كانت خلافة معاوية بن أبي سفيان سنة 41 من الهجرة، بعدما تنازل له الحسن بن علي عن حكم المسلمين في عام الجماعة. وحكم معاوية رضي الله عنه، المسلمين بالرحمة والحكمة، واتسمت سياسته بالشدة واللين، فأحبه أهل الشام والمسلمين جميعًا. وكانت فترة حكمه مليئة بالاستقرار والهدوء بعد سنوات من الفتنة.

 

انقسام الخلافة بين الحسن ومعاوية

لما قُتِل علي بن أبي طالب، بايع الناس ابنه الحسن بالخلافة، في نفس يوم وفاته 17 رمضان سنة 40 هـ. لم يرغب الحسن في البداية ورفض الخلافة لأنه يعلم أن ورائها دماء كثيرة، فقد شهد على ما حدث مع والده. لكن بعد إصرار قيس بن سعد الأنصاري وقوله: ابسط يدك أبايعك عَلَى كتاب اللَّه، عَزَّ وَجَلَّ، وسنة نبيه وقتال المحلين. وافق الحسن وقال: “عَلَى كتاب اللَّه وسنة نبيه، فإن ذَلِكَ يأتي من وراء كل شرط، فبايعه وسكت وبايعه الناس”.

في نفس الوقت كان معاوية بن أبي سفيان والي الشام ومعها مصر، ولما قُتِل علي لقبه الناس في الشام بأمير المؤمنين وبايعوه في نفس العام.  لكن يجب ألا نغفل أن معاوية وأهل الشام لم يطالبوا بالخلافة في عهد علي وكانوا على استعداد بمبايعته بشرط القصاص من قتلة عثمان. وهذا يعني أن الحرب بين علي ومعاوية وما حدث لاحقًا لم يكن الهدف منه الحرب على الإمارة كما تذكر كتب الشيعة وبعض المستشرقين. وهذا افتراء كبير على صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، الذين قاتلوا عن اجتهاد ويقين كل طرف أنه على حق وأنه بهذا القتال يرضي الله سبحانه وتعالى.

وبهذه الطريقة يكون هناك خلافتين لأول مرة، خلافة في الشام وخلافة في العراق، وهذا لا يصح شرعًا، ولا يستقيم في الإسلام.

كان الحسن رضي الله عنه، غير راض عن القتال بين أبيه ومعاوية في صفين، وحاول منعه. ولما تولى الخلافة أراد حقن دماء المسلمين وتجنب القتال، لكن أهل العراق أصروا على قتال أهل الشام. واجتمع عليه آلاف الناس في الكوفة كعادتهم، ومن هنا خشى الحسن من وقوع فتنة جديدة، لذلك خرج لقتال أهل الشام وهو كاره لذلك. ولما علم معاوية بخروجه خرج له بجيشه.

 

عام الجماعة

كان الحسن أبعد ما يكون عن القتال، لذلك بدأ في إرسال الرسل إلى معاوية، فأرسل إليه عبد الله بن عامر، وعبد الرحمن بن سمرة. وبعد مراسلات بين الطرفين قرر الحسن التنازل عن الخلافة حقنًا لدماء المسلمين، ولو أراد لسوى أهل الشام بالأرض بجيشه الكبير. ولذلك سمي عام الصلح بعام الجماعة وكان سنة 41 من الهجرة. وكان الحسن رضي الله عنه سببًا لتوحيد صفوف المسلمين وصلح أهل الشام والعراق من جديد.

كان الحسن يتطلع إلى إصلاح الأمة وتوحيد صفوف المسلمين وحقن دمائهم. وقال في خطبته التي تنازل فيها لمعاوية: “إِنَّ هَذَا الْأَمْرَ الَّذِي اخْتَلَفْتُ فِيهِ أَنَا وَمُعَاوِيَةُ إِمَّا كَانَ حَقًّا لِي تَرَكْتُهُ لِمُعَاوِيَةَ إِرَادَةَ صَلَاحِ هَذِهِ الْأُمَّةِ، وحقن دمائهم”.

ولما سئل الحسن رضي الله عنه، لماذا تنازل عن الخلافة لمعاوية قال “كَرِهْتُ الدُّنْيَا وَرَأَيْتُ أَهْلَ الْكُوفَةِ قَوْمًا لَا يَثِقُ بِهِمْ أَحَدٌ أَبَدًا إِلَّا غُلِبَ”. وبالطبع غضب أهل العراق من الحسن بسبب تنازله، وبعد عودته كانوا يقولون له “السلام عليك يا مذل المؤمنين”، بعدما كانوا يقولون له “السلام عليك يا أمير المؤمنين”.

ونص الصلح بين الحسن بن علي رضي الله عنه ومعاوية بن أبي سفيان علي التالي:

أن يحكم معاوية المسلمين بما نص عليه كتاب الله وسنة رسوله وسيرة الخلفاء الراشدين.

لا يعهد بالحكم لورثته من بعده، ويعود الأمر من بعده شورى بين المسلمين.

أن يأمن الناس في الشام والعراق والحجاز واليمن في عهده.

أن يكون أصحاب علي آمنون على أنفسهم وأموالهم وأولادهم وزوجاتهم.

 

خلافة معاوية

قام معاوية بتأسيس الدولة الأموية سنة 41 من الهجرة، وجعل عاصمته دمشق. وامتدت حدود الدولة الأموية من الصين شرقًا إلى اليمن جنوبًا وأرمينية شمالًا، وتونس غربًا.

ولم يقتصر اهتمام معاوية على الفتوحات وزيادة رقعة الدولة الإسلامية فقط، بل اهتم بالإصلاحات والسياسة الداخلية. فأنشأ الدواوين المركزية، واستحدث نظام الحاجب والحرس خوفًا من هجوم الخوارج عليه. وأحسن اختيار رجال الدولة، واتسمت سياسته بالشدة واللين. اهتم أيضًا بجهاز المخابرات، فكانت الأجهزة الداخلية والخارجية قوية جدًا.

 

ولاية العهد لابنه يزيد

كان الخليفة في عهد الخلفاء الراشدين يتم اختياره بالشورى ومحكومًا برضا أهل الحل والعقد من كبار الصحابة. وكانت هناك شروط معينة لاختياره، ولم يورث الخلفاء الراشدون الأربعة الحكم لأبنائهم.

لكن اختلف الأمر في الدولة الأموية، وجعل معاوية ولاية العهد لابنه يزيد قبل وفاته. يقول العلماء أن سبب قيامه بذلك هو خوفه من تفرقة المسلمين مرة ثانية واشتعال الفتنة من جديد. حصل معاوية على موافقة مصر وجميع البلدان الإسلامية، ثم ذهب إلى المدينة والتقى بكبار أبناء الصحابة، فعارضه الحسين بن علي وعبد الله بن الزبير. وفي عهد يزيد تبدأ الفتنة من جديد وتنتهي باستشهاد الحسين رضي الله عنه، ثم إعلان ابن الزبير خلافته لينتهي الأمر باستشهاده أيضًا. ومن هذه النقطة تعود الهيمنة والسيطرة للدولة الأموية من جديد. وبذلك دخلت الدولة الإسلامية في مرحلة جديدة كليًا، وتحولت إلى الحكم الملكي.

 

 

 

 

المصادر:

ابن عساكر: تاريخ دمشق.

ابن الأثير: أسد الغابة في معرفة الصحابة.

الزركلي: الأعلام.

ابن حجر العسقلاني: الإصابة في تمييز الصحابة.

الذهبي: سير أعلام النبلاء.

ابن كثير: البداية والنهاية.

ابن سعد: الطبقات الكبرى.

 

 

الوسوم :

التعليقات

لا توجد تعليقات حتى الآن. كن أول من يعلق!

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات مشابهة

عرض جميع المقالات