حجة الوداع هي الحجة التي ودع فيها النبي صلى الله عليه وسلم، الناس. وكانت الحجة الأولى والأخيرة في حياته، فلم يرد ما يثبت حج النبي قبل الهجرة. وفيها علم النبي أصحابه مناسك الحج، وأتم لهم دينهم، وأوصاهم بتبليغ  من لم يحضر. ثم ودع الناس بخطبة مليئة بالقيم الدينية والأخلاقية، وتعرف بخطبة حجة الوداع.

 

لماذا سميت حجة الوداع بهذا الاسم؟

سميت حجة الوداع بهذا الاسم، لأن النبي صلى الله عليه وسلم، ودع أصحابه، وتوفى بعدها بثلاثة أشهر. وكانت خطبة حجة الوداع تحمل الكثير من الدلالات التي تدل على قرب وفاة النبي. فقد أعلن صلى الله عليه وسلم، أنه أتم تبليغ رسالته التي بعثه الله بها إلى الناس كافة.

سميت أيضًا بحجة الإسلام، لأن النبي صلى الله عليه وسلم، لم يحج إلا هذه المرة. كما سميت بحجة التمام والبلاغ، لأن الرسول أدى أمانته وأتم رسالته.

 

متى كانت حجة الوداع؟

فرض الله سبحانه وتعالى الحج في العام التاسع من الهجرة، وفي 25 من شهر ذي القعدة سنة 10 من الهجرة، أعلن النبي خروجه للحج. وقد ذهب إلى البيت الحرام حاجًا وبرفقته 100 ألف مسلم من كل أنحاء الجزيرة العربية. وقبل خروجه إلى مكة سلم المدينة لأبي دجانة الساعدي الأنصاري.

عن جابر بن عبدالله رضي الله عنه، قال “أن رَسولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ مَكَثَ تِسْعَ سِنِينَ لَمْ يَحُجَّ، ثُمَّ أَذَّنَ في النَّاسِ في العَاشِرَةِ. وأنَّ رَسولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ حَاجٌّ، فَقَدِمَ المَدِينَةَ بَشَرٌ كَثِيرٌ، كُلُّهُمْ يَلْتَمِسُ أَنْ يَأْتَمَّ برَسولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ، وَيَعْمَلَ مِثْلَ عَمَلِهِ”.

 

الخروج للحج

اغتسل النبي صلى الله عليه وسلم للإحرام في ميقات ذي الحليفة، ثم تطيب ولبس الرداء والإذار، وفعل الناس مثله. ثم بدأ يلبي قائلًا: “لبيكَ اللهم لبيك، لبيك لا شريكَ لك لبيك، إن الحمدَ والنعمةَ لك، والملك، لا شريك لك”.

نزل النبي في ذي الطوى بالقرب من مكة وبات فيها ليلة الرابع من ذي الحجة. وبعد أن صلى الفجر بالمسلمين واغتسل دخل مكة نهارًا، وتوجه إلى الكعبة الشريفة وقبَّل الحجر الأسود. ثم طاف بالكعبة 7 أشواط، وبعد ذلك توجه إلى مقام سيدنا إبراهيم عليه السلام، وقرأ قول الله تعالى (وَاتَّخِذُوا مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى).

بعد زيارة مقام إبراهيم توجه إلى الصفا، وقرأ قول الله تعالى (إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَائِرِ اللَّـهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَن يَطَّوَّفَ بِهِمَا وَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا فَإِنَّ اللَّـهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ). بعد ذلك طلع على جبل الصفا وبدأ يردد هذا الدعاء ثلاث مرات  (لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ له، له المُلْكُ وَلَهُ الحَمْدُ وَهو علَى كُلِّ شيءٍ قَدِيرٌ، لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ، أَنْجَزَ وَعْدَهُ، وَنَصَرَ عَبْدَهُ، وَهَزَمَ الأحْزَابَ). وكان الصحابة رضوان الله عليهم يرددون خلفه. ثم توجه إلى المروة وقال نفس الدعاء الذي قاله بالصفا.

 

خطبة حجة الوداع

ظل النبي صلى الله عليه وسلم بمكة 4 أيام، ثم توجه إلى منى وبرفقته المسلمين في اليوم الثامن من ذي الحجة. أقام المسلمين قبة للنبي بنمرة، وصلى بهم الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر.

بعد ذلك توجه النبي إلى عرفات وطلع على جبل الرحمة واستقبل القبلة، وخطب خطبة حجة الوداع، وظل على عرفات حتى غروب شمس اليوم التاسع من ذي الحجة. ثم نزل قول الله تعالى (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا). وبعد غروب الشمس توجه صلى الله عليه وسلم إلى المزدلفة، وكان يقول لأصحابه (أيها الناس، السكينة، السكينة).

 

نص خطبة حجة الوداع

بدأ النبي صلى الله عليه وسلم، خطبة حجة الوداع بقوله:

“أيّهَا النّاس، اسْمَعُوا منّي أُبّينْ لَكُمْ، فَإنّيَ لاَ أَدْرِي، لعَليّ لاَ أَلْقَاكُمْ بَعْدَ عَامي هَذَا، في مَوْقِفي هذا”.

ثم قال “أَيُهَا النَّاس، إنّ دِمَاءَكُمْ وَأمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ عَليكُمْ حَرَامٌ إلى أنْ تَلْقَوْا رَبَّكُمْ، كَحُرمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا في شَهْرِ كُمْ هَذَا في بَلَدِكُم هَذَا”.

ثم تحدث عن رد الأمانة والربا فقال “وإنكم ستلقون ربكم فيسألكم عن أعمالكم وقد بلغت، فَمَنْ كَانَتْ عِنْدَهُ أَمَانةٌ فليؤُدِّها إلى مَنْ ائْتمَنَهُ عَلَيها، وإن كل ربا موضوع ولكن لكم رؤوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون، وقضى الله أنه لا ربا”.

كما أوصى الحبيب المصطفى الرجال بالنساء فقال “أما بعد أيها الناس، إن لِنسَائِكُمْ عَلَيْكُمْ حقاً، ولَكُمْ عَلَيْهِنّ حقّ،…. واستوصوا بالنساء خيرًا، فإنهن عندكم عوان لا يملكن لأنفسهن شيئا، وإنكم إنما أخذتموهن بأمانة الله واستحللتم فروجهن بكلمات الله”.

وظل النبي يأمر وينهي ويبين الحلال من الحرام، حتى قال “فَإنّي قَدْ تَركْتُ فِيكُمْ مَا إنْ أخَذتمْ بِهِ لَمْ تَضِلُّوا بَعْدَهُ، كِتَابَ اللهِ وَ سُنَّة نَبيّه، أَلاَ هَلْ بلّغتُ، اللّهمّ اشْهَدْ”. فقَال الصحابة: نَعَمْ قَال: فلْيُبَلِّغِ الشاهدُ الغائبَ والسلامُ عليكم ورحمة الله”.

 

نقاط مهمة في حجة الوداع

حرم النبي صلى الله عليه وسلم التعامل بالربا وبين خطورته، وأن اللعنة تحل على كاتبه وشاهده وآكله.

أبطل النبي عادات الجاهلية والتي كان من ضمنها الثأر، والعصبية والتناحر.

دعا الصحابة والمسلمين في كل زمان ومكان إلى اتباع كتاب الله وسنته.

ركز الحبيب صلى الله عليه وسلم، على وصاية الرجال بالنساء خيرًا، وأمرهم بأداء واجبهم نحو زوجاتهن.

أكد النبي على أخوة المسلمين في شتى بقاع الأرض وأوضح أن لا فضل لعربي على أعجمي إلا بالتقوى والعمل الصالح.

 

وفاة الرسول

عاد النبي إلى المدينة المنورة بعد أن أدى فريضة الحج وأتم الشريعة وبلغ المسلمين رسالته كاملة. كان الحج في شهر ذي الحجة من العام العاشر الهجري، وتوفى النبي في شهر بيع الأول من العام الحادي عشر الهجري. وهكذا لم يظل النبي طويلًا بعد أداء مناسك الحج، وانتقل إلى الرفيق الأعلى.

مرض رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل وفاته، وظل مريضًا 14 يومًا. حيث أصيب بالحمى الشديدة، وظل في الفراش، ووصل إلى مرحلة لم يستطع الصلاة بالمسلمين في آخر ثلاثة أيام من مرضه، فوكل أبي بكر الصديق رضي الله عنه.

عندما مرض النبي، وفاق من غيبوبته، وجد نفسه في بيت زوجته السيدة ميءمونة، قال “أين أنا؟”، ففهمت زوجاته أنه يريد الذهاب لعائشة، فأذنَّ له بذلك. انتقل النبي إلى بيت عائشة وهو يستند على علي بن أبي طالب والفضل بن العباس.

توفى رسول الله يوم 12 ربيع الأول، فقام أهل بيته بتحضيره وتغسيله يوم الثلاثاء. غسله علي بن أبي طالب، والعباس بن عبد المطلب وأبنائه الفضل وقثم، وأسامة بن زيد، ومولى النبي شقران. غسله الصحابة في ثيابه، ثم حفروا حفرة تحت فراشه في حجرة عائشة. وبدأ الناس يدخلون للصلاة عليه، فدخل الرجال، ثم النساء، ثم الصبيان، ولم يؤم المصلين أحد.

أنزله القبر العباس وابنيه قثم والفضل وعلي بن أبي طالب، ثم رش عليه بلال الماء. وكان قبر النبي صلى الله عليه وسلم يرتفع عن الأرض شبرًا واحدًا. وتم دفنه صلى الله عليه وسلم في منتصف ليل الأربعاء.

 

المصادر:

ابن الأثير: أسد الغابة في معرفة الصحابة.

ابن سعد: الطبقات الكبرى.

البلاذري: أنساب الأشراف.

ابن كثير: البداية والنهاية.

الذهبي: سير أعلام النبلاء.

سيرة ابن هشام.

الطبري: تاريخ الأمم والملوك.

موقع موضوع: ما هي حجة الوداع.

الوسوم :

التعليقات

لا توجد تعليقات حتى الآن. كن أول من يعلق!

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات مشابهة

عرض جميع المقالات