شعراء الرسول الثلاثة، حسان بن ثابت، كعب بن مالك، وعبد الله بن رواحة، كانوا أحد الأسلحة المهمة لنشر الإسلام والدفاع عنه. وكان النبي صلى الله عليه وسلم يحب الشعر ويستمع للشعراء ويشجعهم، كما كان يطلب منهم أن يعينوه بشعرهم في نشر الدين ورد كيد الأعداء والمشركين. فقد ورد أنه صلى الله عليه وسلم، قال لسيدنا حسان بن ثابت “إن روح القدس ما زال يؤيدك، ما نفحت عن الله ورسوله”. وكان الشعر في العصر الإسلامي يتميز بالدعوة إلى الأخلاق والفضيلة والعدل والرحمة، عكس الشعر في العصر الجاهلي الذي غلب عليه الغزل الفاحش والهجاء.

 

شعراء الرسول الثلاثة

كان عدد شعراء الرسول ثلاثة شعراء، وإليك أسمائهم ونبذه مختصرة عن كلٍ منهم:

حسان بن ثابت

ولد شاعر الرسول حسان بن ثابت رضي الله عنه، في يثرب قبل ولادة رسول الله بـ 8 سنين، وقيل سنة 60 قبل الهجرة. عاش في الجاهلية 60 سنة، و 60 سنة في الإسلام، وكان في الجاهلية منغمسًا في حياة اللهو والغزل. كما كان ينشد الشعر وينزل على ملوك الغساسنة في الشام، لكن بعد إسلامه أصبح شاعر الرسول.

كانت المدينة المنورة قبل قدوم النبي ميدانًا للحرب والخصومة بين الأوس والخزرج. وكان حسان بن ثابت من قبيلة الخزرج وشاعرها، وقيس بن الخطيم شاعر الأوس. أصبح كلًا منهما لسان قومه في تلك الحرب والخصومة، فاشتهر حسان بن ثابت في شبه الجزيرة العربية كلها بفضل شعره القوي.

مع الوقت وصلت شهرته إلى الشام وعرفه ملوك الغساسنة، فأصبح يمدحهم في شعره، ويأخذ منهم العطايا والهدايا. وبعد أن ذاق نعيم الملوك، ذهب أيضًا لملوك الحيرة، عندما كان يحكمهم النعمان بن المنذر، وأصبح شاعرهم وحلَّ محل النابغة الذبياني. فكان لاحتكاكه بالملوك أثر كبير في صقل شعره خاصة شعر المدح والهجاء. وكان شعره يحتوي على الألفاظ الجزلة القوية، ويتميز بالتعظيم والتضخيم.

حياته بعد الإسلام

أسلم شاعر الرسول سيدنا حسان بن ثابت وهو في عمر الستين. وبعد أن كان يستخدم الشعر للدفاع عن قبيلته والحصول على عطايا الملوك في الجاهلية، سخره للدفاع عن النبي وعن الإسلام، ورد هجمات قريش اللسانية. وكان رسول الله يثني على شعره، ويشجعه على ذلك. فكان يهجوا قريش بالأيام التي هزموا فيها ويعايرهم بالأنساب.

شعر حسان بن ثابت

اتفق النقاد والرواة والشعراء بأن الصحابي الجليل حسان بن ثابت رضي الله عنه أشعر أهل اليمن والعرب قاطبة. وكان الهجاء يسيطر على شعره، يليه الافتخار بقومه الأنصار، ومدح النبي صلى الله عليه وسلم، وأيضًا مدح الملوك الغساسنة، والنعمان بن المنذر ملك الحيرة. وكان الغزل ووصف اللهو ومجالس الخمر يسيطر على شعره في الجاهلية، وهو ما امتنع عنه بعد إسلامه.

في الإسلام اقتصر شعر حسان بن ثابت، على النبي والصحابة الكرام، خاصة الأبطال الذين أبلوا بلاءً حسنًا في الدفاع عن الإسلام. ومن مدحه لرسول الله قوله:

نبي أتانا بعد يأس وفترة من الرسل

والأوثان في الأرض تعبد

فأمسى سراجًا مستنيرًا وهاديًا

يلوح كما لاح الصقيل المهنـد

وأنذرنا نارًا وبشر جـنة

وعلمنا الإسلام، فالله نحــمد

 

كعب بن مالك

كان كعب بن مالك رضي الله عنه، أحد شعراء الرسول، وهو من الأنصار الذين أسلموا مبكرًا وشهدوا بيعة العقبة. كان يكنى في الجاهلية أبا بشير، وآخى رسول الله بينه وبين الزبير بن العوام. يقول الزبير “فلقد رأيت كعبًا أصابته الجراحة بأحد، فقلت: لو مات، فانقلع عن الدنيا، لورثته؛ حتى نزلت: وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله، فصارت المواريث بعد للأرحام والقرابات، وانقطعت المواريث بالمؤاخاة. لكن ذكر ابن إسحاق أن النبي صلى الله عليه وسلم آخى بين كعب وطلحة.

وفي غزوة أحد كان أول من رأى رسول الله، ونادى بأعلى صوته أن رسول الله حي لم يقتل.

كما ذكر بن إسحاق خلافًا لكل أهل العلم أن كعب رضي الله عنه، حضر غزوة خيبر، وخرج لمبارزة مرحب اليهودي، وهو يقول:

قد علمت خيبر أني كعب

مفرج الغمي جرئ صلب

وإذ شبت الحرب تلتها الحرب

معي حسام كالعقيق عضب

نطؤكم حتى يذل الصعب

نعط الجزاء أو يفيء النهب

 

تخلف كعب عن غزوة تبوك

كان سيدنا كعب أحد الثلاثة الذين خلفوا عن غزوة تبوك، والاثنان الآخران هم، هلال بن أمية، ومرارة بن الربيع. وكان النبي صلى الله عليه وسلم، قد أمر الصحابة بألا يتحدثوا معهم، فتحمل رضي الله عنه، بصبر وثبات. وظل الثلاثة في ضيق وعزلة لمدة خمسين يومًا، حتى ضاقت عليهم الحياة، لكن الله تاب عليهم بسبب صدقهم وندمهم الشديد. وأنزل الله فيهم قوله تعالى {وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لاَ مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلاَّ إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ}.

أصيب الصحابي كعب بن مالك بالعمى في آخر حياته، ثم توفى سنة 50  وقيل 53 من الهجرة.

 

عبد الله بن رواحة

كان الصحابي الجليل عبد الله بن رواحة بن ثعلبة، واحد من شعراء الرسول الثلاثة، الذين دافعوا عنه بشعرهم. كما كان قائد عسكري، شارك مع النبي في الغزوات كلها. شهد بيعة العقبة وأسلم مبكرًا، وآخى النبي بينه وبين المقداد بن عمرو، ثم شارك في كل الغزوات، فشهد بدر وأحد والحديبية وخيبر. وفي عمرة القضاء قال له النبي “انزل فحَرِّك بنا الرِّكَاب”، فأنشد:

يا رب لولا أنت ما اهتدينا

ولا تصدَّقنا ولا صلَّينا

فأنزلن سكينة علينا

وثبِّت الأقدام إن لاقينا

إن الكفار قد بغوا علينا

وإن أرادوا فتنة أبينا

 

وكان النبي صلى الله عليه وسلم يستخلفه على المدينة، ويرسله على رأس السرايا، وكان واحد من الرجال القلائل في يثرب الذين يعرفون القراءة والكتابة. ومن شعره في مدح الرسول:

إني تفرست فيك الخير أعرفه

والله يعلم أن ما خانني البصر

أنت النبي ومن يحرم شفاعته

يوم الحساب فقد أزرى به القدر

فثبت الله ما آتاك من حسن

تثبيت موسى ونصرًا كالذي نصروا

 

استشهاده في غزوة مؤتة

في غزوة مؤتة سنة 8 من الهجرة، اختاره النبي أحد القادة الثلاثة الذين عينهم على الجيش، لقتال الروم والغساسنة. وكان عدد جيش المسلمين 3 آلاف مقاتل فقط، بينما كان جيش الأعداء 200 ألف مجهزين بأحدث أسلحة القتال. وعندما شعر المسلمون بالرهبة من فرق العدد الكبير، قال بن رواحة “يا قوم، والله إن الذي تكرهون للتي خرجتم لها الشهادة”.

وبعدما التقى الجيشان وبدأت المعركة، استشهد القائد الأول زيد بن حارثة، ثم القائد الثاني جعفر بن أبي طالب، ثم تسلم عبد الله بن رواحة القيادة وأنشد:

أقسمت يا نفس لتنزلنه

طائعة أو لا لتكرهنه

فطالما قد كنت مطمئنة

ما لي أراك تكرهين الجنة

هل أنت إلا نطفة في شنة

قد أجلب الناس وشدوا الرنة

وظل عبد الله بن رواحة يقاتل بكل شجاعة، حتى استشهد، فتسلم خالد بن الوليد قيادة الجيش، ونجح في الحفاظ على المسلمين والعودة بالجيش سالمًا للمدينة.

 

 

 

المصادر:

ابن عساكر: تاريخ دمشق.

الذهبي: سير أعلام النبلاء.

الأصفهاني: معرفة الأصحاب.

ابن سعد: الطبقات الكبرى.

موقع إسلام ويب: شعراء الرسول صلى الله عليه وسلم.

 

الوسوم :

التعليقات

لا توجد تعليقات حتى الآن. كن أول من يعلق!

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات مشابهة

عرض جميع المقالات