لقد كان حصار شعب أبي طالب محنة عظيمة تعرض لها النبي والمسلمين وبني هاشم وبني المطلب. حيث تحالفت كل قبائل قريش وقرروا فرض الحصار على كل من يساند رسول الله، ولم يستثنوا مؤمن أو كافر. وكان هدفهم القضاء على رسول الله ودعوته، حفاظًا على مكانتهم وسلطتهم الدينية بين قبائل العرب.

 

مدة حصار شعب أبي طالب

لم يستمر حصار بني هاشم وبني المطلب يومًا أو شهرًا أو سنة، بل استمر 3 سنوات. وخلال هذه المدة الطويلة كانوا يعيشون في عزلة ومقاطعة تامة من جميع قبائل قريش. لم يتوقف الأمر على منع الطعام والشراب عنهم، بل أيضًا الحديث معهم.

 

سبب حصار شعب أبي طالب

كان الهدف من الحصار الضغط على رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى يتوقف عن نشر دعوته. فبعد أن جاهر النبي بالدعوة إلى الإسلام، زاد عدد المسلمين، فبدأت سلطة قريش الدينية تتراجع أمام هذا الدين الجديد. لم يكن التمسك بعبادة الأصنام من أجلها فقط، بل من أجل المكانة التي كان يحظى بها أهل مكة بسبب موسم الحج. وانتشار الإسلام يعني القضاء على سلطتهم الدينية وقوتهم الاقتصادية، فلم يكن أمامهم سوى محاربته.

بعد مجاهرة النبي محمد بدعوته، اتخذت قريشًا موقفًا معاديًا، خاصة مع تزايد عدد المسلمين. ولما شعروا بأن دعوته فيها تهديدًا كبيرًا لسلطتهم، ذهبوا إليه وأمروه بالتخلي عنها. وتقول إحدى الروايات أنهم أمروه بالتوقف عن سب ألهتهم، مقابل إعطائه جزء من ربح تجارتهم والزواج من بناتهم.

وذكر الطبري، لما رفض رسول الله عرضهم، اقترحوا عليه أن يعبدوا ألهتهم سنة، ويعبدوا الله سنة. قال لهم النبي صلى الله عليه وسلم، أنه سينتظر أمر الله، فنزل قول الله ﴿قل يأيها الكافرون، لا أعبد ما تعبدون﴾.  كما نزل قول الله تعالى: ﴿قل أفغير الله تأمروني أعبد أيها الجاهلون﴾.

لم تجد قريش نتيجة للمفاوضات مع النبي، لذلك لجأوا إلى سبه وشتمه واتهامه بالجنون والسحر، وأن عليه جنًا مثل الذي ينزل على السحرة. لكن هذه الطريقة أيضًا لم تجدي نفعًا، وظل أهل مكة يدخلون الإسلام. وفي هذه النقطة كشرت قريش عن أنيابها، وبدأت في تعذيب كل شخص يدخل الإسلام. وأصبح كل رئيس قبيلة يعذب من يعتنق الإسلام من قبيلته، ولجأوا إلى الضرب والجلد والكي. وتعرضوا للنبي نفسه ورموه بالحجارة ووضعوا الشوك في طريقه.

 

قصة حصار شعب أبي طالب

بعد فشل مفاوضات قريش مع النبي، وتعذيبهم للمسلمين الذي لم يجني ثماره، اجتمعوا وقرروا اغتياله. وعندما لم وقف أبو طالب في وجههم ولم يسلمه لهم، لجأوا إلى أسلوب الحصار والمقاطعة، فاجتمعوا في خفيف كنانة، واتفقوا على مقاطعة بني هشام وبني المطلب اجتماعيًا واقتصاديًا. وكتبوا وثيقة تحتوي على عدة بنود، أهمها ألا يخلطوهم ولا يناكحوهم ولا يبايعوهم، وعلقوا هذه الوثيقة في جوف الكعبة. وقيل أن النبي صلى الله عليه وسلم دعا على من كتب هذه الوثيقة، فشلَّت يده، وكان اسمه منصور بن عكرمة العبدري.

مع حصار بني هاشم وبني المطلب مسلمهم وكافرهم في الشعب، ازداد الوضع سوءً كل يوم عن اليوم الذي قبله. في البداية كان أبو بكر الصديق والسيدة خديجة ينفقون أموالهم على المحاصرين، لكن مع الوقت نفدت أموالهم، فتعرضوا لمحنة شديدة. انتشر الجوع بين الرجال والنساء والأطفال، فلم يجدوا الخبز الجاف، ولم تستطع النساء إرضاع أطفالهن. زكان النبي صلى الله عليه وسلم يسمع صراخ الأطفال وتألم النساء من فرط الجوع ويتألم.

كان بعض المحاصرين لهم أقارب مشركين يتعاطفون معهم، فيرسلون لهم الطعام ليلًا. فكان حكيم بن حزام يرسل الطعام لعمته خديجة بنت خويلد سرًا. وكان هشام بن عمرو العامري، يحمِّل البعير بالطعام والثياب، حتى يصل إلى الشعب، فيطلق البعير ويوجهه إليهم.

يقول سعد بن أبي وقاص “خرجت ذات يوم ونحن في الشعب لأقضي حاجتي فسمعت قعقعة تحت البول، فإذا هي قطعة من جلد بعير يابسة، فأخذتها فغسلتها، ثم أحرقتها ثم رضضتها، وسففتها بالماء فتقويت بها ثلاث ليال”.

ويقول عُتْبَةُ بْنُ غَزْوَانَ رضي الله عنه “لَقَدْ رَأَيْتُنِي سَابِعَ سَبْعَةٍ مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم مَا لَنَا طَعَامٌ إِلَّا وَرَقُ الشَّجَرِ حَتَّى قَرِحَتْ أَشْدَاقُنَا”.

 

فك الحصار

لم يكن كل رجال قريش راضين عن حصار شعب أبي طالب، بسبب صلة القرابة والنسب. وكان زهير بن أمية من المعترضين على حصارهم، فقد ورد أنه قال “يا أهل مكة أنأكل الطعام، ونلبس الثياب، وبنو هاشم هلكى، لا يباعون ولا يبتاع منهم، والله لا أقعد حتى تشق هذه الصحيفة القاطعة الظالمة”.

استمر الحصار ثلاث سنوات، ثم نزل الوحي على رسول الله، وعلم أن الوثيقة أكلتها دويبة ضعيفة، ولم يبقى فيها سوى اسم الله. أخبر النبي عمه أبي طالب بأن الأرضة أكلت الصحيفة، ولم يبقى منها سوى اسم الله. انطلق أبو طالب مسرعًا إلى قريش، فساومهم وقال لهم “إن كان كلام ابن أخي حقًا فانتهوا عن قطيعتنا، وإن يك كاذبًا دفعته إليكم، فقالوا: قد أنصفتنا”.

انطلق رجال قريش مسرعين إلى جوف الكعبة، فوجدوا أن الصحيفة أكلتها الأرضة، ولم يبقى غير اسم الله، فانتهى الحصار عن بني هاشم في السنة العاشرة من البعثة. ومع ذلك ظلت قريش على كفرها وعنادها، ورغم مرور السنين ظل النبي يتذكر فعلتهم به، وذكر ذلك في حجة الوداع. يقول أبو هريرة رضي الله عنه، قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: مِنَ الْغَدِ يَوْمَ النَّحْرِ وَهُوَ بِمِنًى “نَحْنُ نَازِلُونَ غَدًا بِخَيْفِ بَنِي كِنَانَةَ حَيْثُ تَقَاسَمُوا عَلَى الْكُفْرِ”، وخيف بني كنانة هو الوادي الذي اجتمعوا فيه وكتبوا وثيقة الحصار.

 

عام الحزن

لقد أصاب التعب والإرهاق كل من كان في شعب أبي طالب. وكان أبو طالب نفسه أول الذين تعرضوا لوعكة صحية بعد  الخروج من الشعب.  وبعد فك الحصار ذهب إليه وفد من قريش على رأسه: عتبه بن ربيعه وأخيه، وأبو سفيان بن حرب، وأبو جهل، والوليد بن المغيرة. أرادت قريش أن يمنع أبو طالب ابن أخيه عنهم وعن ألهتهم. ذكر ذلك للنبي، فرد على عمه قائلًا “يَا عَمُّ، وَاَللَّهِ لَوْ وَضَعُوا الشَّمْسَ فِي يَمِينِي، وَالْقَمَرَ فِي يَسَارِي عَلَى أَنْ أَتْرُكَ هَذَا الْأَمْرَ حَتَّى يُظْهِرَهُ اللَّهُ، أَوْ أَهْلِكَ فِيهِ، مَا تَرَكْتُهُ”. ثم بكى رسول الله، فقال له عمه “اذْهَبْ يَا بن أَخِي، فَقُلْ مَا أَحْبَبْت، فو الله لَا أُسْلِمُكَ لِشَيْءِ أَبَدًا”. ثم مات أبو طالب دون أن يدخل الإسلام، ومات على كفره، فحزن النبي حزنًا شديدًا.

وبعد وفاة أبي طالب بأيام قليلة توفت السيدة خديجة رضي الله عنها، فتعرض النبي لمحنة عظيمة. لقد كانت خديجة سندًا للنبي ومصدر دعمه وحنانه، وكانت معه في كل المواقف ولم تتركه يومًا. وعندما فرضت قريش الحصار، تركت عائلتها وذهبت مع النبي، وعانت مما عانى منه.

وبوفاة أبي طالب وخديجة، تعرض النبي لضربة كبيرة، لقد كانا الاثنان أكبر داعمين له. فعمه يقف في وجه قريش ويحميه منهم، وخديجة، تدعمه بمالها وحبها. لذلك كان آخر 3 سنوات قبل الهجرة أصعب السنوات على النبي والمسلمين، ففروا بدينهم إلى المدينة المنورة.

 

 

المصادر:

ابن الأثير: أسد الغابة في معرفة الصحابة.

ابن سعد: الطبقات الكبرى.

البلاذري: أنساب الأشراف.

ابن كثير: البداية والنهاية.

الذهبي: سير أعلام النبلاء.

سيرة ابن هشام.

الطبري: تاريخ الأمم والملوك.

ابن الأثير: الكامل في التاريخ.

الوسوم :

التعليقات

لا توجد تعليقات حتى الآن. كن أول من يعلق!

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات مشابهة

عرض جميع المقالات