سليمان بن عبد الملك بن مروان هو الخليفة السابع للدولة الأموية، استمر حكمه سنتان وثمانية أشهر. في حياة والده عبد الملك بن مروان كان والي فلسطين، وكذلك خلال خلافة أخيه الوليد بن عبد الملك. أسس مدينة الرملة لتكون العاصمة الإدارية لفلسطين، وظلت كذلك حتى القرن الحادي عشر. بدأ خلافته بعزل كل أتباع الحجاج بن يوسف الثقفي، وقبل وفاته عهد بالخلافة لابن عمه عمر بن عبد العزيز.
نسبه
اسمه: سليمان بن عبد الملك بن مروان بن الحكم بن أبي العاص بن أمية.
أبوه: الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان.
جده: الخليفة الأموي مروان بن الحكم.
أمه: ولَّادة بنت العباس بن جزى بن الحارث بن زهير.
أخوته الأشقاء: الخليفة الأموي الوليد بن عبد الملك، ومروانَ الأكبر، وداودَ، وعائشةَ.
أخوته لأبيه: يزيد، ومروان، ومعاوية، وهشام، وسعيد، وأبو بكر، والحكم، وأم كلثوم، وفاطمة، وعبد الله، ومحمد، ومسلمة، والمنذر، وعنبسة، والحجاج.
كنيته: أبو أيوب.
نشأته
ولد سليمان بن عبد الملك في خلافة معاوية بن أبي سفيان عام 54 من الهجرة، في المدينة المنورة، ونشأ في البادية بين أخواله بني عبس. عينه أبوه عبد الملك بن مروان على جند فلسطين، وفي عام 81 هـ، قاد قافلة الحج من فلسطين إلى مكة.
بعد وفاة عبد العزيز بن مروان الذي كان ولي العهد بعد أخيه عبد الملك بن مروان، عهد عبد الملك بولاية العهد لأبنائه، الوليد ومن بعده سليمان. وبعد وفاة عبد الملك، تسلم ابنه الوليد خلافة بني أمية، وظل سليمان والي فلسطين، واتخذ رجاء بن حيوة مستشارًا له.
إجارته ليزيد بن المهلب بن أبي صفرة
وفي عهد الوليد برز الحجاج بن يوسف الثقفي وبسط نفوذه، فعزز سليمان علاقته بخصومه. وفي عام 89 من الهجرة، لجأ إليه يزيد بن المهلب بن أبي صفرة، بعد أن طرده الحجاج من خراسان، ثم سجنه. استطاع يزيد الهرب من السجن ولجأ إلى سليمان في فلسطين، فأرسل الحجاج إلى الوليد يخبره بالأمر.
وبدوره أرسل الوليد إلى أخيه سليمان أمرًا بترك يزيد للحجاج. لكن سليمان ذكر الوليد بمكانة يزيد وأرسل له رسالة قال فيها: “يا أمير المؤمنين، إني أجرت يزيد بن المهلب؛ لأنه مع أبيه وإخوته أحباء لنا من عهد أبينا، ولم أجر عدوًّا لأمير المؤمنين. وقد كان الحجاج عذبه وغرمه دراهمَ كثيرة ظلمًا، ثم طلب منه بعدها مثل ما طلب أولًا. فإن رأى أمير المؤمنين أن لا يخزيني في ضيفي فليفعل؛ فإنه أهل الفضل والكرم”.
ورغم ذلك أصر الوليد على أن يرسله إليه مقيدًا مغلولًا، فما كان من سليمان إلا أن قيد ابنه أيوب مع يزيد بنفس السلسة، وأرسلهما معًا إلى الوليد. وكتب إليه “أما بعد؛ يا أمير المؤمنين، فقد وجهت إليك يزيد وابن أخيك أيوب بن سليمان، وقد هممت أن أكون ثالثهما، فإن هممت يا أمير المؤمنين بقتل يزيد فبالله عليك فابدأ بقتل أيوب، ثم اجعل يزيدًا ثانيًا، واجعلني إن شئت ثالثًا، والسلام”.
لما رأى الوليد ابن أخيه مقيدًا مع يزيد، وقرأ رسالة أخيه سليمان، قال: “لقد أسأنا إلى أبي أيوب؛ إذ بلغنا به هذا المبلغ”. ثم قص يزيد ما فعله الحجاج به، فأمر الوليد بنزع قيدهما، وأمر لابن أخيه بـ30 ألف درهم، وليزيد بـ20 ألف. ثم كتب إلى الحجاج يقول له: “لا سبيل لك على يزيد بن المهلب، فإياك أن تعاودني فيه بعد اليوم”.
من هذا اليوم عاش يزيد برفقة سليمان في فلسطين معززًا مكرمًا، حتى توفي الحجاج سنة 95 من الهجرة.
تأسيس الرملة
أسس سليمان بن عبد الملك مدينة الرملة لتكون عاصمة إدارية لفلسطين، بديلة لمدينة اللد. وظلت الرملة عاصمة إدارية حتى العهد الفاطمي. وذكر بعض المؤرخين أن السبب صغر مدينة اللد، وامتلاك الأهالي لمعظم أراضيها، فلم يجد فرصة لتوسيعها إلا بمصادرة الأراضي وكان هذا غير ممكن. وقال آخرون أنه أراد أن يخلد اسمه ببناء عظيم، كما بنى أباه عبد الملك بن مروان قبة الصخرة في القدس، وأخيه الوليد بن عبد الملك الجامع الأموي في دمشق.
وسميت الرملة بهذا الاسم لكثرة الرمال المحيطة بها. وقال القلقشندي نسبة إلى امرأة اسمها رملة، أكرمت سليمان دون أن تعرفه. وكان قصر سليمان ومقر إقامته أول مبنى في المدينة، ثم أمر بتشييد مسجد وسط المدينة، عُرِف بالمسجد الأبيض، والذي اكتمل بناءه في عهد عمر بن عبد العزيز. ولم يبقى من المسجد اليوم سوى القبة الكبيرة، وتطلق عليه إسرائيل البرج الأبيض.
مع الوقت أصبحت الرملة مركزًا اقتصاديًا مهمًا، يعج بالمنتجات الزراعية والصناعات مثل صناعة الفخار والصباغة والنسيج. كما أصبحت موطنًا لعدد كبير من العلماء المسلمين، وانتقل إليها أهل اللد المسيحيين واليهود والسامريين.
كما اهتم سليمان بجميع مدن فلسطين، ففي بيت المقدس أمر ببناء حمام بالقرب من المسجد الأقصى. كان المصلون في مسجد قبة الصخرة يتوضؤون في هذا الحمام قبل الصلاة. كما بنى الأقواس والمطاحن والحدائق في مدينة أريحا، لكنها تدمرت لاحقًا بسبب الفيضانات. كما طور أيضًا منطقة قريبة من القطيفة في أحد ضواحي دمشق، والتي عُرِفت من بعده بالسليمانية.
خلافة سليمان بن عبد الملك
حاول الوليد بن عبد الملك أخذ البيعة لابنه عبد العزيز بدلًا من أخيه سليمان. وكان سليمان ولي للعهد بعد الوليد منذ حياة والدهما عبد الملك بن مروان. قال المؤرخ عمر بن شبة أن الوليد عرض أموالًا كثيرة على سليمان لكنه رفض.
يقال أن الوليد فعل ذلك بنصيحة من الحجاج بن يوسف، وبدأ يرسل للأقاليم والمدن كي يحصل على البيعة لابنه. لكن لم يبايع عبد العزيز سوى الحجاج وقتيبة بن مسلم والي خراسان وبلاد ما وراء النهر. لكن الحجاج مات في نفس العام.
كما عارض الفكرة عمر بن عبد العزيز وقال “لسليمان في أعناقنا بيعة”. فقام الوليد بحبسه، وقيل حاول خنقه فصاحت زوجته فاطمة بن عبد الملك. لذلك لم ينسى سليمان هذا الموقف لعمر بن عبد العزيز.
وقيل أن عباد بن زياد بن أبيه، نصح الوليد بالضغط على أخيه سليمان، فاستدعاه إلى دمشق. تباطأ سليمان في الخروج، ثم مرض الوليد ومات في 15 جمادى الآخر سنة 96 من الهجرة. ولما وصل سليمان نبأ وفاة أخيه بعد 7 أيام، خرج من الرملة متوجهًا إلى دمشق، فأخذ البيعة من أهلها، وصعد المنبر وخطب في الناس.
وذكر البعض أن سليمان استمر في الحكم من فلسطين، حتى اعتقد بعض المؤرخين أن الرملة صارت عاصمة الخلافة بدلًا من دمشق.
صفاته
كان سليمان طويلًا نحيلًا أبيض الوجه، فصيحًا بليغًا يحسن اللغة العربية. وكان مكتوبًا على خاتمه “أؤمن بالله مخلصًا”. كان متمسكًا بتعاليم الإسلام، يقول ابن الأثير: “كان الناس يقولون: سليمان مفتاح الخير، ذهب عنهم الحجاج، وولي سليمان، فأطلق الأسرى، وأخلى السجون، وأحسن إلى الناس، واستخلف عمر بن عبد العزيز”.
خلال خلافته، حج بالناس مرة واحدة عام 97 هـ، وكان معه عمر بن عبد العزيز وموسى بن نصير، ومن الشعراء جرير والفرزدق.
كان سليمان مشهورًا بحبه للأكل، فوصفه اليعقوبي بالشراهة في الأكل. وقال الذهبي: “وكان من الأكلة، حتى قيل: إنه أكل مرة أربعين دجاجة، وقيل: أكل مرة خروفًا وست دجاجات، وسبعين رمانة، ثم أتي بمكوك زبيب طائفي فأكله”.
كما كان يحب الشعر ويجالس الشعراء، وله شعر قاله خلال خطبة خلافته، وشعر رثا به ابنه أيوب.
سياسته وإداراته للدولة
كان أسلوب سليمان بن عبد الملك في الحكم مختلفًا عن أسلافه، فتمسك بتعاليم الإسلام وأخذ برأي العلماء. وكتب إلى عماله يأمرهم “إن الصلاة قد أُميتت فأحيوها بوقتها”. وبدأ سليمان بتنفيذ الوعود التي قالها خلال خطبة توليه العرش، حيث قال “قد عزلت كل أمير كرهته رعيته، ووليت أهل كل بلد من أجمع عليه خيارهم، واتفقت عليه كلمتهم”. بدأ بعزل كل الولاة الذين يكرهم الناس، وعين مكانهم ولاة محبوبين بين الرعية.
وبسبب ذلك وصفه بعض المؤرخين بأنه من خيار بني أمية. فقال بن كثير: “يرجع إلى دين وخير ومحبة للحق وأهله، وإتباع القرآن والسنة وإظهار الشرائع الإسلامية رحمه الله”. وقال المسعودي: “كان سليمان لين الجانب، لا يعجل إلى سفك الدماء، ولا يستنكف عن مشورة النصحاء”. وقال بن قتيبة: “افتتح بخير وختم بخير لأنه رد المظالم إلى أهلها، ورد المسيرين وأخرج المسجونين الذين كانوا بالبصرة”.
كان سليمان يعتمد على مشورة عمر بن العزيز، حيث جعله مستشارًا له. كما كان يستشير العلماء والفقهاء مثل رجاء بن حيوة، الذي كان أقرب الناس إليه وأكثرهم ثقة.
بدأ سليمان خلافته بعزل كل عمال الحجاج، فعزل يزيد بن أبي مسلم الثقفي من ولاية العراق، ووضع مكانه يزيد بن المهلب. كما عزل ولاة البصرة والكوفة والمدينة، وعاقب عائلة الحجاج فعزلهم جميعًا. وبدأ يخرج من سجنهم الحجاج، فأرسل محمد بن يزيد إلى أهل الديماس في العراق، فأخرجهم من سجون الحجاج.
وكان على ولاية أفريقية عبد الله بن موسى بن نصير، وهو من موالي الحجاج. أمر سليمان أن يأتي إليه في الأغلال، فلما جاءه نظر إليه وقال: “لعن الله من ولاك”. قال: “لا تفعل يا أمير المؤمنين؛ فإنك رأيتني والأمور مدبرة عني، فلو رأيتني في الإقبال لاستعظمت ما استحقرت”. فقال سليمان: “قاتله الله ما أسد عقله”. ثم قال له: “أترى الحجاج يهوي بعد في جهنم أو بلغ قعرها؟”. فقال عبد الله: “لا تقل ذاك؛ فإنه يحشر مع من ولاه”. فقال سليمان: “مثل هذا فليصطنع”. ثم أمر سليمان أن يفتشوا في ولايته، فلم يجدوا عليه شيء، فعفا عنه. لكن نصحه رجاء بن حيوة أن يعين مكانه محمد بن يزيد الأنصاري، ففعل.
سليمان بن عبد الملك وقتيبة بن مسلم
كان قتيبة بن مسلم من عمال الحجاج الثقفي، فلما تولى الخلافة أرسل له رسالة يعزيه في أخيه، ويهنئه بالخلافة. وذكر البعض أنه أرسل له مع الرسول 3 رسائل، في الأولى التعزية والتهنئة، والثانية يذم فيها يزيد بن المهلب، ويهدد بخلع سليمان إن عزله، والثالثة كتب فيها أنه يخلع سليمان كليًا. ثم طلب من الرسول أن يدفع بالرسالة الأولى إلى سليمان، فإن قرأها وأعطاها ليزيد، فليدفع إليه بالثانية، فإن قرأها ثم دفعها ليزيد فليدفع إليه بالثالثة. وكان الرسول كلما أعطى سليمان رسالة ليزيد، يعطيه ما بعده حتى أعطاها الأخيرة وفيها خلع سليمان.
وقيل أن قتيبة لم يتمرد، لكن تعرض لمكيدة بسبب المنافسة بين القبائل. وانتهت هذه الفتنة والمكيدة بالتمرد عليه وقتله سنة 96 من الهجرة. وكان وكيع بن أبى سود التميمى، هو الذي قاد التمرد عليه وقتله، وقيل قتل معه 11 من أهله، وأرسل برؤوسهم جميعًا إلى سليمان في دمشق. ثم ضم سليمان خراسان إلى ولاية العراق تحت إمرة يزيد بن المهلب.
سليمان بن عبد الملك ومحمد بن القاسم الثقفي
فتح محمد بن القاسم بلاد السند خلال 3 سنوات. وبينما كان عازمًا على فتح قنوج أعظم ممالك الهند، وفتح البنجاب، توفى الحجاج بن يوسف الثقفي، ثم الوليد بن عبد الملك بعده، فتوقف الفتح. وبمجرد أن تسلم العرش سليمان بن عبد الملك خلعه من السند، لأنه ابن عم الحجاج، وعين مكانه يزيد بن أبي كبشة السكسكي.
لم يكتف سليمان بعزله بل جعل واليه الجديد يزيد بن أبي كبشة يقبض عليه ويرسله إلى العراق. وقيل لما علمت ابنة الملك الداهر باعتقاله، استغلت الفرصة للانتقام منه، وادعت أنه قام باغتصابها. لذلك ظل محمد محبوسًا في مدينة واسط، وتعرض للتعذيب. وبعد شهور من التعذيب مات محمد بن القاسم الثقفي سنة 96 من الهجرة، وعمره 23 سنة.
وبعد محمد القاسم، خسر المسلمون أغلب ما فتحه. وحارب حكام هذه البلاد العرب وأخرجوهم من بلادهم، ولم تبقى هناك سيطرة سوى على بعض المناطق السفلى من الإقليم.
سليمان بن عبد الملك وموسى بن نصير
بينما كان موسى بن نصير يعمل على فتح جليقية، ومنهمكًا في فتح شمال الجزيرة الأيبيرية بعدما فتح جنوبها ووسطها، وصلته رسالة من الخليفة يأمره فيها بالعودة. وهنا توقفت الفتوحات وعاد موسى بن نصير وبرفقته طارق بن زياد إلى دمشق. استقبله الوليد بن عبد الملك وهو مريضًا وأحسن استقبال وأكرمه بعدما رأى موكب الغنائم والأسرى.
وخلال 40 يومًا مات الوليد، وتسلم العرش أخيه سليمان بن عبد الملك، الذي اضطهد موسى بن نصير وعاقبه لخلاف بينهما. ذكر البعض أن سبب الخلاف، أن سليمان طلب من موسى ألا يدخل دمشق حتى يموت الوليد وقد كان على فراش الموت. لكنه استكمل طريقه ولم ينصت له، وقدم تقريرًا بالفتح للوليد قبل موته.
قيل أن سليمان طلب موسى، فلما جاءه تركه واقفًا في الشمس حتى سقط مغشيًا عليه، وكان عمره 80 عامًا. ثم قال له موسى “أما والله يا أمير المؤمنين ما هذا بلائي ولا قدر جزائي”. وعاش موسى باقي أيامه في عزلة داخل دمشق بعيدًا عن الأحداث.
ثم ندم سليمان بما فعله به، وقال “ما ندمتُ على شيء ندمي على ما فعلته بموسى”. وأراد أن يكفر عن ذنبه، فأخذه معه للحج سنة 97 أو 99 من الهجرة، لكنه مات في الطريق.
فتوحات سليمان بن عبد الملك
كانت أبرز الحملات العسكرية في عهد الخليفة الأموي سليمان بن عبد الملك، حصار القسطنطينية بقيادة أخيه مسلمة بن عبد الملك. وفتح مدينة الصقالبة قرب أرض البلغار. وأيضًا غزو دهستان وطبرستان وجرجان على يد يزيد بن المهلب بن أبي صفرة. كما قام الوليد بن هشام بحملة على أهل أنطاكية برفقة عمرو بن قيس، ووصلا إلى ضواحي القسطنطينية.
وبالنسبة لبلاد السند، فقد توقفت الفتوحات بعد محمد بن القاسم الثقفي. وقام إمراء الهندوس بالتمرد وعمل ثورات لاسترداد ملكهم، خاصة بن داهر ملك السند. لكن استطاع الحبيب بن المهلب من الوقوف بوجهه ومنعه من لك.
وفي بلاد ما وراء النهر، توقف الفتوحات أيضًا بعد مقتل قتيبة بن مسلم. ووقف المسلمون عند كاشغر على حدود الصين، ولم يهتم يزيد بن المهلب بفتح المزيد.
وبخصوص الأندلس، فقد حدثت اضطرابات بعد مقتل عبد العزيز بن موسى بن نصير. وظلت البلاد بدون والي لأشهر طويلة، حتى اجتمعوا على أيوب بن حبيب اللخمي. ثم عين سليمان بلًا منه الحر بن عبد الرحمن الثقفي، ونقل مركز الإمارة من إشبيلية إلى قرطبة. ثم اتجه الحر إلى الشمال الشرقي وغزا أربونة. وهنا استغل أحد النبلاء القوط وكان يدعى “بلاي”، انشغال المسلمين في الشرق، وأسس في الشمال الغربي إمارة أستورياس.
وفاة سليمان بن عبد الملك
كان سليمان يطمح إلى إعطاء ولاية العهد لابنه الكبير أيوب، لكنه مات بالطاعون في 8 محرم سنة 99 من الهجرة. حزن سليمان على ابنه حزنًا شديدًا، يقول الأصمعي: “اشتد جزع سليمان بن عبد الملك على ابنه أيوب حتى جاءه المعزّون من الآفاق”.
ثم مرض سليمان ومات بعد انه بـ42 يومًا، في 10 صفر سنة 99 من الهجرة. وكانت وفاته بمرج دابق في قنسرين. واختلف المؤرخين في نوع مرضه، فقيل أصيب بالتخمة، وقيل بذات الجنب وظهرت عليها أعراضها، فنزل محمومًا وهو يخطب الجمعة.
وقيل أنه مات من حزنه على ابنه، فقال ابن الجوزي: “ما زال سليمان بعد وفاة ابنه يذوب وينحل، حتى مات كمدًا”.
وتوفى سليمان وعمره 39 سنة، وقيل 45 سنة، وقيل 43 سنة. وكانت خلافته سنة و8 أشهر، وقال البعض كانت خلافته 3 سنين و3 أشهر. وترك خلفه 14 ولدًا، وتزوج في حياته 7 زوجات.
وبعد أن صلى عمر بن عبد العزيز المغرب بالناس، صلى عليه، ودفنه ليلًا.
استخلافه لعمر بن عبد العزيز
بعد وفاة أيوب، كان سليمان بن عبد الملك يفكر في تولية ابن صغير له لم يبلغ الحلم. واستشار رجاء بن حيوة في ذلك فقال له: “إن مما يحفظ الخليفة في قبره أن يولي على المسلمين الرجل الصالح”. ثم طرح اسمه ابنه داوود، فقال ابن حيوة: “إنه غائب عنك بالقسطنطينية ولا تدري أحي هو أو ميت”.
طلب سليمان نصيحة بن حيوة فيمن يوليه من بعده، ثم قال له: “فكيف ترى في عمر بن عبد العزيز؟”. فقال ابن حيوة: “أعلمه والله فاضلًا خيارًا مسلمًا”. فقال سليمان: “هو على ذلك، والله لئن وليته ولم أول أحدًا من ولد عبد الملك لتكونن فتنة ولا يتركونه أبدًا يلي عليهم إلا أن أجعل أحدهم بعده”.
وجعل سليمان ولي العهد بعد عمر بن العزيز، يزيد بن عبد الملك. ثم كتب كتابًا بذلك وأرسله إلى عمر. ولما مات سليمان جمع ابن حيوة الناس في مسجد دابق، وقال بايعوا لمن في هذا الكتاب، فبايعوه. ولما ذكر اسم عمر بن عبد العزيز تغيرت وجوه بني مروان، فلما ذكرت بعده يزيد رضوا بعض الشيء. لكن هشام بن عبد الملك قال: “لا نبايعه أبدًا”. فقال بن حيوة: “اضرب عنقك والله، قم فبايعه”.
المصادر:
ابن عساكر: تاريخ دمشق
ابن سعد: الطبقات الكبرى.
الذهبي: سير أعلام النبلاء.
ابن خلكان: وفيات الأعيان.
الطبري: تاريخ الأمم والملوك.
ابن كثير: البداية والنهاية.
ابن الأثير: الكامل في التاريخ.
البلاذري: فتوح البلدان.
ابن الجوزي: المنتظم في تاريخ الملوك والأمم.
ابن عذاري: البيان المغرب في اختصار أخبار ملوك الأندلس والمغرب.
محمد سهيل طقوش: تاريخ الدولة الأموية.
ابن خلدون: ديوان المُبتدأ والخبر في تاريخ العرب والبربر.
التعليقات
لا توجد تعليقات حتى الآن. كن أول من يعلق!
اترك تعليق