كان سليمان بن صرد الخزاعي زعيم ثورة التوابين التي خرجت على بني أمية في عهد عبد الملك بن مروان. صحابي أسلم في المدينة المنورة على يد رسول الله صلى الله عليه وسلم. فلما أسلم سماه النبي سليمان بعد أن كان اسمه يسار. ورى له الجماعة في كتبهم بعض الأحاديث عن النبي وعلي بن أبي طالب وابنه الحسن، وجبير بن مطعم. ثم عاش سليمان بقية حياته في العراق، وكان من شيعة علي بن أبي طالب، وبعد استشهاد الحسين أسس حركة التوابين وحاول القصاص له.

 

سيرة سليمان بن صرد

بعد فتح العراق في عهد أبي بكر الصديق وعمر بن الخطاب رضي الله عنهما، انتقل سليمان إلى الكوفة وبنى له بيتًا وعاش فيها. وكان في صف علي بن أبي طالب رضي الله عنه يوم صفين وفي كل معاركه. ومن بعده بايع أبنائه الحسن والحسين. وقيل أنه غاب عن موقعة الجمل فوبخه علي رضي الله عنه.

كان سليمان بن صرد ممن عارضوا التحكيم يوم صفين، وممن انتقدوا الحسن بن علي عندما تنازل عن الخلافة لمعاوية بن أبي سفيان في عام الجماعة. وبعد وفاة الحسن، حاول اقناع الحسين بالخروج على بني أمية، لكنه رفض بسبب شروط الصلح بين أخيه ومعاوية، والتي تنص على أن تكون الخلافة لمعاوية طوال حياته.

وعندما مات معاوية، كان سليمان من أوائل أهل الكوفة الذين أرسلوا إلى الحسين يبايعوه ويطلبون منه الثورة على الدولة الأموية. وظل هو والكوفيون يقنعون الحسين حتى ذهب إليهم ومعه أهل بيته. لكن قبل وصوله كان عبيد الله بن زياد والي المدينة قد قتل مسلم بن عقيل ابن عم الحسين الذي سبقه ليتأكد من ولاء أهل الكوفة.

عندما رأى أهل الكوفة ميل الكفة لصالح بني أمية، تخلوا عن الحسين وهو على مشارف المدينة وتركوه وحيدًا أمام جيش عبيد الله بن زياد. وكان سليمان بن صرد من هؤلاء الذين تخلوا عنه.

 

تأسيس حركة التوابين

بعد استشهاد الحسين شعر أهل الكوفة بالندم لتخليهم عنه، ورأوا وجوب القصاص من القتلة حتى يكفرون عن ذنبهم، ومن هنا نشأت حركة التوابين. وكان أول اجتماع لهم في بيت سليمان بن صرد الخزاعي. وبعد أن تحدث الزعماء واحدًا تلو الآخر، أوصوا في النهاية أن يتزعم الثورة سليمان بن صرد، لصحابته لرسول الله وقرابته من علي بن أبي طالب وأبنائه. وضع سليمان عدة أهداف للثورة كالتالي:

تحويل الكوفة إلى مركز للحكم الشيعي وطرد الأمويين منها.

القصاص في كل من شارك أو ساهم في مقتل الحسين بن علي.

تجسيد فكرة الاستشهاد، ويكون ذلك باعتزال النساء والتنازل عن الأموال.

التضحية بالنفس والإلحاح في طلب التوبة.

 

بدأ سليمان يحصل على دعم من شيعة المدائن والبصرة، لكن ظلت حركته سرية حتى وفاة يزيد بن معاوية. ثم استولى عبد الله بن الزبير على الكوفة وعين عليها عبد الله بن يزيد الخطمي الأنصاري. لكن قبل وصوله كان المختار الثقفي قد وصل إلى الكوفة، وبدأ يدعوا الناس لمبايعته ودعمه من أجل الانتقام من قتلة الحسين. انضم له بعض الشيعة، لكن ظل الغالبية يتبعون سليمان، الذي رفض نفسه مبايعته المختار لكبر سنه وعدم خبرته في أمور الحرب والقتال.

 

ثورة التوابين

في 5 ربيع الثاني سنة 65 هـ، جمع سليمان التوابين، وكان عددهم 4 آلاف وذهب بهم إلى قبر الحسين. ولما وصلوا إلى القبر صاحوا صيحة واحدة، وازدحموا حوله أكثر من ازدحام الحجاج في الحج حول الحجر الأسود. فتابوا أمامه وبكوا وجددوا العهد له.

وفي 22 جمادى الأول سنة 65هـ، أرسل عبد الملك بن مروان جيش الشام بقيادة عبيد الله بن زياد لقتال التوابين في عين الوردة. وقيل أن عدد التوابين كان 16 ألفًا. فلما رأوا جيش الشام الكبير هربوا وتخلوا عن زعيمهم فلم يبقى معه سوى 3 آلاف فقط.

وقيل أيضًا أنهم قاتلوا قتالًا عظيمًا، وكان زعيمهم سليمان عمره 93 عامًا، وظل يقاتل حتى أصيب بسهم ثم قُتِل. ثم تراجع البقية وهربوا وابتعدوا عن ميدان المعركة، ولم يلاحقهم الجيش الأموي.

 

 

 

 

المصادر:

ابن سعد: الطبقات الكبرى.

ابن الأثير: أسد الغابة في معرفة الصحابة.

الذهبي: سير أعلام النبلاء.

ابن حجر: الإصابة في تمييز الصحابة.

الطبري: تاريخ الأمم والملوك.

الخطيب البغدادي: تاريخ بغداد.

 

 

الوسوم :

التعليقات

لا توجد تعليقات حتى الآن. كن أول من يعلق!

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات مشابهة

عرض جميع المقالات