كان الصحابي الجليل زيد بن حارثة رضي الله عنه، مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم. وهو من السابقين إلى الإسلام وأول من أسلم من الموالي. وكان ابن رسول الله بالتبني قبل البعثة، وبعد الإسلام أُبطِلت عادة التبني، ونزل فيه القرآن الكريم. كان رضي الله عنه ملازمًا لرسول الله، وحضر معه الغزوات والمعارك، وأرسله النبي قائدًا على السرايًا، كما كان أحد القادة الثلاثة الذين استشهدوا في غزوة مؤتة.
نسب زيد بن حارثة
اسمه: زيد بن حارثة بن شراحيل أو شرحبيل بن كعب. وهو من بني كلب أحد بطون قضاعة.
أمه: سُعدى بنت ثعلبة بن عبد عامر بن أفلت من بني معن من طيّئ.
زوجاته: أم أيمن، زينب بنت جحش، أم كلثوم بنت عقبة، درة بنت أبي لهب، هند بنت العوام.
أبناؤه: أسامة بن زيد.
إخوته: جبلة بن حارثة.
نشأة زيد بن حارثة
ولد الصحابي الجليل زيد بن حارثة في ديار قومه بني كلب، سنة 43 قبل الهجرة، وقيل سنة 47 قبل الهجرة. وهو طفل صغير ذهب مع أمه إلى أخواله بني معن، فأغارت عليهم خيل بني ألفين بن جسر، واختطفوه وتعرض للأسر قبل الإسلام. ثم باعوه في سوق عكاظ، واشتراه حكيم بن حزام وأعطاه لعمته السيدة خديجة بنت خويلد زوجة النبي مقابل 400 درهم.
وبعدما تزوجت السيدة خديجة النبي وهبت له زيدًا. وبعد مرور سنين طويلة، جاء مجموعة من بني كلب للحج، فرأوه وعرفوه وعرفهم. وبعدما عادوا إلى ديارهم أخبروا أهله، فذهب أبوه حارثه ومعه عمه كعب إلى مكة، كي يفتدونه ويعيدونه إليهم. ثم التقوا بالنبي وعرضوا عليه الفدية، لكن النبي قال لهم خيروه إن شاء ذهب معكم دون فدية، وإن شاء ظل معي.
نادى النبي على زيد وقال له “فأنا من قد علمت ورأيت صحبتي لك فاخترني أو اخترهما”، فقال زيد “ما أنا بالذي أختار عليك أحدًا. أنت مني بمكان الأب والأم”. هنا تعجب أبوه وقال “ويحك يا زيد أتختار العبودية على الحرية وعلى أبيك وعمك وأهل بيتك؟!”. فقال “نعم. إني قد رأيت من هذا الرجل شيئًا ما أنا بالذي أختار عليه أحدًا أبدًا. وبعد هذا الموقف اعتبره النبي ابنه وخرج إلى الحجر وقال “يا من حضر اشهدوا أن زيدًا ابني أرثه ويرثني”. ومن هذا اليوم صار يعرف بزيد بن محمد وليس زيد بن حارثة.
حياته في الإسلام
كان الصحابي الجليل زيد بن حارثة من السابقين إلى الإسلام، فكان ثالث من أسلم بعد السيدة خديجة وعلي بن أبي طالب. فأسلم قبل أبو بكر الصديق، وبذلك كان أول من أسلم من الموالي. وظل يرافق النبي لا يتركه أبدًا، وخاض معه كل ما خاضه في قريش إلى أن أمره بالهجرة إلى يثرب. وفي المدينة المنورة آخى النبي بينه وبين أسيد بن حضير أو حمزة بن عبد المطلب.
كان زيد رضي الله عنه من أمهر الرماة، وشارك مع النبي في غزوة بدر، وهو من ذهب بخبر النصر إلى المدينة. ثم حضر مع النبي المشاهد كلها، فشارك في أحد وخيبر والخندق والحديبية. وفي غزوة المريسيع، استخلفه رسول الله على المدينة. ثم عقد له لواء سبع سرايا ( القردة، الجموم، العيص، الطرف، حسمى، أم قرفة).
وعندما جهز النبي لقتال الروم والغساسنة، كان ضمن القادة الثلاثة الذين عينهم على جيش المسلمون. وكانت الفجوة كبيرة بين قوة الجيشين، فالروم مائة ألف، بينما المسلمون كانوا 3 آلاف فقط. وكان هو أول قائد للجيش، حيث قال النبي “زيد بن حارثة، فإن قتل فجعفر بن أبي طالب، فإن قتل فعبد الله بن رواحة”. واستشهد زيد بن حارثة بعدما قاتل بكل شجاعة، ثم استشهد جعفر وعبد الله، فتسلم خالد بن الوليد قيادة المسلمين.
زواج زيد بن حارثة من زينب بنت جحش
كان سيدنا زيد بمثابة ابن رسول الله، وكانت زينب بنت جحش ابنة عمته، فأراد تزويجهم من بعض. لكن السيدة زينب لم تقبل ذلك على نفسها، فهي ذات حسب ونسب، أما هو فمولى النبي وتبناه قبل البعثة.
وقد ورد أنها قالت للنبي “أنا ابنة عمتك يا رسول الله، فلا أرضاه لنفسي”، فأنزل الله سبحانه وتعالى ﴿وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ﴾. وأمام أمر الله وافقت السيدة زينب ورضيت بالزواج من زيد بن حارثة. وكان هذا الزواج ضروريًا لتحطيم الفوارق الاجتماعية في ذلك الوقت بين طبقة الأحرار وطبقة الموالي.
طلاقه لزينب بنت جحش
تزوجت السيدة زينب بنت جحش زيد بن حارثة قرابة السنة، لكن وقع بينهما خلاف. فذهب زيد إلى النبي يشكوا له ويخبره رغبته في الطلاق منها، لكن رسول الله قال له “أمسك عليك زوجك واتق الله”.
وكان الله سبحانه وتعالى قد أخبر النبي أن ابنة عمته زينب بنت جحش ستكون واحدة من زوجاته بعد أن يطلقها زيد بن حارثة. فخشى النبي مما سيقوله المنافقين، لأن زينب هي زوجة ابنته بالتبني.
فنزل قول الله تعالى ﴿وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا﴾.
وأراد الله بهذا الزواج أن يسقط التبني، وكان النبي أول من يطبق ذلك. وبعد نزول هذه الآية أصبح يعرف بـ زيد بن حارثة، وليس زيد بن محمد. وبعد طلاقهما تزوج النبي زينب بنت جحش بأمرٍ إلهي. . وكانت رضي الله عنها تتفاخر على زوجات النبي وتقول “إن الله أنكحني في السماء”.
وبعد زواج النبي وزينب بنت جحش تكلم المنافقون، وقالوا أنه تزوج من زوجة ابنه، فنزل الوحي بقوله تعالي ﴿مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا﴾.
مكانته وفضله
كان الصحابي الجليل زيد بن حارثة رضي الله عنه، الصحابي الوحيد الذي ذكره الله باسمه في القرآن الكريم. وكان يحظى بمكانة كبيرة عند رسول الله، حيث قال “يا زيد، أنت مولاي ومني وإلي وأحب القوم إلي”. وكان صحابة النبي يلقبونه بـ “حِبُّ رسول الله”.
وعندما استشهد القادة الثلاثة في مؤتة، استغفر النبي لزيد بن حارثة ثلاث مرات، ثم استغفر لجعفر بن أبي طالب وعبد الله بن رواحة مرة واحدة. ثم ذهب صلى الله عليه وسلم، إلى بيت زيد وبكى، فقال له سعد بن عبادة “يا رسول الله ما هذا؟”، فقال النبي “هذا شوق الحبيب إلى حبيبه”.
وكان النبي يحب ابنه أسامة من بعده ويقربه إليه، ولما اعترض بعض الصحابة على إمارة النبي له، قال لهم “إن هذا لمن أحب الناس إلي بعده” يقصد بعد أبيه زيد. واقتضى عمر بن الخطاب بالنبي خلال خلافته، ففرض لأسامة أكثر من ابنه عبد الله، وقال ” إنه كان أحب إلى رسول الله منك، وإن أباه كان أحب إلى رسول الله من أبيك”.
المصادر:
سيرة بن هشام.
ابن الأثير، أسد الغابة في معرفة الصحابة.
الذهبي، سير أعلام النبلاء.
ابن عساكر، تاريخ دمشق.
ابن عبد البر: الاستيعاب في معرفة الأصحاب.
موقع قصة الإسلام: زيد بن حارثة.
التعليقات
لا توجد تعليقات حتى الآن. كن أول من يعلق!
اترك تعليق
لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *