كانت سجاح بنت الحارث، واحدة ممن ادعوا النبوة بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم. حيث كثر المتنبئون والمرتدون عن الإسلام في أول خلافة أبي بكر الصديق رضي الله عنه. ورغم محاولاتها ونجاحها في انضمام الكثيرين لها، لكنها فشلت ولم تحقق أهدافها، حتى قيل أنها أسلمت في النهاية، وظلت مغمورة حتى وفاتها.
نبذة عن حياتها
كانت سجاح بنت الحارث التميمية عرافة وشاعرة وملمة بالأخبار ومتنبئة، أعلنت النبوة بعد وفاة رسول الله. وارتفعت مكانتها ونبغت بين الناس خلال خلافة أبي بكر الصديق. ولدت سنة 25 قبل الهجرة، في البصرة بالعراق. حيث نشأت بين أخوالها بني تغلب بأرض الفرات، الذين كانوا يعتنقون النصرانية، فأخذت عنهم علم الكتاب، وقيل أنها تنصرت أيضًا، وتزوجت منهم.
اختلف العلماء في نسب سجاح على أقوال، فذكر ابن كثير وابن خلدون أنها من تغلب وليسوا أخوالها. بينما ذكر القدماء بأنها من تميم، واختلفوا أيضًا في نسب أجدادها، فقيل اسمها:
سجاح بنت الحارث بن عقفان بن سويد بن خالد بن أسامة بن العنبر بن يربوع بن حنظلة بن مالك بن زيد مناة بن تميم.
وقيل، سجاح بنت أوس بن حق بن أسامة بن العنبر بن يربوع بن حنظلة بن مالك بن زيد مناة بن تميم.
وكانت منازل بني تميم تقع إلى الجنوب من بني عامر وتمتد على الخليج العربي، وكانت لهم فروع تستحوذ على مراعي غنية تمتد إلى الفرات الأوسط. اشتهر بني تميم بالكرم والشجاعة، وخرج منهم أبطال وملوك وشعراء، فتمتعوا بمكانة رفيعة في الجاهلية والإسلام.
سجاح ومالك بن نويرة
كانت سجاح بنت الحارث، ممن ادعوا النبوة بدافع الظهور والسلطة، واستجاب لها الهذيل بن عمران في تغلب وخرج من النصرانية. لكنها لم تجد من يستجيب لها من قومها غير القليل. فبدأت تراسلهم وتناشدهم المعاضدة لها، فاستجاب لها بني مالك، وكان زعيمهم وكيع بن مالك. ثم ناشدت بني يربوع وكان يتولى أمرهم مالك بن نويرة، حيث ولاه النبي صلى الله عليه وسلم صدقات قومه بعد إسلامه. لكن بعد وفاة رسول الله، امتنع مالك عن إرسال الزكاة إلى المدينة المنورة وكان من المرتدين الذين حاربهم أبو بكر الصديق.
ذكر بعض المؤرخون أن مالك بن نويرة انضم إلى سجاح بنت الحارث. لكنه استغلها ووجها لمحاربة خصومه من بني الرباب، وهي واحدة من عشائر بني تميم. وعندما تعرضت لهزيمة ساحقة، انفصل مالك عنها.
كانت سجاح تسعى إلى الهجوم على المدينة المنورة، وبدأت تدعوا بني يربوع لمساندتها. لكنهم طلبوا منها توحيد بني تميم خلفها قبل زحفها إلى الحجاز. وعندما لم يتفق بنو تميم على رأي واحد ويتحدوا خلفها، توجهت بجنودها إلى النباج. وهناك تصدى لها أوس بن خزيمة، وهزمها ومنعها من العبور من أراضيه. لكن بعد ذلك تصالحوا وتبادلوا الأسرى فيما بينهما، واتفقا على رحيل سجاح، وألا تسير إلى المدينة من أراضيهم، بل من خلفهم.
قصة سجاح ومسيلمة الكذاب
عندما فشلت سجاح بنت الحارث في جعل قومها يتحدون خلفها وتعرضت لهزائم متلاحقة، اتجهت نحو اليمامة بلد مسيلمة الكذاب، الذي كان يستعد لقتال المسلمين. وقالت لقومها “يا معشر تميم، اقصدوا اليمامة، فاضربوا فيها كل هامة، وأضرموا فيها نارًا ملهامة، حتى تتركوها سوداء كالحمامة”. ثم قالت “إن اللّه لم يجعل هذا الأمر في ربيعة، وإنما جعله في مضر، فاقصدوا هذا الجمع، فإذا فضضتموه كررتم على قريش”.
عندما وصلت سجاح على أعتاب اليمامة، شعر مسيلمة بالخطر، لأنه كان يستعد لقتال المسلمين. لكن وصولها بهذا الجيش معها، أربك حساباته وفتح عليه عدة جبهات. لذلك ذهب إليها مع وفد من قومه وعرض عليها الزواج. وافقت سجاح على الزواج من مسيلمة، وبزواجهما اتحد جيشهما وقبائلهما معًا وشكلوا قوة كبيرة في مواجهة المسلمين. كما حصلت سجاح على نصف غلات اليمامة مقابل هذا الزواج.
بعد الزواج بثلاثة أيام سافرت إلى قومها، ومعها جزء مما اتفقا عليه من مهر الزواج، وتركت خلفها ممثلين عنها. وخلال ذلك كان الجيش الإسلامي في طريقه إلى اليمامة، لمواجهة مسيلمة الكذاب وقومه بني حنيفة. بدأ القتال، وسقط قتلى من كلا الجانبين، لكن ظل بنو حنيفة صامدين. وهنا أدرك سيف الله المسلول سيدنا خالد بن الوليد أنه لن ينال من بني حنيفة طالما أن مسيلمة حي وموجود بينهم، وأن القتال لن ينتهي إلا بقتله. لذلك استنفر مقاتليه وظل ينادي فيهم “يا محمداه”، فأثار حميتهم، وضغطوا على بني حنيفة وأتباعهم. فاضطر مسيلمة إلى التحصن بحديقة ذات أسوار عالية، فدخل إليها هو وجنوده، حتى يتخلص من ضغط المسلمين.
حاصر المسلمون الحديقة وألقوا بالبراء بن مالك رضي الله عنه داخلها، فاستطاع فتح أبوابها ونجحوا في اقتحامها، وجرى داخلها قتال شديد. ونجح وحشي بن حرب قاتل حمزة بن عبد المطلب في الوصول إلى مسيلمة، فرماه بحربته، ثم وصل أبو دجانة وأجهز عليه بسيفه. بعد مقتل مسيلمة انهار بني حنيفة، واشتدت قوة المسلمين وفتكوا بأعدائهم، فلم يجدوا سوى الاستسلام وطلب الصلح. وقد قُتِل في هذه المعركة 21 ألفًا من بني حنيفة، حتى أطلق على الحديقة التي جرى بداخلها القتال، حديقة الموت.
نهاية سجاح بنت الحارث
بعد موت مسيلمة، ظلت سجاح تعيش في الجزيرة الفراتية مع بني تغلب مغمورة لا يسمع عنها شيء. وفي عصر معاوية بن أبي سفيان، نقلهم من الجزيرة إلى الكوفة، حيث أنزلهم منزل القعقاع بن عمرو، ونقل القعقاع إلى إيليا بفلسطين. وقيل أنها وفدت مع قومها إلى الكوفة وعادت إلى الإسلام مرة ثانية. فقال الحسن البصري “أسلمت سجاح بعد ذلك وبعد قتل مسيلمة، وحسن إسلامها”. وقال أبو الربيع الكلاعي “ولما قتل مسيلمة، أخذ خالد بن الوليد سجاح، فأسلمت و رجعت إلى ما كانت عليه، و لحقت بقومها”.
وقيل أنها بعد مسيلمة تزوجت من رجل من تميم وأنجبت منه. وهذا ما قاله الكلبي “فلم تزل سجاح عند مسيلمة إلى أن قتل، فهربت فلم توجد، ثم أسلمت فتزوجها رجل من قومها، فولدت له ثلاثة”. وبناءً على ما ذكره الكلبي، فقد كان عمر سجاح عندما ادعت النبوة ما بين الثلاثين والأربعين، لأن بعد عودتها إلى العراق، كانت ما زالت تستطيع الإنجاب.
وفاة سجاح بنت الحارث
انتقلت سجاح قبل وفاتها إلى البصرة، وتوفت سنة 55 من الهجرة. وصلى عليها والي البصرة في زمن معاوية، سمرة بن جندب. قال ابن الأثير “فلم تزل سجاح في تغلب حتى نقلهم معاوية عام الجماعة. وجاءت معهم وحسن إسلامهم لإسلامها، وانتقلت إلى البصرة وماتت بها. وصلى عليها سمرة بن جندب، وهو على البصرة لمعاوية قبل قدوم عبيد الله بن زياد من خراسان وولايته البصرة”.
المصادر:
الأصفهاني: الأغاني.
ابن الأثير: الكامل في التاريخ.
البلاذري: فتوح البلدان.
الجاحظ: الحيوان.
الطبري: تاريخ الرسل والملوك.
ابن سعد: الطبقات الكبرى.
العسقلاني: الإصابة في تمييز الصحابة.
الذهبي: سير أعلام النبلاء.
ابن كثير: البداية والنهاية.
موقع قصة الإسلام: سجاح التميمية.
الطبري: تاريخ الطبري.
التعليقات
لا توجد تعليقات حتى الآن. كن أول من يعلق!
اترك تعليق
لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *