سعيد بن المسيب هو أحد أعلام التابعين في المدينة المنورة، وكان يلقب بـ “عالم أهل المدينة”، وبـ “سيد التابعين” في زمانه. كان لا يخاف في الله لومة لائم، يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، ولا يهاب أميرًا ولا خليفة. كما كان أيضًا لا يسكت عن الباطل ولا يرضى بجور الحكام، لذلك تعرض للمحن في حياته. وكان رجلًا وقورًا له هيبة، وصاحب رأي ولديه عزة نفس، حتى أنه لم يقبل أي عطاء من الدولة كي لا تتقيد حريته ويتم الحجر على رأيه.

 

نسبه ونشأته

اسمه: سعيد بن الْمُسَيِّبِ بن حزن بن أبي وهب المخزومي القرشي.

كنيته: أبو محمد.

لقبه: سيد التابعين.

أمه: أم سعيد بنت حكيم بن أمية بن حارثة بن الأوقص السُّلَميّة.

أبناؤه: محمد، سعيد، إلياس، أم عمرو، أم عثمان، فاختة، ومريم.

زوجاته: أم حبيب بنت أبي كريم بن عامر الدوسية، وابنة الصحابي أبي هريرة.

ولد سعيد بن المسيب سنة 15 من الهجرة في عهد أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه. أسلم جده حزن وأبيه المسيب، ورغم أنه قرشي لكنه ولد في المدينة المنورة وعاش بها. حضر أباه بيعة الرضوان، وقُتِل جده في معركة اليمامة.

 

طلبه العلم

عاش سعيد في المدينة واجتهد في طلب العلم، فنقل عن عبد الله بن عباس، وسعد بن أبي وقاص وزيد بن ثابت وابن عمر. كما سمع ونقل عن زوجات رسول الله صلى الله عليه وسلم، السيدة عائشة بنت أبي بكر، وأم سلمة. وسمع أيضًا عن عثمان بن عفان وعلي بن أبي طالب، وكان حريصًا على نقل العلم منهما.

ولحرصه على العلم أحبه صحابة رسول الله، واهتم به أبو هريرة رضي الله عنه، وزوجه من ابنته. ونقل سعيد بن المسيب حديث أبي هريرة كله وهو أكثر الرواة عن رسول الله، ونقل أيضًا أحاديث عبد الله بن عمر وأبيه. ومن كثرة مجالسته لعمر بن الخطاب اشتهر بـ”راوية عمر”، لأنه كان أكثر التابعين حفظًا لأحكامه وأقضيته. وكان ابن عمر نفسه يسأله في بعض المسائل المتعلقة بأبيه.

 

علم سعيد بن المسيب

بد أن نهل سعيد بن المسيب من علم الصحابة الكبار وأبنائهم، أصبح وجهة لطلاب العلم الذين يرغبون في النقل عنه. وقال عنه مكحول وهو أحد كبار التابعين “طفت الأرض كلها في طلب العلم، فما لقيت أعلم من ابن المسيب”. ورغم علمه الكبير بالأحاديث النبوية، لكنه كان يبعد نفسه عن تفسير القرآن، كما كان أيضًا يحب الاستماع إلى الشعر، لكن لا ينشده. وقال قتادة عنه “ما رأيتُ أحدًا أعلم بالحلال والحرام من سعيد بن المسيِب”.

كان أعلم الناس بقضاء رسول الله وأبو بكر وعمر، وروى عنه كبار العلماء والفقهاء من التابعين. ومن شدة علمه كان يفتي وأصحاب رسول الله أحياء، حتى أن ابن عمر كان يرسل له الناس إذا سألوا في أمر. وكان أحد الفقهاء السبعة الذين يسألهم الناس في المدينة المنورة وهم: أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، والقاسم بن محمد، وعروة بن الزبير، وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة، وخارجة بن زيد، وسليمان بن يسار.

 

علمه بتفسير الرؤى

كان سعيد بن المسيب عالمًا بتفسير الرؤى. وقد ذكر ابن سعد في الطبقات الكبرى عدة منامات وذكر تفسير ابن المسيب لها، ونقلها الذهبي في سير الأعلام. وقيل أن شخصًا ذهب إليه وقال: يا أبا محمد، رأيت كأني في الظل، فقمت إلى الشمس. فقال بن المسيب: إن صدقت رؤياك لتُخرجن من الإسلام. قال: يا أبا محمد، إني أراني أُخرجت حتى أُدخلت في الشمس فجلست، قال: تُكره على الكفر. ثم أُسِر الرجل لاحقًا وأُكره على الكفر، فرجع وأخبر بهذا أهل المدينة. وعن عمران بن عبد الله، قال: رأى الحسن بن عليٍ كأنه بين عينيه مكتوب: ﴿قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ﴾، فقصُّوها على سعيد بن المسيِب، فقال: إن صدقت رؤياه، قلَّ ما بقي من أجله، فمات بعد أيام.

 

عبادة سعيد بن المسيب

<p>كان سعيد بن المسيب عالمًا من كبار التابعين، وكان عابدًا زاهدًا ورعًا تقيًا، حتى أنه كان يقضي حياته ما بين البيت والمسجد. وقد ورد أنه قال “ما فاتتني الصلاة في جماعة منذ أربعين سنة”. وورد أيضًا أنه قال “ما فاتتني التكبيرة الأولى من خمسين سنة”. وخلال موقعة الحرة سنة 63 من الهجرة، عندما استولى مسلم بن عقبة المري على المدينة المنورة ومنع الناس من الصلاة في المسجد النبوي، أبى ابن المسيب الخروج منه. وقيل أنه اشتكى يومًا من عينه، فنصحه الناس بالخروج من المسجد والذهاب إلى العقيق ورؤية الخضرة، فامتنع وقال “فكيف أصنع بشهود العتمة والصبح”.

كان له تجارة يتكسب منها، لكنه جعل عليها أحدًا يقوم بها حتى لا تشغله عن العبادة. ورغم زهده كان يدعوا إلى كسب المال بطريق مشروع للتمكن من حفظ الكرامة وصلة الرحم. ومع أنه كان زاهدًا لكنه كان صاحب هيئة جميلة، وكانت رائحته العطرة يشمها الناس من بعيد، وإذا سلم عليه أحد ظل عطره عالقًا بيده لمدة طويلة.

 

علاقته ببني أمية

كان سعيد بن المسيب شديدًا في الحق، لا يخاف أحدًا، لذلك كانت علاقته سيئة ببني أمية. فلم يقبل منهم عطاء بيت المال، حتى أصبح له بضع وثلاثين ألفًا. وكان يقول “لا حاجة لي فيها، حتى يحكم الله بيني وبين بني مروان”.

وتعرض سعيد بن المسيب لمحنتين مع بني أمية:

الأولى: خلال موقعة الحرة عندما قتل مسلم بن عقبة المري عددًا كبيرًا من أهل المدينة المنورة ومن بينهم صحابة رسول الله. وأمسك به مسلم وقال له: بايع، فقال: “أبايع على سيرة أبي بكر وعمر”. ولما غضب مسلم وكاد أن يقتله، قام أحد أعيان المدينة وقال له إنه مجنون فتركه.

وذكر الواقدي نقلًا عن عبد الله بن جعفر، أن عبد الله بن الزبير عين جابر بن الأسود على المدينة المنورة خلال فترة خلافته على الحجاز. ودعا جابر الناس لبيعة بن الزبير، ولما طلب من سعيد بن المسيب البيعة قال له “لا، حتى يجتمع الناس”، فضربه ستين سوطًا،. ولما علم بن الزبير كتب إلى جابر يلومه وقال له: ما لنا ولسعيد، دعه.

الثانية: في عام 84م لما دعا الناس بالبيعة إلى الوليد وسليمان أبناء عبد الملك بن مروان، رفض سعيد بن المسيب لعدم صلاحية الوليد للولاية حسب رأيه. فقام والي المدينة هشام بن المغيرة بجلده أمام الناس، ثم سجنه، وكان قد تجاوز الستين من عمره.

وبعد أن تعرض للضرب والتشهير والسجن، منع بني أمية الناس من مجالسته، فكان يجلس وحيدًا في المسجد. وكان الوليد بن عبد الملك يكره سعيد بن المسيب لسببين: لأنه لم يبايعه، والثاني لأنه لم يزوجه ابنته ورفض طلبه الزواج منها. ثم زوجها لتلميذه كثير بن أبي وداعة على 3 دراهم فقط.

ورغم ما تعرض له من محن على يد الأمويين، لكنه رفض الخروج عليهم، وأيضًا لم يدع عليهم قط.

 

وفاة سعيد بن المسيب

مات سعيد بن المسيب في خلافة الوليد بن عبد الملك عام 94 من الهجرة. وقبل وفاته كان قد مرض وضعف بصره، وقد أوصى قائلًا “إذا ما مُت، فلا تضربوا على قبري فُسطاطًا، ولا تحملوني على قطيفة حمراء، ولا تتبعوني بنار”.

 

 

 

 

المصادر:

الذهبي: سير أعلام النبلاء.

ابن سعد: الطبقات الكبرى.

سعيد بن المسيب سيد التابعين – د. وهبة الزحيلي – دار القلم، بيروت، دمشق – الطبعة الخامسة.

قصة الإسلام: سعيد بن المسيب.

إسلام ويب: سعيد بن المسيب.

 

الوسوم :

التعليقات

لا توجد تعليقات حتى الآن. كن أول من يعلق!

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات مشابهة

عرض جميع المقالات