كانت سرية أسامة بن زيد آخر سرية يرسلها النبي صلى الله عليه وسلم، في حياته. وكان طريقها إلى الشام في أرض السراة ناحية البلقاء. وقد أصدر رسول الله أمره إلى أسامة في شهر صفر سنة 11 من الهجرة، وقال له “سر إلى موضع مقتل أبيك، فأوطئهم الخيل فقد وليتك هذا الجيش، فأغر صباحًا على أهل أبنى، وأسرع السير تسبق الأخبار، فإن ظفرك الله فأقلل اللبث فيهم وخذ معك الأدلاء، وقدم العيون والطلائع أمامك”. وعلى الرغم من مرض رسول الله يوم الأربعاء، لكنه عقد لواء أسامة يوم الخميس، وقال له “أغز بسم الله في سبيل الله، فقاتل من كفر بالله”.
تجهيز جيش أسامة بن زيد
كان الصحابي الجليل أسامة بن زيد رضي الله عنه، لم يتجاوز العشرين من عمره، عندما سلمه رسول الله قيادة جيش المسلمين المتوجه لغزو الروم في الشام. وقد فعل النبي ذلك رغم وجود كبار الصحابة من المهاجرين والأنصار ضمن جيشه. أظهر البعض الاعتراض على ذلك، وقالوا “يستعمل هذا الغلام على المهاجرين الأولين”.
ولما سمع النبي بذلك غضب غضبًا شديدًا، وصعد على المنبر رغم مرضه، وقال “أما بعد، أيها الناس فما مقالة بلغتني عن بعضكم في تأميري أسامة، ولئن طعنتم في إمارتي أسامة، لقد طعنتم في إمارتي أباه من قبله، وأيم الله إن كان للإمارة لخليقًا وإن ابنه من بعده لخليق للإمارة، وإن كان لمن أحب الناس إلي، وإنهما لمخيلان لكل خير، واستوصوا به خيرًا، فإنه من خياركم”.
كان الجيش معسكرًا بالجرف، فذهب أسامة لوداع رسول الله يوم الاثنين وخرج من عنده. لكن قبل مغادرته المدينة، وصله خبر من أمه “أم أيمن”، وأعلمته أن رسول الله يموت. وتوفي رسول الله يوم الاثنين 12 ربيع الأول سنة 11 من الهجرة، فعاد الجيش إلى المدينة المنورة.
معركة أسامة بن زيد ضد الروم
أول ما تسلم أبو بكر الخلافة استكمل ترتيبات الجيش ونفذ وصية رسول الله. وخرج جيش أسامة إلى الشام في شهر ربيع الثاني سنة 11 من الهجرة. توجهت السرية إلى أهل أبنى ووصلت إليهم خلال 20 ليلة. وكان أبو بكر قد أوصاه وقال كلمته الشهيرة التي تعتبر أساس لقوانين الحرب “سيروا على بركة الله، واغزوا باسم الله، وقاتلوا من كفر بالله، ولا تغدروا ولا تغلُّوا، ولا تقتلوا شيخاً كبيراً ولا امرأةً ولا طفلاً، ولا تقطعوا شجرةً، ولا تذبحوا شاةً إلا للأكل”.
شن أسامة الغارة عليهم، وقتل من قاتله، وسبى عدد من منهم، وقتل قاتل أبيه زيد بن حارثة. ثم عاد بالجيش، ووصل إلى وادي القرى خلال 9 ليال، فأرسل رسول يبشر أهل المدينة بالنصر. وعندما وصلوا على أعتاب المدينة، كان خليفة رسول الله أبو بكر الصديق في انتظاره وبرفقته الأهالي. دخل أسامة المدينة على حصان أبيه، وأمامه بريدة بن الحصيب يحمل اللواء، ثم ذهب إلى المسجد وصلى ركعتين، وبعد ذلك غادر إلى بيته.
تعجب الروم وتفاجئوا من خروج المسلمين لغزوهم في عقر دارهم، رغم وفاة الرسول، والأعجب أن من يتولى القيادة هو شاب صغير. والمفاجأة هي انتصار هذا الشاب وعودته سالمًا بالجيش، حتى أن المسلمين قالوا “ما رأينا جيشًا أسلم من جيش أسامة”. ولما بلغ هرقل عظيم الروم بما فعلته سرية أسامة بن زيد، أرسل جيش إلى البلقاء، وظل هناك حتى سارت الجيوش الإسلامية إلى الشام.
نبذة عن حياة أسامة بن زيد
ولد أسامة بن زيد، سنة 7 قبل الهجرة في مكة المكرمة. أسلم مع أبيه “زيد بن حارثة”، وأمه “أم أيمن”. وتوفى رسول الله وعمره 20 سنة. حسب وصف المؤرخين، فقد كان أسامة أسود اللون، أفطس الأنف، ولد في الإسلام، فلم يدرك ظلمات الجاهلية. وكان رضي الله عنه، أكثر الناس ولاء للنبي ومحبة له، يلازمه ولا يتركه أبدًا. فعندما دخل مكة كان بجواره، وعندما دخل الكعبة كان معه.
كان النبي صلى الله عليه وسلم يحبه، حيث قال عنه “إن أسامة بن زيد لمن أحب الناس إلي، وإني لأرجو أن يكون من صالحيكم، فاستوصوا به خيرًا”. وكان الخلفاء يجلونه من بعد وفاة النبي، فعندما قسم عمر بن الخطاب أموال بيت المسلمين، جعل نصيبه أكثر من ابنه عبد الله بن عمر. فسأله عبد الله عن ذلك وقال “لقد فضلت علي أسامة، وقد شهدت مع رسول الله ما لم يشهد”. فرد عليه عمر “إن أسامة كان أحب إلى رسول الله منك، وأبوه كان أحب إلى رسول الله من أبيك”.
بعد انتصار أسامة رضي الله عنه، على الروم، شارك أيضًا في الحروب التالية مثل حروب الردة، وظل يشارك في الفتوحات في عهد الخلفاء. وعندما وقعت الفتنة الكبرى بين علي بن أبي طالب ومعاوية بن أبي سفيان، التزم أسامة الحياد. ورغم محبته لعلي لكنه لم يستطع أن يرفع سيفه في وجه مسلم، بعد أن لامه رسول الله على قتله مشركًا قال “لا إله إلا الله” عندما شعر بالهزيمة.
ظل أسامة في بيته ولم يشارك في أي حدث بين الطرفين، رغم محاولة بعض الصحابة اقناعه. وظل يقول “لا أقاتل أحد يقول لا إله إلا الله أبدًا”. وعندما تنازل الحسن بن علي عن الخلافة لمعاوية، بايعه مع عدد من الصحابة مثل سعد بن أبي وقاص.
بعدما نأى أسامة بنفسه عن الفتن، سكن بالمزة غرب دمشق، ثم سكن وادي القرى، وأخيرًا انتقل إلى المدينة المنورة. ومات سنة 54 وقيل سنة 61 من الهجرة، ودُفِن بالبقيع.
انطلاق الجيوش إلى بلاد الشام
بعد سرية أسامة بن زيد، أرسل أبو بكر الصديق، خالد بن سعيد بن العاص بجيش إلى تيماء، وهي بلدة بين أطراف الشام ووادي القرى. لكنه تحرك ولم ينتظر وصول المدد إليه، فهاجمه الروم بأعداد كبيرة وتعرض للهزيمة. فأعلن أبو بكر النفير إلى الجهاد، وعقد أربعة ألوية، كل لواء عليه أمير، ثم أمرهم أن يسلكوا طرقًا متفرقة، كالتالي:
يزيد من أبي سفيان: ويضم جيشه 7 آلاف مقاتل، ومهمته فتح دمشق.
شرحبيل بن حسنة: ويضم جيشه 3 آلاف أو 4 آلاف مقاتل، وكان طريقه إلى تبوك والبلقاء ثم بصرى.
أبي عبيدة بن الجراح: وعدد جيشه حوالي 4 آلاف رجلًا، وكان طريقه إلى حمص.
عمرو بن العاص: وكان وجهته إلى فلسطين، وجيشه مكونًا من 7 آلاف مقاتل تقريبًا.
وعندما أصدر الامبراطور أوامره للجيش البيزنطي بالخروج والهجوم على المسلمين، استغاث قادة الجيش الإسلامي بأبي بكر، فأمدهم بأعداد أخرى، من الرجال والخيل والسلاح. ثم أرسل خالد بن الوليد من العراق إلى الشام، ليتسلم قيادة الجيوش؛ نظرًا لقدراته العسكرية الفائقة. وقامت عدة معارك كبرى بين المسلمين والروم، مثل أجنادين واليرموك.
المصادر:
ابن الأثير: أسد الغابة في معرفة الصحابة.
ابن سعد: الطبقات الكبرى.
الذهبي: سير أعلام النبلاء.
ابن عساكر: تاريخ مدينة دمشق.
الطبري: تاريخ الأمم والملوك.
ابن كثير: البداية والنهاية.
موقع قصة الإسلام: أسامة بن زيد.
التعليقات
لا توجد تعليقات حتى الآن. كن أول من يعلق!
اترك تعليق
لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *