والكثير من المدن والقرى.

 

 فتح عموم أرمينية

نجح حبيب بن مسلمة الفهري في بسط نفوذ الدولة الإسلامية على نهر الفرات وأودية نهر الرس والمناطق الجبلية المرتفعة وقاليقلا وتفليس والبيلقان وأعاد فتح الأبواب. لكن كان بعض القادة الأرمن يدينون بالولاء للإمبراطورية البيزنطية رغم الاختلاف المذهبي مثل تيودور الرشتوني الذي عينه هرقل قربلاطًا على أرمينية البيزنطية. تصدى تيودور لبعض الحملات الإسلامية، لكن لما فتح المسلمون الجبال الأرمينية وأثبتوا قدرتهم العسكرية تخلت عنه بيزنطة ولم يعد قادرًا على الصمود. لذلك اضطر إلى إجراء مفاوضات مع المسلمين. وتم الاتفاق بشروط معينة مثل، الاعتراف باستقلال الأرمن  وبسيادتهم على أراضيهم. على أن يعينوا حاكمًا أرمينيًا عامًا، وتقديم 15 ألف جندي أرمني لخدمة الدولة الإسلامية. وألا يساعد الأرمن أعداء المسلمين، وأن يدافع عنهم المسلمين ضد أي غزو بيزنطي.

بعد نجاح حبيب في فرض سيطرة الدولة الإسلامية في أرمينية، كان عثمان بن عفان ينوي جعله واليًا عليها. لكن رأى أن يستفاد أكثر بفروسيته في ميدان القتال، ووجهه إلى فتح باقي ثغور الشام والجزيرة، لذلك عاد ونزل بحمص.

وبعد ذلك توقفت حركة الفتوحات بسبب اضطراب الأحوال الداخلية في نهاية عهد. واستعاد البيزنطيون سيطرتهم مرة ثانية على أرمينية لفترة من الوقت حتى عصر الدولة الأموية.

 

وفاة حبيب بن مسلمة الفهري

كان حبيب من أتباع معاوية بن أبي سفيان، لذلك كان في صفه خلال معركة صفين، فكان على ميسرة الجيش. وخلال التحكيم بين علي ومعاوية كان من ضمن الشهود. واختلف العلماء والمؤرخون في المكان الذي توفي فيه، فقال البلاذري أنه توفي في دمشق سنة 42 من الهجرة، وكان عمره 35 سنة. وقال ابن عبد البر أنه مات في أرمينية سنة 42 من الهجرة، بعدما جعله معاوية واليًا عليها. وذكر ابن عساكر أنه مات بأرمينية ولم يبلغ الخمسين من عمره.

 

 

 

المصادر:

البلاذري: فتوح البلدان.

الطبري: تاريخ الرسل والملوك.

ابن الأثير: الكامل في التاريخ.

ابن عساكر: تاريخ دمشق.

الحموي: معجم البلدان.

ابن سعد: الطبقات الكبرى.

محمد سهيل طقوش: تاريخ الخلفاء الراشدين.

ابن عبد البر: الاستيعاب في معرفة الأصحاب.

خير الدين الزركلي: الأعلام.

موقع قصة الإسلام: حبيب بن مسلمة .. قاهر الروم وفاتح أرمينية.

شبكة الألوكة: محمود ثروت أبو الفضل: غزاة حبيب بن مسلمة .. يوم فتح المسلمون أرمينية.

الوسوم :

التعليقات

لا توجد تعليقات حتى الآن. كن أول من يعلق!

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات مشابهة

عرض جميع المقالات