كانت حروب الردة عبارة عن عدة حملات عسكرية شنها الجيش الإسلامي على بعض القبائل التي ارتدت عن الإسلام بعد وفاة رسول الله. تقريبًا ارتدت معظم القبائل باستثناء أهل مكة والمدينة والطائف والقبائل المحيطة بهم. فقد حاولوا الانفصال عن الدولة الإسلامية التي أسسها رسول الله، والعودة إلى النظام القبلي مرة ثانية. ومن الناحية الدينية، امتنع الكثير منهم عن أداء فريضة الزكاة، وغيروا في الشريعة الإسلامية. وهناك أيضًا من ارتدوا عن الإسلام بشكل نهائي وتجمعوا حول مدعي النبوة، الذين ينتمون إلى قبائلهم مثل مسيلمة الكذاب، حتى يستعيدوا سيطرتهم مرة ثانية والخروج من تحت عباءة قريش.
أسباب حروب الردة
كان هناك الكثير من الأسباب التي جعلت الخليفة الأول للمسلمين أبو بكر الصديق يرسل الجيوش لمحاربة المرتدين من سنة 11 هـ، إلى سنة 12 هـ، كالتالي:
الامتناع عن فريضة الزكاة
بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، في 12 ربيع الأول سنة 11 من الهجرة، قامت معظم القبائل العربية بالاعتراض على إرسال الزكاة إلى المدينة، واكتفوا فقط بأداء الصلاة. ولم يتمسك بالشريعة الإسلامية كما أتى بها رسول الله سوى أهل مكة والمدينة والطائف. أما قبائل اليمن وحضرموت وعمان في الجنوب، لم يكن إسلامهم متينًا بما يكفي، والغالبية منهم دخلوا الإسلام بشكل سطحي وليس عن اقتناع تام؛ حفاظًا على مكانتهم السياسية وعدم دخولهم في حروب مع المسلمين.
وإذا ما قارننا وضع هذه القبائل مع أهل الجزيرة العربية، فكل الأسباب كانت تؤدي إلى ارتدادهم، كالتالي:
أسلم سكان الجنوب تبعًا لرؤسائهم الذي وفدوا على رسول الله، وليس بسبب اقتناعهم بالإسلام.
كانت مدة إسلامهم قصيرة، لم تتجاوز 3 سنوات، ثم مات رسول الله، دون أن يتغلغل الإسلام في قلوبهم. عكس أهل المدينة ومكة والطائف، الذين دعاهم رسول الله أكثر من 20 عامًا.
وقد بين الله سبحانه وتعالى ضعف إيمان الأعراب في كثير من المواضع، منها قوله في سورة التوبة ﴿الْأَعْرَابُ أَشَدُّ كُفْرًا وَنِفَاقًا وَأَجْدَرُ أَلَّا يَعْلَمُوا حُدُودَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ* وَمِنَ الْأَعْرَابِ مَنْ يَتَّخِذُ مَا يُنْفِقُ مَغْرَمًا وَيَتَرَبَّصُ بِكُمُ الدَّوَائِرَ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾.
أقسم أبو بكر الصديق قائلًا ” والله لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة فإن الزكاة حق المال، والله لو منعوني عناقًا كانوا يؤدونها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، لقاتلتهم”.
ظاهرة التنبؤ
ظهر المتنبئون في أواخر حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان الهدف استرجاع المكانة السياسية والاجتماعية لقبائلهم، والتخلص من هيمنة قريش. فأعلن الأسود العنسي النبوة في اليمن وارتدت معه قبيلة مذحج. وتنبأت سُجاح بنتُ الحارث التميميَّة ولحق بها بنو تغلب وناصرها بنو تميم. وتنبأ طُليحة بن خويلد الأسدي في بُزاخة وتبعه بنو أسد وغطفان وطيء والغوث.
وتنبأ مُسيلمة بن حبيب الحنفي في اليمامة وتبعه بنو حنيفة. وكانت رغبة مسيلمة اقتسام الملك مع النبي، فأرسل إليه رسالة قائلًا فيها ” من مسيلمة رسول الله إلى محمد رسول الله، سلام عليك فإني قد أشركت في الأمر معك، وإن لنا نصف الأرض ولقريش نصف الأرض، ولكن قريشًا يعتدون”. فرد عليه رسول الله ” بسم الله الرحمن الرحيم، من محمد رسول الله إلى مسيلمة الكذاب…”.
تعرض المدينة للهجوم
وصلت أخبار القبائل المرتدة إلى أبي بكر الصديق، وأنهم يخططون لمهاجمة مركز الدولة الإسلامية، المدينة المنورة. وقد استغل المرتدون خروج جيش أسامة بن زيد إلى الشام، وضعف دفاع المدينة. فبدأ أبو بكر يقوي دفاعات المدينة، وسلم حماية المناطق الجبلية لعلي بن أبي طالب، وعبد الرحمن بن عوف، وسعد بن أبي وقاص، والزبير بن العوام، وعبد الله بن مسعود.
وخلال ثلاثة أيام هجم المرتدون على المدينة، وتعرضوا لهزيمة كبيرة؛ فردوا على أعقابهم خاسرين. وبدأت قبائل ذبيان وعبس الانتقام بقتل المسلمين في قبائلهم، فأقسم أبو بكر قتال هذه القبائل ثأرًا لمن قتلوهم.
الاستعداد للحرب
بعد أن هزم أبو بكر الصديق قبائل بني عبس وذبيان وبكر بن وائل، ونجح في صد هجوهم على المدينة، بد يستعد للحرب. وبعد وصول جيش أسامة بن زيد من الشام عقد 11 لواء وجعل على كل لواء أمير، ووجههم إلى القبائل، كالتالي:
خالد بن الوليد، وانطلق بجيشه إلى بني أسد، ثم إلى تميم، ثم إلى اليمامة.
عكرمة بن أبي جهل، وانطلق إلى مسيلمة الكذاب في بني حنيفة، ثم إلى سلطنة عمان والمهرة، ثم حضرموت، ثم اليمن.
شرحبيل بن حسنة وانطلق بجيشه إلى اليمامة في أعقاب عكرمة، ثم حضرموت.
طريفة بن حاجر، انطلق بجيشه إلى بني سليم وهوازن.
جيش عمرو بن العاص إلى قضاعة.
جيش خالد بن سعيد بن العاص إلى مشارف الشام.
لواء العلاء بن الحضرمي إلى البحرين.
لواء حذيفة بن محصن الغلفائي إلى سلطنة عمان.
جيش عرفجة بن هرثمة إلى المهرة.
جيش المهاجر بن أبي أمية إلى اليمن، ثم صنعاء ثم حضرموت.
لواء سويد بن مقرن إلى تهامة اليمن.
نتائج حروب الردة
كان لحروب الردة التي امتدت لأكثر من سنة نتائج في غاية الأهمية كالتالي:
توحيد شبه الجزيرة العربية وتوجيه كل طاقات العرب للأعمال العسكرية.
خروج الجيوش لفتوحات العراق والشام، بعد استتباب الأمن والسيطرة على شبه الجزيرة العربية.
سيطرة أبو بكر الصديق وبروز قوته كأول خليفة للمسلمين. وبروز نجم بعض القادة العسكريين الذين تولوا أمور الفتوحات الإسلامية، مثل سيف الله المسلول خالد بن الوليد، وسعد بن أبي وقاص، والمثنى بن حارثة، وغيرهم.
زيادة قوة جيش الدولة الإسلامية، من حيث العدد والتعبئة والخبرة في الحصار والأمور اللوجستية والجاسوسية. حيث كانت حروب العرب في الجاهلية قبلية بأعداد صغيرة، فكانت حروب الردة بمثابة تدريب لهم، فاشترك فيها عشرات الآلاف من المقاتلين.
تعزيز ثقة المسلمين في قدراتهم العسكرية، بعد تحقيق انتصارات كبيرة في كل أجزاء الجزيرة العربية. وهذا هيئهم لمواجهة الكيانات الكبيرة بكل عزيمة وإيمان ثابت.
انطلاق الفتوحات في العراق على يد المثنى بن حارثة الشيباني، الذي بدأ بقتال الفرس والعرب على محاذاة الخليج العربي. وبعد انتصار المثنى في عدة وقائع أرسل إليه أبو بكر خالد بن الوليد على رأس جيش مكون من 10 آلاف محارب، نجح في فتح العراق.
انطلاق فتوحات الشام بعد انتصارات العراق، حيث كان يسكنها العرب الغساسنة والروم. وأرسل أبو بكر إلى كل أجزاء الجزيرة العربية للمشاركة في فتح بلاد الشام. وبعد عدة أعوام، بسط المسلمون نفوذهم في الشام مثلما فعلوا في العراق.
جمع القرآن الكريم، كان من أهم نتائج حروب الردة. فبعد استشهاد الكثير من الصحابة حفظة القرآن في معركة اليمامة، اقترح عمر بن الخطاب على أبي بكر الصديق جمع القرآن. وكان سيدنا عمر يخشى من ذهاب القرآن ونسيانه، لأنه كان محفوظًا في الصدور. لم يقتنع أبو بكر في البداية وعارض الأمر، لكن عمر ظل وراءه حتى أقنعه بالفكرة. وتولى الصحابي الجليل زيد بن ثابت مهمة جمع القرآن من العسب والرقاع واللخاف وصدور الرجال، وكتبه في كتاب واحد.
المصادر:
الطبري: تاريخ الرسل والملوك.
ابن الاثير: أسد الغابة.
العسقلاني: الإصابة في تمييز الصحابة.
إبراهيم بيضون: ملامح التيارات السياسية في القرن الأول الهجري.
التعليقات
لا توجد تعليقات حتى الآن. كن أول من يعلق!
اترك تعليق